مع الكوارث البيئية التي تسبّبها المصافي النفطية غير المُجازة والمولدات الأهلية في إقليم كوردستان، والتي تعمل بعيداً عن متطلبات وشروط السلامة المطلوبة، تصدر بين فينة وأخرى قرارات حكومية لغلق تلك المصافي، لكنها فعلياً لم تُطبق، وذلك لوقوف جهات وشخصيات حزبية مُتنفّذة وراءها وما تُحققه من واردات شهرية يصل بعضها إلى ملايين الدولارات!

السرطان.. أخطر من الإرهاب
يشهد إقليم كوردستان منذ سنوات ارتفاعاً مخيفاً في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، ومنها الربو والسرطان، وفق ما تؤكده الأرقام والإحصائيات الرسمية المحلية. ومن الجدير بالذكر أن الإصابات بهذه الأمراض الخطيرة ناتجة عن جملة أسباب، منها: انتشار الحقول والمصافي النفطية الرسمية وغير الرسمية (غير المُجازة)، إضافة إلى رداءة نوعية الوقود، حيث يتم نقله بصهاريج مخصصة لعدة أنواع من الوقود في الوقت ذاته، إلى جانب خزنه تحت الأرض وتسرب المياه الجوفية إليه في بعض المحطات الحكومية القديمة، فضلاً عن الأغذية المستوردة التي تحتوي على مواد كيميائية حافظة تتحول بمرور الزمن إلى مواد مسرطنة.

أربيل عاصمة السرطان
وفقاً لأحدث إحصاء صدر عن مجلس السرطان في العراق، تتصدر أربيل جميع محافظات العراق من حيث نسب الإصابة بالأمراض السرطانية القاتلة، حيث بلغت أكثر من ثلاثة آلاف حالة في عام 2023، أي بواقع 143 حالة من بين كل 100 ألف من سكان المحافظة. ويرى مراقبون ومختصون أن كل بيت في أربيل سيضم مصاباً بالسرطان في المستقبل القريب إذا لم يتم القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى انتشار السرطان.

أسباب تلوث البيئة في الإقليم
حسب تقرير صادر عن هيئة حماية البيئة في الإقليم، يُعد أحد أسباب تلوث البيئة وجود أعداد كبيرة من السيارات، حيث هناك مليون و400 ألف مركبة، 60 بالمئة منها خصوصية، وأغلبها غير مطابق للمعايير الدولية. وإلى جانب السيارات، تضخ مولدات الكهرباء الأهلية والمصافي والمنتجات النفطية الحكومية أدخنة سامة إلى الهواء، خاصة داخل المدن (أربيل، دهوك، السليمانية، حلبجة).

وبالرغم من أن قانون حماية وتحسين البيئة رقم (8 لسنة 2008) في الإقليم وضع عقوبات مشددة لتلويث البيئة، إلا أن هذا القانون لم يُطبق كباقي القوانين الأخرى التي تبقى حبراً على ورق، وكثير منها لا تدري بها غالبية الشعب. السبب ببساطة أنها صُدرت ولم تُنفذ.

للأسف، فإنَّ تلوث الهواء في مدن الإقليم وخارجها يُعد من التهديدات الكبيرة على حياة المواطنين، حيث يؤدي سنوياً إلى الوفاة المبكرة. في عام 2023، سُجلت 9 آلاف و911 حالة إصابة جديدة بالسرطان في الإقليم. ولو أُجريت فحوصات دقيقة على سكان الإقليم، لاكتُشف حجم الكارثة التي يعيشها المواطنون في ظل مصافٍ بدائية تبث سمومها بلا معالجات ليل نهار.

انبعاثات ضارة
ويرى مراقبون ومختصون أن الفرز المناطقي البسيط للمصابين بالأمراض المزمنة يكشف عن خارطة توزيع الإصابات في إقليم كوردستان، والتي تُشير إلى تمركزها في مناطق تعاني من معدلات تلوث بيئي مرتفعة نتيجة انتشار الحقول والمصافي النفطية (الرسمية وغير الرسمية*) غير المطابقة للمواصفات.

كما يحذر المختصون في البيئة من المخاطر التي تحملها انبعاثات المولدات الكهربائية غير الحكومية المنتشرة داخل الأحياء السكنية، والتي تستخدم وقود الديزل (الكاز أويل) المصنوع محلياً من النفط الأسود ودهون السيارات منتهية الصلاحية ومادة التيزاب ومكونات أخرى.

خطر الوقود الرديء
هناك مصدر آخر للتلوث يتمثل في بنزين السيارات المُنتج من تلك المصافي. مع وجود مليون و400 ألف سيارة في كوردستان، تستخدم غالبيتها وقوداً رديئاً وعالي الخطورة على الصحة.

الأمراض الأكثر شيوعاً
من الجدير بالذكر أنَّ المصابين بسرطان الثدي يتصدرون لائحة الحالات المسجلة في الإقليم، يليهم سرطان القولون، ثم سرطان الرئة، والجلد، والغدد اللمفاوية، والبروستاتا، واللوكيميا، وسرطان الدماغ، والشرايين، والغدة الدرقية، وسرطان الفم واللثة.

الأسئلة التي تبحث عن إجابات
في النهاية، من هو المسؤول عن اختناق المواطنين ومدن الإقليم بالهواء الملوث والغازات السامة؟ من هو المسؤول عن عدم تطبيق القوانين؟ ولماذا تستمر المصافي غير الرسمية بالعمل حتى بعد صدور الإنذارات بإغلاقها وإزالة مخلفاتها من قبل الجهات المعنية في الإقليم؟

(*) توجد أربع مصافٍ رسمية في إقليم كوردستان، اثنتان منها (كه لك، ولاناز)، تقعان بالقرب من مدينة أربيل، بينما تقع مصفاة (بازيان) في محافظة السليمانية، ومصفاة (تاوكي) في محافظة دهوك. وتدير المصافيَ الثلاث الأولى شركات حزبية كوردية، والرابعة تدار من شركة نرويجية. وهناك أعداد كبيرة من مصافي النفط غير الرسمية، أي غير المطابقة للمواصفات والشروط، تقع غالبيتها خارج المدن وتهدد انبعاثات سمومها حياة المواطنين وتدمر البيئة، والجهات التي تدير تلك المصافي نجحت في تعطيل كل القرارات الحكومية، وأثبتت التدخلات الحزبية أنها أقوى من قرارات الوزارات والمؤسسات والجهات المعنية المكلفة لمتابعة عملية إزالة جميع المصافي غير القانونية، ومن خلال تشكيل لجنة عليا ولجان فرعية في كل محافظة.