عملية الاغتيال التي طالت أحد المسؤولين الأمنيين والعسكريين في حركة حماس محمود المبحوح في دبي بتاريخ العشرين من يناير 2010 ، تطرح أسئلة صعبة ومعقدة ما عاد من الصدق والوطنية السكوت عليها، خاصة أن عملية الاغتيال هذه تكاد تكون الاغتيال رقم عشرين لقيادات من حماس منها: الشيخ أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، يحيى عياش، سعيد صيام، و نزار ريان وآخرون. ونجا منها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي كان سيلقى مصرعه لولا عناد وشجاعة المرحوم الملك حسين الذي اعتقلت أجهزته الأمنية المنفذين، وأصرّ على بنيامين نتينياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أن يرسل اللقاح المضاد للسموم التي تمّ رشها عليه، فرضخ نتينياهو لطلب الملك حسين الذي أصرّ أيضا على اطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية، واستقبله جلالته في المدينة الطبية الأردنية حيث مكث أسابيع للعلاج قبل عودته لقطاع غزة.
هذا العنوان الاستفزازي للمقالة يقصد منه تفتيح العيون والعقول على الآلية التي أوصلت جهاز الموساد لهذه السطوة والقدرة على فعل كل ما يبدو أنه من المستحيلات ، لدرجة أن هناك من يتصور أن هذا الجهاز قادر على التنصت على البشر في غرف نومهم، في حين أن هذه السطوة والقدرة الخارقة ما كان يمكن أن تحصل لولا المساعدات اللوجستية التي يقدمها عملاؤه المحليين، وهم في الساحة الفلسطينية تحديدا ألاف مؤلفة ليست منذ اليوم ولكن منذ تواجد المقاومة الفلسطينية في بيروت وتونس. وعلى سبيل المثال فقط وللتذكير فمن لا يعرف قصة أشهر جاسوسة للموساد أمينة المفتي التي اعتقلتها المخابرات الفلسطينية في بيروت في سبتمبر عام 1975 بعد أن مارست تجسسها عدة سنوات ، أوصلتها لمكتب ياسر عرفات شخصيا الذي أعطاها تصريحا لدخول أية مكاتب أو مواقع تريدها، ورغم اعتقالها وتعذيبها إلا أن المخابرات الفلسطينية واللبنانية التي تسلمتها لفترة لم تجرؤا على إعدامها بسبب تهديدات الموساد ، وتمت مبادلتها بعد خمسة سنوات مع الأسيرين الفلسطينيين محمد مهدي بسيسو و وليام نصار. ومن ينسى عميل الموساد عدنان ياسين الذي اعتقلته السلطات التونسية في أكتوبر من عام 1993 بناءا على معلومات أولية من المخابرات الفرنسية ، وأثناء التحقيق ثبت أن له علاقة باغتيال أبو جهاد في تونس عام 1988 وعاطف بسيسو في باريس عام 1992 ، وبعد أن سلمته المخابرات التونسية للسلطات الفلسطينية لم تجرؤ على المساس به، ونقلته في طائرة ياسر عرفات إلى اليمن ثم أطلقت سراحه سالما غانما مكرما مبجلا.
من أوصل الموساد لمحمود المبحوح؟
هذا هو السؤال المركزي في قضية الاغتيال هذه ، فقد كان المبحوح في دمشق وتم الحجز له على طيران الامارات يوم التاسع عشر من يناير للسفر إلى دبي بجواز سفر مزور أي ليس باسمه الحقيقي، ووصل إلى دبي وكان في استقباله ثلاثة من كوادر حماس ، كانوا قد حجزوا له في فندق روتانا (خمسة نجوم)، وبقوا معه حتى آخر الليل، وبعد مغادرتهم بساعات صباح العشرين من يناير تم اغتياله في الفندق بالطريقة التي عرف بها الجميع. فمن أوصل لجهاز الموساد تفاصيل رحلته واسمه المزور والفندق الذي ينزل فيه ورقم الغرفة؟. هل من فراغ أن تعتقل سلطات دبي أحد كوادر حماس الأمنية المدعو نهرو مسعود الذي أثبتت التحقيقات أنه كان مع البحبوح حتى ساعات قليلة قبل اغتياله. والتخبط الذي ظهر في تصريحات قيادات حماس عقب الاغتيال ليس بريئا، فعزت الرشق صرّح أنه كان في دبي في مهمة خاصة، بينما أعلن أبو مرزوق أنه كان في طريقه لدولة ثانية، وهناك من لام قيادة حماس على ممارسة بعض أعمالها من دبي المدينة التجارية التي لا علاقة لها بأية سياسات.
ومن أبلغ الأباتشي الإسرائيلية
عن مكان المكتب الذي كان يتواجد فيه جمال منصور وجمال سليم من قادة حماس في مدينة نابلس بالضفة الغربية ليتم قصف المكتب ظهر الحادي والثلاثين من تموز 2001 ، فيتم قتلهما مع سبعة آخرين من المتواجدين في المكتب وقربه.
ومن أبلغ نفس الأباتشي
عن مكان تواجد صلاح شحادة القائد العام للجناح العسكري لحماس، ليتم تصفيته مع خمسة عشر آخرين من بينهم زوجته وابنته ليلة الثاني والعشرين من تموز 2002، وجرح ما لايقل عن مائة وخمسين من المتواجدين قريبا من مكان الاغتيال.
ومن أخبر الأباتشي ذاتها
بنوع سيارة الدكتور ابراهيم المقادمة ، وساعة تواجده فيها ليتم اغتياله بقصفها ظهر يوم الثامن من مارس لعام 2003 مع بعض مرافقيه، مع أنه كان من أشد شخصيات حماس سرّية، ونادرا ما ظهرت له صورة في وسائل الإعلام أو تحدث اليها.
ومن وضع المادة الشمعية المشعة
على الكرسي المتحرك للشيخ أحمد ياسين، تلك المادة التي أعطت الإشارة لطائرة الأباتشي الإسرائيلية لتعرف مكان الشيخ في مسجد المجمع الإسلامي بحي الصبرة بمدينة غزة، ليتم قصفه بعد خروجه من المسجد مع ثمانية من مرافقيه والمصلين فجر الثاني والعشرين من مارس 2004. ونفس السؤال عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي تم اغتياله بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين بخمسة وعشرين يوما، بقصف سيارته وهو يقودها في أحد شوارغ مدينة غزة.
وفي دمشق
من وضع المتفجرات في سيارة عز الدين الشيخ خليل القابعة في كراج مغلق بمحل سكنه في حي الزهراء بالعاصمة السورية دمشق، ليتم اغتياله صباح السادس والعشرين من سبتمبر 2004؟
وفي مالطة
من أبلغ وحدة الموساد مسبقا أن الدكتور فتحي الشقاقي مسؤول حركة الجهاد الإسلامي، سوف يسافر من دمشق إلى ليبيا لللمشاركة في مؤتمر، ويعود منها إلى دمشق عبر مالطة، وسيتم تأخيره كي يضطر للمبيت ليلة في فندق في مالطة، ويتم الوصول اليه رغم أنه كان يستعمل جوازا ليبيا باسم إبراهيم الشاويش، واغتياله ظهر السادس والعشرين من أكتوبر لعام 1995. وقد ثبت لاحقا أن الموساد كان يحصل على كافة تحركات الشقاقي وأسفاره من خلال قطعة اليكترونية تم وضعها داخل جهاز تليفونه، فمن أوصل هذه القطعة لتليفونه؟ الموساد أم أحد المقربين الثقاة منه؟.
وفي دمشق أيضا
من وضع المتفجرات في سيارة عماد مغنية وهي متوقفة في داخل مباني المخابرات السورية بكفر سوسة في دمشق، رغم أنه قاد السيارة من مسكنه لمباني المخابرات ولم تنفجر، فكيف انفجرت بعد خروجه من لقاء مع مسؤول مخابراتي سوري في الثاني عشر من فبراير لعام 2008. هذا ومن المهم ذكره أن زوجة مغنية السيدة سعدى بدر الدين إيرانية الجنسية ، اتهمت صراحة السلطات السورية بالوقوف وراء اغتيال زوجها، وكما نقلت آنذاك وكالة الأنباء الايطالية تصريحا لها لموقع quot;البرزquot;الإيراني قالت فيه أن الدليل على تورط السلطات السورية هو رفضها مشاركة محققين إيرانيين في التحقيقات الجارية ، ثم قامت السفارة الإيرانية في دمشق بنقل الزوجة فورا إلى طهران. هذا وتمت عملية الاغتيال أيام قليلة قبل القمة العربية في دمشق، ولم تتهم السلطات السورية الموساد آنذاك بل لمّح الإعلام السوري لجهات عربية، وكان المقصود أن أية جهة عربية لن تحضر القمة خاصة المصرية والسعودية سوف توجه لها التهمة ، وبعد ذلك تمّ طي الملف نهائيا بدون أية تهمة لأية جهة عربية أو موسادية.
ونفس التساؤل عن وفاة ياسر عرفات
فإذا كانت وفاته فعلا بسبب تسميمه من قبل الموساد، فمن وضع له السم في طعامه أو شرابه؟ أليس واحدا من المقربين منه الذين يتواجدون معه ليلا ونهارا و يعدون له الطعام والشراب ويقدمونه له بأيديهم؟. وأين الملف الذي قيل تسلمته زوجته سهى الطويل من المستشفى الفرنسي؟.
إن هذه الاختراقات الفلسطينية والعربية
هي التي صنعت القدرة الخيالية للموساد، وهي اختراقات لو توفرت لأي جهاز مخابراتي لحقق نفس القدرة الموسادية، أي أنه بدون هذه الاختراقات لا يستطيع أي جهاز في العالم الوصول إلى ما يصل إليه الموساد الذي هو ليس دائما المنفذ الميداني بل هؤلاء العملاء الفلسطينيون والعرب. ورغم ذلك يهدد خالد مشعل إسرائيل بحرب مفتوحة، وقبله بأيام قليلة يناشد اسماعيل هنية كافة الفصائل الفلسطينية بعدم اطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطيها الحجة والسبب لاجتياح ثان لقطاع غزة، وهو يقصد المحافظة على البقاء في السلطة مع هدنة لستين عاما.
مثل فلسطيني قديم يقول quot; دود الجبنة منها فيهاquot;.
التعليقات