وضع الحريات الديمقراطية في الأقطار العربية أمر مؤسف بشكل عام في غالبية هذه الأقطار. العديد من الشعوب عاشت نفس الوضع لكنها ناضلت سلميا لإسقاط أنظمتها أو تطوير أدائها لينسجم مع وضع الحريات العالمي، فالشعب الإيراني أسقط في عام 1979 نظام الشاه أعتى الأنظمة الديكتاتورية، وجاء الخميني ليقيم نظام ولي الفقيه الملالي ليصبح عبر الممارسة لا يختلف عن نظام الشاه في قمعه ومصادرته للحريات، وهاهو الشعب الايراني يعود لنضاله من جديد لاسقاط نظام الملالي المستبد عبر غطاء ديني مضلل اسمه quot; نظرية الولي الفقيه: التي لا إجماع عليها داخل المذهب الشيعي، فهي براءة اختراع خمينية لنشر سلطته التعسفية التوسعية على حساب أراض الغير من خلال ما أطلق عليه quot; تصدير الثورة quot;. والشعب الروماني أسقط أيضا نظام الديكتاتور تشاوشيشكو في ديسمبر عام 1989، وظل يطارده إلى أن أعدمه وهو يحاول الهروب عبر الحدود، وأمثلة عديدة من تاريخ الشعوب الأخرى، إلا الشعوب العربية أصبحت أسيرة هذا النمط من الأنظمة حيث لا يعدو نضال بعض أحزابها وفعالياتها البيانات الخطابية التي راجت رواجا شديدا مع ثورة الانترنت التي جعلت العالم أجمع مجرد حارة أو قرية صغيرة. والملاحظ أن غالبية هذه النضالات الخطابية هي من الجماعات والأحزاب التي تتبنى خلفية دينية إسلامية في الغالب، وخطورة ذلك أن نجاح هذه الجماعات في الاستيلاء على السلطة سينقلنا من ديكتاتورية الدولة المدنية إلى ديكتاتورية الدولة الدينية، وهي ديكتاتورية أكثر خطورة خاصة بعد معايشة تجربة حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة. هاتان التجربتان أوضحتا سطوة وخطورة من يتحرك سياسيا باسم الدين، ويكفي التذكير باجتياح حزب الله لبيروت في مايو 2008، حيث خرّب ودمّر العديد من المنشآت من ضمنها وسائل الإعلام المخالفة له في الرأي. وكذلك تجربة حماس في القطاع منذ انقلابها العسكري واستيلائها على السلطة في يونيو 2007، الذي أعقبه تطهير تنظيمي لكل ما هو غير حمساوي حتى لو تلفع برداء الدين كما حصل في تدميرها لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح على رؤوس جماعة دينية يقودها الشيخ موسى عبد اللطيف، وقتلت منهم حوالي عشرين وجرحت العشرات، لأن حماس لا تقبل من يدّعي تمثيل الله في القطاع غيرها. والمؤسف أن حلاوة السلطة والنفوذ تبيح لحماس ما كانت تخّون الآخرين بسببه. فالملا اسماعيل هنية قبل أيام قليلة طالب الجميع علنا وصراحة بعدم اطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطيها مبررا لاجتياح القطاع مجددا، واعتبر أن من يقوم باطلاق الرصاص سيرتكب خيانة وطنية، متناسيا أن حماسه طوال فترة الرئيس عرفات كانت تواصل اطلاق صواريخها الكرتونية، فأعطت اسرائيل المبرر لحصار عرفات عدة سنوات إلى وفاته في باريس.....فهل كانت حماس ترتكب آنذاك خيانة وطنية؟


لماذا رسوخ الاستبداد العربي؟
أعتقد أن هذا الرسوخ والتجذر في الحياة العربية، يساهم فيه بشكل جذري طبقتان أو فئتان من الشعوب العربية هما:
أولا: دعاة وشيوخ الدين
أو من أطلق عليهم الدكتور علي الوردي quot;فقهاء السلاطينquot; الذين يقومون بخدمة السلاطين (رؤساء، ملوك، أمراء، أو شيوخ)، ويبررون كافة أعمالهم مستخدمين القرآن الكريم والسنّة النبوية، وغالبا آية القرآن التي تقولquot; واطيعوا أولي الأمر منكم quot;، وهناك من هؤلاء الفقهاء من قال صراحة quot; لا يجوز الخروج عن طاعة ولي الأمر إلا إذا أعلن كفره quot;. ومن من هؤلاء المستبدين من هو غبي لهذه الدرجة كي يعلن كفره؟ وبالتالي فلا حق لمواطن أن يخرج عن طاعته وأوامره حتى بالتظاهر السلمي أو العصيان المدني. وضمن نفس السياق يتكرر في صلاة كل جمعة في ما لا يقل عن نصف مليون مسجد في الأقطار العربية دعاء quot;اللهم انصر حاكم اليلاد على أعدائهquot;، متناسين أن أعداءه في الغالب هم الشعوب، وبالتالي فهم يدعون الله أن ينصر هذا الطاغية على شعوبه. وما ينبغي ملاحظته في هذا الأمر أن الكلام الصادر عن أي داعية أو شيخ أو فقيه من فقهاء السلطان أكثر تأثيرا في نفوس وقلوب الشعوب من كلام أي كاتب أو مثقف أو سياسي، حتى لو كانت كل مؤهلات هذا الشيخ quot; دشداشة قصيرة ولحية طويلة quot; فقط.
ثانيا: مثقفو السلطة والسلطان
وهم غالبية الكتاب والصحفيين والمثقفين خاصة العاملين فيما يسمى quot;الإعلام الرسمي quot;، وهم يقومون بنفس دور دور فقهاء السلاطين بشكل مختلف مستخدمين المهارة الإعلامية والمعلومات الرسمية للسلطان، وبالتالي فهذه المعلومات هي عين الحقيقة وحدها. ولنا أن نتذكر عشرات الكتب التي تمجد الطغاة بالاسم، وواحد من هؤلاء الممجدين من اخترع شعار وهتاف الملايين العريبة quot;بالروح بالدم نفديك يا....quot;.
لذلك فإن المسيرة الديمقراطية في الأقطار العربية ستبقى متعثرة وتسير للوراء إلى أن تصحو هاتان الطبقتان أو الفئتان لممارسة دورهما الريادي الحقيقي، وفيما يخص رجال وفقهاء الدين هو الخروج من عباءة خلط الدين بالسياسة أو الدين بالدولة، فأوربا الحالية لم تصل لوضعها الديمقراطي الحالي إلا عندما تم أسر رجال الكنيسة داخل جدران الكنيسة، فتوقفوا عن التحليل والتحريم، وعاد الدين ليكون علاقة شخصية بين الفرد وربه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وفي النهاية فعقاب أو ثواب كل فرد عند ربه.
الدولة المدنية
وهذا المسار السائد يقودنا إلى أن الحل هو اقامة الدولة المدنية بدلا من الدولة الدينية، الدولة المدنية التي تفتح باب الحريات الديمقراطية التي تسمح للكاتب والمخرج الأمريكي مايكل مور أن يقول في القيادات ألأمريكية ما لا يجرؤ عليه أي قومي عربي.
[email protected]