فتح مقتل الضابط الأردني الشريف علي بن زيد في التفجير الانتحاري الذي وقع في قاعدة خوست الأمريكية بأفغانستان في الثلاثين من ديسمبر 2009، ملفا شائكا يهم الأردن خاصة بعد انكشاف أن الإرهابي الذي قام بالتفجير هو الأردني الجنسيةquot;همام خليل البلويquot; كان عميلا مزدوجا جنّده جهاز المخابرات الأردنية بعد اعتقاله، وبناء على موافقته تم إرساله إلى أفغانستان للتجسس على تنظيمي القاعدة وطالبان الإرهابيين، وبالفعل فقد خدم أجهزة الاستخبارات الأمريكية عبر معلومات دقيقة عن تنظيم القاعدة وطالبان أدت إلى مقتل العديد من قياداتهما وكوادرهما، وتجنب العديد من العمليات الإرهابية التي كان يعتزم هذان التنظيمان القيام بها خاصة وسط المواطنين الباكستانيين والأفغان الأبرياء، بقصد اشاعة الفوضى والرعب كما هو حاصل في هذين البلدين والعراق أيضا، إذ أن تسعة وتسعين بالمائة من العمليات الإرهابية التي تودي بحياة ألاف من البشر هي من فعل مواطنيهم، أو من عرب ومسلمين جاءوا من أقطار أخرى للجهاد المزعوم، فإذا هذا الجهاد هو ضد مواطنيهم ومنشآتهم المدنية، وأوضح مثال تفجير المدارس والمساجد أيضا في البلدان الثلاثة المذكورة، وكان آخر عمليات هذا الجهاد تفجير ملعب الكرة الطائرة في باكستان قبل أيام قليلة الذي أودى بحياة مائة من طلاب المدارس، وقبل ذلك العديد من العمليات الإرهابية ضد أهداف مدنية سعودية أغلبها عمارات سكنية ضحاياها مواطنون أبرياء. فهل كان جهادا يستحق التصفيق والتطبيل عندما يكون عميلا قتل عبر معلوماته العديد من رفاقه المجاهدين كما يسميهم، ثم يصحو ضميره إن وجد ليقتل سبعة أمريكان وعربي مسلم؟. بهذا القياس تكون أجهزة الاستخبارات الغربية هي الرابحة أن يمدها مثل هذا العميل بمعلومات تؤدي لقتل العديد من الإرهابيين ثم يقوم بقتل بعض من عمل في خدمتهم، وبالتالي تحتاج المسألة لفتاوي جديدة تعرف عامة الشعوب العربية والإسلامية مفاهيم الجهاد وأوجهه المشروعة وغير المشروعة، خاصة في ضوء قول الله تعالى:
quot; ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيماquot;
quot; من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا quot;.

أي جهاد هذا؟
وضمن هذه المفاهيم القرآنية يحق لنا أن نسأل: أي جهاد هذا الذي الغالبية العظمى من ضحاياه هم عرب ومسلمون نسبة عالية منهم من الأطفال والنساء. وكذلك الأجانب الغربيون غير المسلمين العاملين في بلاد العرب والمسلمين طالما هم مدنيون لا يقومون بأعمال حربية ضد أهل البلاد، ممن تنطبق عليهم أحكام الإسلام بخصوص quot; المستأمنين quot; في بلاد الإسلام، وبالتالي مالفائدة التي تعود على العرب والمسلمين من الظاهرة الإرهابية المستمرة في خطف الصحفيين والأطباء والممرضين والسواح باسم الإسلام، ثم يتم اطلاق سراحهم مقابل دولارات يسمونها quot;فديةquot;. أليس هذا مال حرام؟.

دور وعلاقة الأردن؟

وعودة لعلاقة الأردن الرسمي بما حدث في قاعدة خوست فالمسألة تحمل عدة وجوه:

الأول: إن الإرهابي الذي نفّذ العملية مواطن أردني كان معتقلا في الأردن وتم تجنيده برضاه ورغبته، ومارس دور العميل بجدارة عدة سنوات ضد من يعتبرهم رفاقه المجاهدين، وقتلت معلوماته العديد منهم في أفغانستان وباكستان، كان منهم زعيم طالبان الباكستانية بيت الله محسود الذي قتلته معلومات همام البلوي الدقيقة في الخامس من آب 2009، وآخرهم شقيق زعيم طالبان الجديد حكيم الله محسود وستة عشر من أعضاء الحركة في سبتمبر 2009، بناء على معلومات العميل همام البلوي الدقيقة المعطاة لأجهزة الاستخبارات مدعمة بخريطة المنطقة الجبلية المتحصنين بها.

الثاني: مقتل ضابط من ضباط المخابرات الأردنية هو الشريف علي بن زيد في العملية، و كما تمّ تداوله في الأنباء فالشريف هو ضابط الارتباط بين البلوي والاستخبارات الأمريكية في قاعدة خوست الأفغانية.
وبالتالي فالنتيجة أن مواطنا أردنيا(البلوي) قتل مواطنا أردنيا(الشريف علي). و بعد أن قتل هذا البلوي العديد من قيادات طالبان الأفغانية والباكستانية عبر معلوماته التجسسية الدقيقة على الحركتين، فإذا به يتحول لمناضل وشهيد ومجاهد بعد عمليته الانتحارية الإرهابية، الاستشهادية عند المضللين متناسين من يعتبرونهم شهداء وقتلوا بناءا على معلوماته التجسسية من داخل طالبان لحساب الاستخبارات الأمريكية.

هل يعيب هذا الأردن الرسمي؟

وبناءا على هذه الحيثيات التي يحاول مدعو التمثيل الإلهي والوطني في الأرض وموزعو ألقاب البطولة والشهادة والنضال والفروسية القفز عنها، نتساءل: هل يعيب الأردن الرسمي وجوده الأمني الاستخباراتي في قاعدة خوست الذي كان من ضحاياه الشريف علي بن زيد؟. من الواضح أن هذا الوجود الأردني حسب المعلومات المؤكدة ليس وجودا بشريا عسكريا قتاليا، أي ليس وجودا لعشرات أو لمئات أو ألاف من المقاتلين الذين يشاركون في العمليات القتالية ضد فلول إرهابيي طالبان والقاعدة، لأن الأردن الرسمي يدرك أن هذه المهمة ليست من مهماته وليست مطلوبة منه من أي من حلفائه، بدليل أن القوات العسكرية المقاتلة لدول التحالف بقيادة الولايات المتحدة معروفة هويتها والدول التي تنتمي إليها، وهذا ليس سرا بل أمر معروف لكافة المجتمع الدولي الذي تجدد بعض دوله استمرار بقاء قواتها، وتسحب بعض هذه الدول قواتها، والأردن ليس من بين كل هذه الدول. وبالتالي لا يعيب الأردن الرسمي وجوده المعلوماتي عبر أفراد تؤكد المعلومات المتوفرة أنهم لا يتجاوزون عد أصابع اليد الواحدة. ومع ذلك يظل السؤال قائما وهو: هل هذا ضروري للأردن الرسمي والشعبي؟

نعم إنها ليست حربنا

وهذه النعم تأييد مني لما ورد في بيان الشخصيات الأردنية، وحسب المعلومات المؤكدة التي أوردتها عن الوجود الأردني في أفغانستان، فهذا يعني أن الأردن الرسمي بكل مؤسساته يعي بوضوح(أنها ليست حرب الأردن) بدليل أنه لا وجود عسكري قتالي له هناك، لأن هذا الوجود لو كان حاضرا بأية نسبة ما كان من الممكن أن يبقى سرا طوال الأعوام الثمانية الماضية. أما هذا الوجود المعلوماتي عبر عدد محدود للغاية من الأفراد فهو ضروري..أتعرفون لماذا وخاصة الزملاء الأفاضل الموقعين على بيان(إنها ليست حربنا)؟، وكلهم شخصيات وطنية مناضلة صادقة في انتمائها ووفائها للوطن والمواطن، يجيب على تساؤلي هذا لي ولهم:

تفجيرات فنادق عمان الإجرامية عام 2005

التي وقعت يوم الأربعاء الأسود التاسع من نوفمبر لعام 2005، وطالت ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان، وكانت حصيلة هذا العمل الإرهابي الذي تبنته القاعدة رسميا لعدة مرات بالصوت والصورة، ما يزيد على خمسة وستين قتيلا و مائة وثلاثين جريحا، وكان من بين القتلى المخرج السينمائي السوري العالمي مصطفى العقاد صاحب فيلم quot;الرسالةquot; أفضل الأفلام عن الإسلام، وعريس وعروسته وهما في حفل الزفاف ووالديهما ولاحقا وفاة والدة العروسة. وأنا شبه متأكد أنه لا بد أنه كان من بين القتلى والجرحى بعض أقارب أو أصدقاء أومعارف الموقعين على بيان(إنها ليست حربنا). وقبل هذا العمل الإرهابي وبعده، أفشلت الأجهزة الأمنية الأردنية أكثر من عمل إرهابي كان يستهدف مواطنين أبرياء لا علاقة لهم بأفغانستان وباكستان، وربما لا يعرفون أين تقع هاتين الدولتين، فلماذا لم يصدر آنذاك بيان موجه لإرهابيي ومجرمي القاعدة يقول لهم صراحة:(أيها القتلة، الأردن ليست ساحة حربكم!!). لذلك فأنا أرى أن الجهد الاستخباراتي والمعلوماتي الأردني الكثيف هو الذي أفشل العديد من العمليات الإرهابية التي لو نجحت لربما كان من قتلاها وجرحاها بعض الزملاء الأفاضل الموقعين على البيان. وأؤكد من جديد وللمرة الثانية أنني أؤيد الزملاء في أنها(ليست حربنا)، ولكن من مهمات الأردن الرسمي أن يحمي مواطنيه من هكذا عمليات إرهابية لن تتوقف، وغالبية ضحاياها من المواطنين العرب والمسلمين الأفغان والباكستانيين والعراقيين والسعوديين والأردنيين وغيرهم، وبالتالي أذكر بقول الله تعالى: quot; ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه وأعد له عذابا عظيما quot;.

إنها حرب الجميع ضد الإرهاب

الذي ما عاد يستثني أحدا، وللأسف فإن أغلبه يتم باسم الإسلام، وإلا ماذا نسمي من يقدمون أنفسهم على أنهم شباب الإسلام ويقومون بالقرصنة ضد كافة البواخر العربية والإسلامية والأجنبية في المياه الصومالية والقريبة منها؟. و ردا على هذه القرصنة الإجرامية تحركت سفن وفرقاطات حربية من روسيا والصين وفرنسا وتركيا وغيرها للحد من هذه الظاهرة، وكان آخرها ما أعلنه الجيش التركي يوم السبت السادس عشر من يناير الحالي من(أن فرقاطة تابعة للبحرية التركية تمكنت من احباط هجوم للقراصنة على سفينة هندية في خليج عدن، واعتقلت ستة قراصنة صوماليين)، وأورد بيان الجيش التركي(أنّ السفينة الهندية تعرضت لإطلاق نار من أسلحة رشاشة)، مما يعني أنه كان من المحتمل جدا موت أحد الضباط البحارة الأتراك كما حدث مع الضابط الأردني الشريف علي بن زيد. ورغم ذلك لم نسمع بيانا من سياسيين وكتاب ونشطاء أتراك يقولون لحكومتهم(إنها ليست حربنا). إن الحرب ضد إرهابيي القاعدة وطالبان وغيرهم من الجماعات الظلامية يخدم سمعة الإسلام أولا، وينقذ ألاف من الضحايا الأبرياء في العديد من الدول العربية والإسلامية قبل الدول الأوربية والأمريكية.
[email protected]