القرار الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني يوم الاثنين السابع عشر من أغسطس، الخاص بمنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حق العمل في كل القطاعات المسموح بها للأجانب، في ظاهره قرارعادل ومنصف يوقف قرارات وممارسات عنصرية سابقة، كانت تمنع الفلسطيني من العمل فيما لا يقل عن سبعين وظيفة. وكان هذا الموضوع محل نقاش طويل في مجلس النواب اللبناني منذ شهور عديدة، حيث شهد اصطفافات وانقسامات بين مؤيد ومعارض، واختلافات حول المضمون والتفسير فيما يتعلق بحدود الحقوق التي يمنحها القانون المقترح للاجىء الفلسطيني. لذلك كان التوافق سريعا على مسألة منح الفلسطينيين حق العمل والضمان الاجتماعي، ومن المهم ملاحظة الصيغة التي وردت فيها هذه الموافقة، إذ جاءت ضمن سياق (حق العمل في كل القطاعات المسموح بها للأجانب)، أي أنّ اللاجىء الفلسطيني المقيم منذ عام 1948، وتسعين بالمائة من الأحياء منهم اليوم من مواليد لبنان، فغالبيتهم ولدوا بعد عام 1948 في الأرض اللبنانية، ومع ذلك ما زالوا في عرف مجلس النواب اللبناني أجانب، وهذا ينزع الصفة العربية عنهم، وصفة المسلم منهم عند أعضاء مجلس النواب المسلمين، وصفة المسيحي منهم عند أعضاء مجلس النواب المسيحيين، وهذا يعزّز الرأي القائل بأنّ القرار مجرد ديكور لتوافقات داخلية شكلية لا تحمل أي مضمون فعلي، رغم الترحيب بذلك من مصادر فلسطينية ولبنانية ودولية.

ديكور لتوافقات شكلية لبنانية

منذ بدايات الهجرة والنزوح الفلسطيني عام 1948 كانت فسيفساء التكوين الاجتماعي اللبناني تنعكس على وجود اللاجئين الفلسطينيين، فالمسلمون الشيعة يتخوفون منهم على اعتبار أنّ غالبيتهم مسلمين سنّة، وبالتالي إعطاؤهم حقوقهم المدنية والإنسانية يصبّ في خانة دعم اللبنانين السنّة، وكذلك التكوين المسيحي اللبناني كان يتخوف من أ،نّ وجودهم كمسلمين يصبّ في خانة تغليب الديموغرافية الإسلامية. لذلك في مناقشات مجلس النواب اللبناني الأخيرة، كان أشد المعارضين لأية حقوق مدنية للفسطينيين هو العماد ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر حليف حزب الله، رغم أن الحزب كان من الموافقين على حق العمل للفلسطينيين. ويستعمل الجميع فزّاعة التوطين وحق العودة شماعة لاضطهاد الفلسطيني بشكل لا مثيل له حتى في أي قطر عربي مجاور، حيث حياتهم في الأردن وسورية المجاورتين أرفع وأفضل كرامة في الكثير من المجالات، فكل الفلسطينيين في الضفة الغربية أصبحوا مواطنين أردنيين بعد ضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، وأصبح الفلسطيني يصل لمنصب الوزير ورئيس الوزارة ومدير دائرة المخابرات العامة، ووجوده كالمواطن الأردني ابن شرق الأردن، وكذلك في سورية حيث يعمل الفلسطيني في كافة الوظائف المدنية، ويمارس الخدمة العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، وفقط لا يشارك في الانتخابات البرلمانية، وهذا أمر مفهوم كونه ليس مواطنا سوريا.

لذلك فإن القرار الصادر عن مجلس النواب اللبناني حول منح الفللسطيني حق العمل مثل الأجانب، لن يغير الحالة الكئيبة السائدة، لأن أصحاب العمل هم مواطنون لبنانيون، وبالتالي من الصعب التخلي عن عقد وممارسات ستين عاما، كما أنّ الوضع السابق كان يتيح للمستغلين عديمي الضمائر من أصحاب العمل، أن يمارسوا ابتزازا رخيصا عبر تشغيل الفلسطيني برواتب أقلّ بكثير من مثيله اللبناني، فيوافق حرصا على الحصول على لقمة العيش لأهله ولأسرته. وما يزال سائدا ومعروفا أن أطباءا فلسطينيين متخرجين من جامعات غربية محترمة، ولهم خبرة يندر مثيلها في لبنان، يوافقون على العمل كممرضين بأجور أقلّ لأنهم يريدون البقاء في لبنان مع أهلهم وعائلاتهم.

وماذا عن حق التملك وإعمار المخيمات؟

الطريقة التي اعتمد بها مجلس النواب اللبناني قرار حق العمل للفلسطيني، اعتبرها كثيرون مجرد لفلفة وتأجيل للموضوعات الحاسمة التي لها علاقة بالوجود اإنساني الكريم للفلسطيني الذي يرفض التوطين قبل اللبناني، لكن من حقه العيش الكريم مثل الأوربي والأمريكي في لبنان. فماذا يحمل من خطر عندما يتملك الفلسطيني شقة سكنية له ولأسرته؟ ولماذا أصبح هذه خطر بينما لم يكن خطرا قبل عام 2001 عندما كان من حق الفلسطيني تملك شقة سكنية؟. أما وضع المخيمات الفلسطينية ومستوى العيش فيها، فلا يتخيله عاقل في أدغال الغابات، حيث أصبحت المخيمات شبه جيتوات معزولة، مطوقة بقوات الجيش وميليشيات أخرى، يخضع الداخلون إليها والخارجون منها لحواجز تفتيش عسكرية، تذكرك بالحواجز الإسرائيلية عند التنقل من وإلى الضفة الغربية، ويمنع إدخال الإسمنت ومواد البناء والترميم إليها. وكذلك من المهم ملاحظة مسألتين نادرا ما يتم طرحهما:

الأولى: مسألة شطب ألاف من اللاجئين الفلسطينيين من سجلات الحكومة اللبنانية كلاجئين، إما لإقامتهم حسب ظروف العمل في الخارج، أو لحصولهم على جنسيات أخرى، رغم أنّ كافة القوانين لا تلغي الأصل لمجرد الحصول على جنسية جديدة.

الثانية: الالتباس الحاصل والعقد المريرة الخاصة بحصول اللاجىء الفلسطيني في لبنان على وثيقة السفر اللبنانية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، ومن الصعب فهم أنّ حاملها الذي يعمل في الخارج يحتاج كل مرة يريد زيارة أهله المقيمين في لبنان إلى تأشيرة دخول، بينما كافة الجوازات العربية والأوربية والأمريكية لا تحتاج لأية تأشيرة دخول لا مسبقة ولا في المطار.

تصوروا لو أنّ إسرائيل منذ عام 1948،

منعت الفلسطيني الذي بقي في وطنه من حق التملك، وحق حمل الجواز والجنسية الإسرائيلية، وحق العمل، هل كان الفلسطينيون الذين بقوا عام 1948 وعددهم مائة وثمانون ألفا، سيصبحون اليوم مليونا وربع المليون؟

لذلك فالكثير من الهيئات الفلسطينية والدولية ترى أن قرار مجلس النواب اللبناني الأخير، هو مجرد هروب من القضايا الأساسية التي ينبغي مواجهتها لتوفير حياة كريمة للفلسطيني. والمفارقة المبكية أن هذا اللاجىء الفلسطيني محروم من حقوق اللاجىء المعترف بها دوليا، ومحروم من حقوق الأجانب في لبنان، وبالتالي فهو لا يعرف وضعيته البشرية. وبالتالي فهذه الوضعية المبكية سوف تستمر طالما التوازنات الداخلية اللبنانية قائمة لأسباب طائفية دون أية خلفية سياسية، رغم تذرعها بالحرص على القضية الفلسطينية وحق العودة...إلخ هذه الشعارات الكاذبة التي تستعملها كل القوى والحكومات العربية. وهذا رأي العديد من اللبنانيين الوطنيين، فالأستاذ ناصر قنديل رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والإعلامية والنائب اللبناني السابق، يرى ( أنّ هذا القرار الهزيل والذي جاء بعد مراوغات واحتقانات ومواجهات بين مختلف الكتل النيابية المتصارعة على ملفات عديدة، تتقاطع مع الوجود الفلسطيني في لبنان، يعكس تعقيد الوضع الداخلي الطائفي والعشائري والمناطقي في لبنان، أكثر من كونه حرصا على القضية الوطنية أو خشية توطين توحي به عقول مريضة معادية للحق الفلسطيني).

لذلك سوف تستمر معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيرها من الأقطار العربية بنسب متفاوته، إلى أن يتوصل العرب لأخلاق وإنسانية وقوانين الأوربي والأمريكي والإسكيندينافي التي تمنح أي مواطن الجنسية كاملة الحقوق فور إقامته المدة القانونية المطلوبة.
[email protected]