الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والحدود المتوافق عليها والمعترف بها وبعاصمتها، هي أمنية فلسطينية يكاد يكون هناك شبه إجماع فلسطيني عليها بين كافة الفصائل على أن تكون كحد أدنى ضمن حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، هذا رغم مراوغات ومناورات حماس، التي تنقضها إشارات ورسائل أبو العبد (إسماعيل خهنية) ولقاءات خالد مشعل تحديدا مع وسائل الإعلام الأمريكية، وآخرها مطالبة أبو العبد الفصائل الفلسطينية عدم إطلاق الرصاص والصواريخ الكرتونية على دولة إسرائيل كي لا يعطونها مبررات لاجتياح جديد لقطاع غزة، ووصف من يقوم بذلك بأنه يرتكب quot; خيانة وطنية quot;، وبالتالي من حقنا أن نعتبر بناء على هذا القياس أن حماس أبو العبد طوال السنوات الماضية خاصة سنوات الرئيس عرفات كانت ترتكب هذه الخيانة الوطنية، عندما كانت مع كل اجتماع فلسطيني ndash; إسرائيلي تطلق صاروخا تلفزيونيا فتفشل الاجتماع إلى أن أوصلت الرئيس عرفات إلى سجنه في المقاطعة ثم إرساله للموت في المستشفى الباريسي.

دولة سلام فياض المرتقبة

هذه الدولة يبشّر بها منذ أسابيع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض (غير الشرعي في عرف حكومة أبو العبد المقالة حكومته في عرف محمود عباس)، وقام بتحديد بعض معالمها كما يراها فإذا هي حسب مقابلته مع صحيفة ها آرتس الإسرائيلية يوم السبت الموافق الثالث من أبريل quot; ستبصر النور بحلول آب 2011، ومن خلال الوقائع على الأرض quot;، دون أن يحدّد أية وقائع هذه التي ستولد من خلالها هذه الدولة، خاصة أن الحالة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية حيث سلطة سلام فياض هي أسوأ منها في نهاية زمن الرئيس عرفات، في ضوء تصاعد حركة الاستيطان الإسرائيلي السرية والعلنية رغم رفض وشجب غالبية حلفاء دولة إسرائيل بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية. ويرى سلام فياض الشرعي quot; أن ولادة الدولة الفلسطينية ستشكل يوم فرح لكل العالم quot;، دون أن يوضح كيف استطاع قياس الرأي العام لكافة دول العالم بهذه السرعة الضوئية. ومن المهم ملاحظة عدة مسائل حول الإعلان عن هذه الولادة المشوهة:

أولا: التنديد والرفض الإسرائيلي لهذا الإعلان الفياضي رغم أنه مجرد تصريحات صحفية غالبا غير مدروسة ولا تستند على أية وقائع ميدانية تفرضها وتمليها، فقد أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي تساحي هانغبي في تصريح إلى الإذاعة العامة الإسرائيلية quot; أنّ رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض يريد أن ترى دولة فلسطينية النور عام 2011 انطلاقا من حقيقة قائمة على الأرض، إلا أنّ أحدا لا يستطيع أن يفرض ما يجب أن يكون ثمرة تفاوض مع إسرائيل quot;.

ثانيا: تراجع فياض فورا عن بشارته بولادة الدولة الفلسطينية الموعودة، وقام على الفور بعملية إجهاض لها كي لا يغضب الشريك الإسرائيلي، فأعلن بعد ساعات قليلة quot; إنه لم يقصد في أقواله الإعلان رسميا عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإنما إقامة مؤسسات تتعلق بالبنية التحتية السلطوية والإدارية، وذلك لإقناع الأسرة الدولية بوجود واقع جديد في مناطق السلطة الفلسطينية quot;.

ثالثا: استمرار قيادة حماس في المناورة عبر التلاعب بالكلمات دون برنامج سياسي واضح، يساعدها في ذلك ثراء وخصوبة اللغة العربية التي تسمح لكل جملة بالعديد من التفسيرات والتأويلات حسب الوضع الذي يجد الشخص نفسه فيه. فحماس قطاع غزة في ردها الرافض لتصريحات ومواقف فياض الفضفاضة والضبابية تشدّد على: quot; حق الشعب الفلسطيني في تحرير كامل الأرض والمقدسات وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وديارهم quot;، ولا يمكن فهم ذلك على ضوء تصريحات حماس حول هدنة لمدة 60 عاما مع دولة إسرائيل، وقبول مشعل بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967.

ما الفرق بين إعلان فياض وإعلان عرفات

القيادات الفلسطينية في الطرفين الحمساوي في غزة والعباسي في رام الله، لا علاقة لها بهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته وهمومة التي لا تتوقف، فالطرفان مشغولان بقضايا التمسك بالكراسي والنهب والفساد التي لن يكون آخرها قضية المجاهدان المناضلان فهمي شبانة و مصعب حسن يوسف، وإلا هل يتذكر سلام فياض أن الرئيس عرفات أعلن في دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967، فماذا حققت تلك الدعوة غير دويلة كرتونية على الورق، إذ لم يتبق اليوم من حدود عام 1967 سوى أمتار قليلة بعد ابتلاع المستوطنات الإسرائيلية لعموم الضفة الغربية وبعض قطاع غزة. وإعلان عرفات ذلك يعني أن منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني اعترفا بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 قبل توقيع اتفاقية أوسلو بسبعة أعوام، في الوقت الذي كانت إسرائئيل تمنع أي اتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية وتحيل أي إسرائيلي يقوم بذلك للمحاكمة.

إن تصريحات سلام فياض لن تحقق دويلة ولا سلاما، طالما فيض المستوطنات في تصاعد وسط حرب فتح ndash; حماس التي لا علاقة لها بالدولة الفلسطينية المستقلة بقدر ما هي صراع على السلطة والكراسي للنهب والفساد الذي لم يبق شخص من قيادة الطرفين إلا وشارك في هذا الفساد. ومن لا يصدق ذلك فليستمع لشكاوي ومعاناة الفلسطينيين في القطاع والضفة، عندئذ يتأكد أنّ المشكلة أساسا في القيادات الفلسطينية منذ زمن الحاج أمين الحسيني إلى حفيده رفيق الحسيني الذي أقاله الرئيس عباس أمس من مناصبه بعد الفضائح التي أعلنها ضابط المخابرات الفلسطينية الرفيق المناضل فهمي شبانة، رغم أن هذه الإقالة مجرد ذر للرماد في العيون، فأين التحقيق في القضايا المثارة التي طال بعضها قاضي القضاة الشيخ تيسير التميمي وعلى لسان البن عشيرته ضابط المخابرات فهمي شبانة التميمي. وأين الحكم القضائي بحق هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين إن بقي في جبينهم ماء كي يتصبب عرقا.

إذن ما الحل؟
على ضوء هذه المعطيات الخاصة بعدم وجود قيادات فلسطينية من كافة الأطراف في مستوى طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني، وواقع انقسامي بين حماس غزة و فتح الضفة مرشح أن يستمر طويلا، فهل يمكن أم من المسموح دراسة واحد من بديلين: الوصاية الدولية على القطاع والضفة أو عودة الاحتلال المباشر بشكل رسمي كي يتحمل مسؤولياته الدولية المطلوبة من أي احتلال؟. خاصة أن الاحتلال المباشر شبه موجود ومتحكم في شؤون الضفة الغربية تحديدا، إذ يتجول الجيش الإسرائيلي ليلا ونهارا كما يريد، يهدم ويعتقل ويطرد، ووزراء السلطة لا يستطيعون الدخول والخروج والتنقل دون إذن مسبق...إذن ما الفرق بين هذا الوضع وعودة الاحتلال المباشر أملا في هدوء كما كان منذ عام 1067 وحتى انطلاق الانتفاضة في ديسمبر من عام 1987. وأكرر أن هذه البدائل المطروحة هي للنقاش وتبادل الرأي، فأنا لست عضوا أو مسؤولا في حماس أو عباس..فلنتناقش حولها لنرى هل هذه البدائل أفضل من الطرفين الحماسي والعباسي أم لا؟.
[email protected]