زاد من عزيمتي على الاستمرار في الكتابة معبرا عن قناعاتي، غالبية التعليقات على مقالتي الأخيرة (قراء مناضلون و كتاب عملاء)، حيث رفضت تلك التعليقات أسلوب السباب والشتائم منحازة للنقاش المنطقي الذي يحاجج الكاتب ويرد على أطروحاته بحقائق مغايرة تنقض ما قاله، وأكثر من تعليق سألني: لماذا لم تكتب عن موقف السلطة الفلسطينية من تقرير جولد ستون، وبعض الزملاء في تعليقاتهم كانوا يدّعون أن لهم القدرة على اختراق النوايا وقراءة ما في قلب وعقل الكاتب رغم أن هذا من قدرات الله تعالى فقط، فالسيد عبد الباسط البيك في تعليقه رقم (9) كتب يقول:
(كنا ننتظر من الدكتور أبو مطر مقالا يعكس فيه رأيه حول طلب الرئيس المناضل محمود عباس تأجيل مناقشة تقرير جولدستون، حتى نتمكن من تثبيت تصنيف الدكتور في المكانة التي تتلاءم مع فكره، لكنه قفز في الهواء ليتجنب الحرج الذي يتلقاه كل من دافع عن السلطة ورئيسها).
وأنا أتوجه للجميع بالسؤال: هل هذا التعليق يبتعد عن أسلوب المناكفة للمناكفة فقط؟ لأن السيد البيك كما قلت طرح نفسه على أنه يقرأ خفايا القلوب والضمائر، ثم أنه يطرح نفسه الحكم الشرعي الوحيد في تصنيف الكتاب وإعطائهم صفة (المناضلين) أم (العملاء)، ولا أعتقد أن الزميل صاحب التعليق يقبل هذا من أحد إذا كان التصنيف سيطاله، لأنه من المؤكد أن هناك نسبة توافق على تعليقاته ونسبة ترفضها، فهل يقبل تصنيف الرافضين له؟. إذن يبقى الحل الوحيد هو محاججة الفكرة المكتوبة بما ينقضها أو يؤيدها، ضمن مقولة (الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس). أما مطالبة الكاتب أن يكتب عن كل فكرة يريدها القراء فلن يكون باستطاعته ذلك، لأنه في نفس وقت هذا الطلب من السيد البيك أن أكتب عن تقرير جولد ستون، أرسل لي أحد القراء يطلب رأيي في منح جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي أوباما بحكم أنني مقيم في النرويج، وربما أعرف ما يدور في كواليس لجنة نوبل. فطلب من ألبي أولا؟
خطيئة وقف تقرير جولدستون؟
في البداية وليكن واضحا للجميع أنني ضد وقف التقرير من المناقشة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جينيف، أيا كانت آلية اتخاذ هذا القرار، وأيا كان الشخص الذي اتخذ هذا القرار، رغم أن المسؤولية أولا وأخيرا تقع على مسؤولية الرئيس محمود عباس، لأن السفير ابراهيم خريشة مندوب فلسطين لا يستطيع ولا يجرؤ على اتخاذ هذا القرار الخطير بدون طلب رسمي من الرئيس عباس نفسه، وهذا ما أكده السفير خريشة، موضحا أنه حصل على طلب الرئيس عباس خطيا وموقعا من الرئيس عبر الفاكس. لذلك فالمسؤولية أيا كانت نتائجها فهي تقع على عاتق الرئيس عباس وحده دون مشاركة أحد من مساعديه وإن كان موقفهم وراء الكواليس مؤيد لقراره. وبعد هذا التوضيح الواضح الصريح لموقفي حيث يتأكد أنه ليس في فمي ماء كما تنبأ قارىء القلوب والنيات عبد الباسط البيك، ورغم كل هذا الهياج والصراخ والتخوين وطلب رأس عباس وسحب الجنسية الفلسطينية منه، ورمي صوره بالأحذيه من الزيديين (نسبة للرائد المقدام البطل منتظر الزيدي) الفلسطينييين والعرب، إذ لا أعتقد أنه قد كتب ضد ميناحم بيجن أو جولدا مائير أو بينيامين نيتينياهو ربع ما كتب ضد الرئيس عباس، رغم كل ذلك أملك الجرأة للجوء لتحكيم العقل، كي أطرح بعض الملاحظات حول ما قبل التقرير وما بعده، لنكتشف أنه رغم إدانتي وإدانة الغالبية لوقف القرار إلا أن هناك من الأمور ما تم تغييبها وسط هذا الهياج والصراخ والتخوين.
موقف حماس المسبق من القاضي جولدستون
من المهم أن نتذكر موقف قيادة حماس الرسمي المعلن من القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد جولدستون فور تكليفه بالمهمة، وقبل أن يبدأ سفره للمنطقة مع بعثة تقصي الحقائق المرافقة له، إذ مجرد التكليف للقاضي جولد ستون كان مرفوضا من حماس وبشكل صريح وحاسم، فلنتذكر التصريحات التالية لقادة حماس والناطقين باسمها:
أيمن طه
القيادي في حركة حماس، رفض تعيين جولدستون لرئاسة لجنة تقصي الحقائق، وعبر عن استيائه وحركته لأنه حسب رأيه (إن هذه اللجنة ستكون منحازة لإسرائيل لأن رئيسها يهودي وسينحاز لا محالة للجانب الإسرائيلي). هذا والقاضي جولد ستون من مواطني جنوب أفريقيا رغم ديانته اليهودية، وينسى أيمن طه أن قريبا منه في داخل دولة إسرائيل عشرات الالاف من اليهود من يرفضون مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني ويصرحون علنا ب (دولتين مستقلتين لشعبين يعيشان في أمن وسلام).
سامي أبو زهري
الناطق الرسمي الفضائي والأرضي باسم حركة حماس والنجم التلفزيوني المعروف، صرّح قائلا: (إن اللجنة التي شكلت لكتابة التقرير يقودها يهودي، ولن تكون حيادية ولن نقبل بما سيصدر عنه).
وفعلا بعد صدور التقرير رفضته حماس،
إذ صرح اسماعيل رضوان القيادي المعروف في حركة حماس (أنّ التقرير سياسي وغير متوازن وغير منصف وغير موضوعي، لأنه ساوى بين الجلاد والضحية، وهو تقرير يفتقد الجرأة والصراحة). وكذلك القيادي الحمساوي فوزي برهوم صرّح قائلا: (أقولها بصراحة وبكل وضوح أنّ من قرأ التقرير يعلم جيدا أن كاتبه اليهودي قد ساوى بين حماس وبين إسرائيل في تحمل المسؤولية عن الحرب الأخيرة، حتى أن هذا اليهودي ساوى بين حماس و بين إسرائيل في أنّ كليهما ارتكبا جرائم حرب).
لماذا تغير اللحن بعد وقف التقرير؟
ما دامت هذه هي مواقف حركة حماس الرسمية فور تعيين القاضي ريتشارد جولدستون وعقب صدور تقريره، فما الذي تغير عند وقف مناقشة التقرير لقيام هذه الهوجة واللطمية ضد الرئيس عباس؟ وكيف أصبح القاضي اليهودي المنحاز حياديا شريفا، و خائنا متواطىئا عميلا جاسوسا من أوقف مناقشة تقريره في مجلس حقوق الإنسان في جينيف؟.
الجواب: إنها ليست رمانة بل قلوب مليانة!!
نعم إن السبب الحقيقي ليس الموقف من وقف مناقشة التقرير، بل هي تصفية الحسابات الممتدة منذ سنوات بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، هذه الحسابات التي تضخم رصيدها بعد سيطرة حماس على القطاع، وحدوث انقسام فلسطيني علني أوجد قيادتين في دويلتين كرتونيتين على الورق لايملكان من أمرهما وأمر الشعب الفلسطيني شيئا، سوى الصراع على المناصب والكراسي والمال وأنفاق التهريب. وأعتقد أن حماس حسب تصريحاتها السابقة مسرورة لوقف التقرير من المناقشة كي لا يأخذ آليته المستمرة لملاحقة كل من أدانهم التقرير،
ومنهم قيادة حماس التي أدانها التقرير
لأن ما يحاول الصراخ والهيجان والتخوين والضرب بالأحذية أن يتجاوزه أو لم يقرأه، هو أن تقرير جولدستون يدين حركة حماس بنفس مستوى إدانته القيادة الإسرائيلية، بل إدانته لقيادة حماس في بعض الفقرات أشد وأقوى، فقد ورد في أحد بنود التقرير: quot; كانت البعثة قد حددت أن الصواريخ وإلى حد أقل مدافع الهاون التي أطلقتها المجموعات الفلسطينية هي غير قادرة على التوجه نحو أهداف عسكرية محددة، وقد أطلقت على مناطق يتجمع فيها سكان مدنيون، وأكدت البعثة أن هذه الهجمات تشكل هجمات عشوائية على السكان المدنيين في جنوب إسرائيل وليس على أهداف عسكرية، وأن هذه الأعمال من شأنها أن تشكل جرائم حرب ويمكن أن ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية). وحول جرائم حماس في قطاع غزة ضد شعبها الفلسطيني، ورد في التقرير: quot; لقد قامت حماس في غزة بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وإحداث عاهات جسيمة واعتقالات تعسفية واحتجاز وسوء معاملة للناس وخاصة للمعارضين السياسيين، وكل هذا يشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان....إن التقارير بخصوص التعذيب وغيره من اشكال سوء المعاملة أثناء الاعتقال والاحتجاز تتطلب التحقيق الفوري والمساءلة quot;.
التقرير كان سيجلب قيادة حماس أيضا للقضاء
لذلك فإن الاستمرار في مناقشة التقرير الآن أو استئناف مناقشته في المستقبل كما تطلب القيادة الفلسطينية بعد الضجة الحاصلة، سوف يطال قيادة حركة حماس أيضا، ويجلبها للمحاكم الدولية جنبا إلى جنب مع القيادات الإسرائيلية. وهذا ما يؤكد لماذا رفضته قيادة حماس فور صدوره واعتبرته غير منصف لأنه ساوى بين الضحية والجلاد، في حين أن التقرير يعتبر قيادتي حماس وإسرائيل من الجلادين، وهذا يعني أن الضجة المفتعلة من حماس تحديدا مجرد تفريغ للحقد والضغينة بينها وبين السلطة الفلسطينية، أما هي في قرارة نفسها فمرتاحة وسعيدة لوقف التقرير، كي لا تطالها المساءلة كما يطلب التقرير صراحة وعلنا...نعم إنها ليست الرمانة ولكنها القلوب المليانة حقدا وضغينة، والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني فقط لا غير.
أما السائلين عن جائزة نوبل
فأنا من مؤيدي منحها للرئيس الأسود في البيت الأبيض الرفيق المناضل باراك أوباما (مع تذكر ان أصل إسمه quot;بركةquot;)، وفي الوقت نفسه لديّ حيثيات مفادها أهمية منحها للرئيسين خالد مشعل و محمود عباس إن تمكنا من تحقيق.............والبقية في المقالة القادمة المخصصة لجائزة نوبل.
[email protected]
التعليقات