أود وآمل أن يفكر القراء خاصة مناصري النظام السوري والمدافعين عن خيره (إن وجد) وشره، ويتمعنوا في هذه القرارات السورية الرسمية التي صدرت في الثالث من نوفمبر لعام 2008 عن القيادة القطرية لحزب البعث السوري ndash; فرع الحسكة، على شكل تعميم ملزم ل (الرفاق أمناء الشعب في المحافظة)، ثم يجيبوا بصدق وموضوعية على تساؤلي: هل فكرت دولة إسرائيل باتخاذ مثل هذه القرارات بحق الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عام 1948 بعد قيام دولة إسرائيل؟ وماذا كان سيكون واقع الفلسطينيين اليوم لو اتخذت إسرائيل بحقهم هذه الإجراءات والقرارات التي يطلب هذا التعميم الحزبي البعثي اتخاذها بحق المواطنين السوريين من القومية الكردية؟. ولمن لا يعرف فإن الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عقب قيام دولة إسرائيل كانوا حوالي 180 ألف فقط، واليوم هم يقتربون من مليون وربع مواطن، لم تمنعهم دولة إسرائيل من استعمال لغتهم العربية، فإذا بهم ينتجون بها أدبا وثقافة وسياسة لا تقل أهمية وعمقا عما تنتجه أية عاصمة عربية، ويكفي التذكير بأسماء مثل إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وتوفيق فياض وحبيب بولس وإنطوان شلحت وغيرهم.
وماذا يطلب التعميم الحزبي البعثي؟
هذا التعميم الصادر عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي - القيادة القطرية، فرع الحسكة، يذكّر (الرفاق أمناء الشعب في المحافظة) بقرارات القيادتين القطرية والقومية في جلستها رقم 143 / 31 بتاريخ 1 / 11 / 2008، ويبدأ بتمجيد النظام السوري وصموده، ثم مهاجمة القيادات الكردية في العراق، ويصف رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني ب (العميل الصعلوط)، ثم يبلغ الرفاق البعثيين بأن القيادة قررت:
1. مضاعفة الجهود للنيل من الأكراد ضمن الأطر القانونية في جميع المجالات وتهميش البعثيين منهم بشكل خاص، والعمل على عدم تسرب هذه المعلومات.
2. تقديم المساعدات اللازمة والاهتمام بالمعارضة العراقية والمقاومة المسلحة القادمين والمغادرين من وإلى العراق، علما أنهم يحملون وثائق تثبت انتماءهم للمعارضة.
3. يمنع عرض صورة لأي قائد سياسي أو عسكري كردي في محلات التصوير أو أماكن أخرى بقصد البيع أو العرض وخاصة لقادة الأكراد quot;.
وهذا التعميم الحزبي يحمل توقيع (أمين فرع الحزب بالحسكة، الرفيق محمد السطام). ولقراءة التعميم من الأصل:
http://img16.imageshack.us/img16/2926/biryaraa.jpg
http://img16.imageshack.us/img16/2926/biryaraa.jpg
هل هو تعميم حقيقي أم مزور؟
لم يصدر عن قيادة حزب البعث السوري في الحسكة أو في دمشق نفي لهذا التعميم، إلا أنّ موقعا إليكترونيا (شبكة بيور الثقافية)، إدّعى أنه اتصل بالرفيق محمد السطام الذي نفى الوثيقة وما جاء فيها، وأشادت الشبكة بالرفيق محمد السطام المؤمن بالوحدة الوطنية. وحاولت الشبكة التدليل على تزوير التعميم من خلال دليل ضعيف للغاية، وهو نشر وثيقة حزبية أخرى عليها توقيع الرفيق محمد السطام، كي يقارنه القراء بالتوقيع الوارد في التعميم على أنه توقيع الرفيق محمد السطام، فيظهر الخلاف بين التوقيعين دلالة على تزوير التوقيع الوارد في التعميم، وكما يبدو فهو دليل ضعيف للغاية، لأن أي قارىء للتعميمين لا يملك الدليل على أي التوقيعين صحي أو مزورا. وإذا إفترضنا أنه تعميم مزور فماذا عن:
كتاب الرفيق محمد طلب هلال الصادر عام 1963؟
الملازم الأول محمد طلب هلال، كان في العام 1963 رئيس الشعبة السياسية بمحافظة الحسكة، وأصدر في الثالث عشر من نوفمبر لعام 1963 كتابا يقع في 156 صفحة من الحجم الصغير بعنوان (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية). وهو كتاب رسمي كان يوزع على القواعد الحزبية في سوريا بشكل رسمي، وأحتفظ بنسخة منه حتى هذه اللحظة منذ عام 1984، حصلت عليها في دمشق من زميل سوري كان يشغل منصب رئيس التحرير لصحيفة يومية رسمية، وكان له موقع متقدم في الحزب في محافظة دمشق.
يقرر الملازم الأول محمد طلب هلال في مقدمة الكتاب أنه لم يمض على وجوده في المحافظة أكثر من ستة شهور، وهي مدة ليست كافية (إلا أن الحادي الذي حدا للإسراع بها ndash; أي الدراسة المتضمنة الكتاب ndash; هو الظروف الخاصة التي تمرّ بها محافظة الجزيرة اليوم وخطورة المرحلة الحالية لما للأحداث الجارية في شمالي قطرنا العراقي الغالي من أثر، ومدى تأثير تلك الأحداث على هذه المحافظة المجاورة من أثر). ويؤكد أن الكتاب (مشروع دراسة أو محاولة لمشروع دراسة، على أنها تعطي خطوطا عريضة مع مقترحات أحسست أنها ضرورية جدا للإطلاع وتكوين فكرة على درجة من الوضوح، لكي يتسنى للمسؤولين وضع الخطة لأنه باعتقادي أنّ الأوان قد آن لوضع خطة راسخة لهذه المحافظة وتنقيتها من العناصر الغريبة، كي لا يبقى الأغيار ومن ورائهم الاستعمار يعيثون فسادا في هذه الرقعة الغالية ذات الثروة الكبيرة من الدخل القومي، وخاصة أن روائح البترول قد أخذت تفوح فيها وفي حقولها مما يزيد في تعقيد المشكلة). ومن الواضح أن المقصود بالأغيار في ذهن الملازم الأول هم السوريون من القومية الكردية لأنهم يمثلون الغالبية الساحقة من سكان محافظة الجزيرة.
ماذا يقترح سيادة الملازم الأول؟
يبدأ كتابه بنفي قاطع لوجود شعب اسمه الشعب الكردي...إذن لماذا الخوف من شعب وقومية غير موجودة حسب ادعائه؟. و أخطر ما في الكتاب الصفحات من 45 إلى 48 من الفصل الثاني، التي جاءت بعنوان (المقترحات بشأن المشكلة الكردية). هذه المقترحات هي التي جعلتني أعنون المقالة ب (قرارات حزبية سورية لم تجرؤ إسرائيل على التفكير فيها). لأن هذه المقترحات لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية الكريهة التي تفتت الوحدة الوطنية السورية بدلا من أن تزيدها لحمة ومتانة. وهذه بعض هذه المقترحات بشأن سكان محافظة الجزيرة كما وردت حرفيا في الصفحات المذكورة:
1. أن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل مع التوزيع في الداخل، ومع ملاحظة عناصر الخطر أولا فأولا، ولا باس أن تكون الخطة ثنائية أو ثلاثية السنين، تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقل خطورة وهكذا.
2. سياسة التجهيل أي عدم إنشاء مدارس أو معاهد علمية في المنطقة، لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.
3. إن الأكثرية الساحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية (وهذا غير صحيح) فلا بد لتصحيح السجلات المدنية، وهذا يجري الآن، إنما نطلب أن يترتب على ذلك إجلاء كل من لم تثبت جنسيته.
4. سدّ باب العمل: لا بد لنا أيضا مساهمة في الخطة من سدّ أبواب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع أولا غير قادر على التحرك وثانيا في وضع غير المستقر المستعد للرحيل في أية لحظة. هذا ويجب أن يؤخذ به في الإصلاح الزراعي أولا في الجزيرة، بأن لا يؤجر ولا يملك الأكراد، والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد الله.
5. شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركزة على الأكراد.
6.نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الأكراد وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عربا أقحاحا.
ويقول في البنود رقم:
8. إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم حصن المستقبل ورقابة بنفس الوقت على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم.
10. إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكريا كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماما.
وماذا عن الإحصاء الاستثنائي لعام 1962؟
وهو الإحصاء الذي تم عام 1962 في محافظة الجزيرة ذات الأغلبية من القومية الكردية، وتبناه البعث عام 1963 وحتى اليوم، وتجمع دراسات عديدة لقانونيين سوريين عرب، أن عدد المواطنين الكرد الذين سجلوا في عداد الأجانب أي المحرومين من الجنسية السورية أو من المكتومين أي غير المقيدين لا يقل ألآن عن ثلاثمائة ألف مواطن. ويمكن الرجوع لكافة التفاصيل المتعلقة بحقوق الإنسان في سوريا في ظل القوانين الاستثنائية،في الدراسة الموثقة ل (مركز الدراسات، أمان) وهو مركز عربي يعنى بحقوق الإنسان.
http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=313
http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=313
وماذا بعد؟
إن الأفكار الواردة في تعميم الرفيق محمد السطام عام 2008 لا تختلف عن محتويات كتاب الملازم الأول محمد طلب هلال عام 1963، وهذا ما يجعلني أميل إلى أنه تعميم حزبي رسمي صحيح، كما أنه لا يختلف عن النتائج التي خطط لها لتنجم عن إحصاء 1962. وأود أن أؤكد:
أن الغرض من هذا العرض هو التأكيد على أن الأوطان بما فيها سورية لا تتم قوتها ومناعتها إلا من خلال الوحدة الوطنية الحقيقية التي لا تتم إلا بالمساواة والعدالة بين كل المواطنين بغض النظر عن العرق والدين والقومية، وهذا ما نأمل أن يتحقق بالنسبة للمواطنين السوريين من القومية الكردية التي اعترف الرئيس بشار الأسد في لقائه مع قناة الجزيرة في مايو 2004 صراحة بأنهم القومية الثانية في سوريا، وأن مشروع الإحصاء الإستثنائي الذي صدر قبل 42 عاما كان مجحفا، وكان يجب إنصاف الأكراد وتجنيسهم ووعد بتصحيح هذا الوضع. ورغم ذلك وبعد مرور خمسة أعوام على وعد الرئيس بشار لم تتحقق أية خطوة بهذا الاتجاه، بالعكس تكاد تكون الاعتقالات في صفوف النشطاء الأكراد شبه يومية، وأحيانا اغتيالات في وضح النهار كما حدث مع عالم الدين الشيح محمد معشوق الخزنوي في مايو 2005، و تهديد نجله الشيخ مرشد الخزنوي الذي لم يجد ملاذا آمنا إلا في المملكة النرويجية حمّاها الله.
[email protected]
[email protected]
ملاحظة: قبل أن يسأل أي قارىء لماذا أكتب دعما للشعب الكردي، أنصحه بقراءة كتب الدكتور محمد علي الصويركي: (الأكراد الأردنيون) و (أكراد فلسطين) ففيها الجواب الشافي الوافي.
التعليقات