أودّ أن أؤكد في البداية أنني لست من المعجبين أبدا بنظام الرئيس علي عبد الله صالح، ولا المدافعين عنه لأسباب كثيرة منها ما يشترك فيه مع أنظمة جمهورية عربية عديدة، وهو الاستمرار في الكرسي والسلطة (من المهد إلى اللحد) رغم ديكور الانتخابات الشكلية التي تمدد لهولاء الرؤساء كل ثماني سنوات، وما إن يهرموا حتى يكونوا قد أعدوا لخلافة أولادهم مغيرين الدستور على مقاس الابن الرئيس القادم، كما حصل في الدستور السوري بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، وخلافة نجله الرئيس الحالي بشار الأسد، وتغيير الدستور حسب حاجة النظام ومصلحة رجاله يعني أنه لا وجود لدستور. وحسب معطيات الواقع العربي لن يكون توريث بشار الأسد هو الحالة الاستثناء في الحياة السياسية العربية، والمستقبل الخاص بهذا السياق على الأبواب في أكثر من عاصمة عربية.

من هم الحيثيون؟
من الصعب التعامل مع الظاهرة الحوثية اليمنية على أنها ذات بعد تاريخي مزمن خاصة من يحاول إعادة جذورها التاريخية لما عرف قبل الميلاد بالشعوب الحيثية من سكان ما يعرف اليوم باسم تركيا، تلك الشعوب التي بدأت السيطرة على أجزاء واسعة من المنطقة عام 1900 قبل الميلاد، ويرى علماء التاريخ والحفريات أنهم شعوب أتت من أوربا أو آسيا الوسطى. أما الحيثيون في اليمن فغالبا مجرد قبيلة يمنية تسكن في منطقة صعدة الجبلية وما يجاورها، حيث تعرف هذه الجبال بوعورتها وصعوبة ارتيادها والتجوال فيها. وتنسب هذه القبيلة نفسها للمذهب الزيدي الذي يربطه البعض بالمذهب الشيعي، ويرفض هذا الربط البعض ويعتبرونه أقرب للمذهب السني، ومن المعروف أن الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن قرابة ألف عام (897 ndash; 1962) كان أئمتها ينتمون لهذا المذهب حتى الإطاحة بآخر إمام لهم (الإمام أحمد بن يحيى) في انقلاب عام 1962، حيث أعلن النظام الجمهوري الحالي، ومن المعروف أن نظام الإمام أحمد بن يحيى كان من أكثر الأنظمة العربية فسادا وتخلفا وقمعا، أدت الإطاحة به إلى حرب علنية بين مصر عبد الناصر والمملكة العربية السعودية على الأرض اليمنية، استمرت حتى هزيمة العرب في حرب 1967، حصل بعدها اتافاق على وقف تلك الحرب العربية في اليمن وانسحاب الجيش المصري منها.

حسين الحوثي ووالده بدر الدين
التمرد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في محافظة صعدة اليوم ليس جديدا، فهناك محاولات مستمرة بنسبة من النسب منذ عام 2004، وما يلاحظ أن التمرد لم يفرز قيادة عشائرة أو طائفية ذات ثقل مذهبي تشكل كاريزما واضحة داخل الحوثيين أنفسهم، على غرار قيادات أو زعامات دينية طائفية في أكثر من دولة عربية، فلم يعرف عن (حسين الحوثي) ووالده (بدر الدين) أن كانا زعماء سياسيين أو مراجع دينية بين قبيلتهم ذاتها، فهما مجرد زعيم قبيلة وابنه يديران معهدا أو مدرسة دينية يوجد المئات مثلها في عموم الأراضي اليمنية، ولم يبرز اسم الولد ووالده إلا بعد تصعيد التمرد العسكري الأخير الذي أدى حتى الآن إلى قتل ألاف من اليمنيين وتشريد ونزوح ما لا يقل عن مائتي ألف من بيوتهم ومناطق سكنهم، تعتبر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أوضاعهم أكثر من بائسة ومخيفة. لذلك فإن هذا التمرد يبقى أقرب إلى الانقلاب العسكري بمعنى لا خلفية فكرية أو مذهبية طائفية له، بدليل أن قيادة المتمردين لم يسبق أن صدر عنها وثيقة توضح مطالبهم وخلفيتهم الإيدولوجية التي تجعلهم مختلفين أو متقدمين على النظام الحالي. وهذا التمرد العسكري أخطر جماهيريا من الانقلابات العسكرية التي كان ظاهرة عربية في خمسينات وستينات القرن الماضي، لأن تلك الانقلابات كانت تنتهي بمجرد استيلاء ضابط من الجيش على الإذاعة والقصر الجمهوري، دون إراقة دماء بمثل الغزارة اليمنية الحالية المستمرة منذ خمس سنوات.


لا مبرر ولا منطق
لذلك لا يمكن العثور على مبرر وطني ولا منطق أخلاقي، يبرر هذا التمرد أيا كانت الملاحظات السلبية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح وهي كثيرة تكاد لا تحصى، لأن أي ظلم أو فساد أو استبداد وقمع في أية دولة عربية، إذا وافقنا على مواجهته بشكل من أشكال هذا التمرد العسكري، فلك أن تتخيل عدد الحروب المحلية الداخلية التي ستشهدها الأقطار العربية، التي هي متشرذمة ومتخلفة وفقيرة بدون هذه الحروب، فكيف وأين سيصل التشرذم والتخلف والفقر عند اندلاع هذه التمردات العسكرية، وما سيرافقها من قتل وتشريد ونزوح ودماء؟. هذا بدليل أن الشعوب الحضارية الواعية أسقطت أكثر من نظام ديكتاتوري قمعي مستبد بانتفاضات جماهيرية سلمية لم تشهد إراقة نقطة دم واحدة، كما حدث في رومانيا وجورجيا وغيرها....فلماذا الشعوب العربية لديها خيار من خيارين مدمرين: السكوت والتصفيق والهتاف للطاغية (بالروح بالدم نفديك...) أو التمرد العسكري الذي لن ينتج بالاضافة للقتل والتشريد سوى طاغية جديد؟.


هل هناك دور إيراني؟
وكون هذا التمرد لم يطرح أجندة سياسية أو فكرية تنظيمية لعموم اليمن كبديل عن نظام الرئيس علي عبد الله صالح، فهذا يعني أنه مجرد تحرك قبلي على نطاق ضيق ساعدته الظروف الجغرافية الخاصة بالمناطق الجبلية اليمنية، واستمراره لمدة تزيد على خمس سنوات بهذا الأفق الفكري الضيق أو شبه المعدوم، يطرح إمكانية التدخل الخارجي خاصة الإيراني، وذلك حسب ما قاله الرئيس اليمني في لقائه مع فضائية الجزيرة أن التمرد يتلقى دعما من جهات معينة في إيران، بدليل العثور على خليتين يمنيتين اعترف أعضاؤها بتلقيهم أموالا من إيران. ويؤكد ذلك العرض الإيراني بالوساطة بين الحكومة والمتمردين، فلا وساطة بدون علاقة للوسيط بين الطرفين. وقد كان مستغربا الحديث عن علاقة التيار الصدري الشيعي في العراق بالتمرد الحوثي في اليمن، لولا تصريحات الناطق الرسمي باسم التيار الصدري صلاح العبيدي الذي اعترف بأن التيار الصدري عرض على الحكومة اليمنية الوساطة مع المتمردين الحوثيين، وقال حرفيا quot;حاولنا التدخل بواسطة لانهاء الأزمة وفق الطرق الدبلوماسية الصحيحة عن طريق السفير اليمني في بيروتquot;. ويمكن ملاحظة الخطورة الكامنة في هذا التصريح من زاويتين:
الأولى: القول quot;وفق الطرق الدبلوماسية الصحيحةquot;، ومن المعروف عربيا ودوليا أن الطرق الدبلوماسية الصحيحة لا تكون إلا بين دولتين، وليس بين دولة ومتمردين عليها من أبناء شعبها، وهذا ما يعني محاولة تقديم وتسويق التمرد الحوثي على أنه تيار يمني قوي يعبر عن غالبية الشعبي اليمني، وكأنه دويلة داخل دولة تحتاج لوساطة خارجية.
الثانية: القول quot; عن طريق السفير اليمني في بيروت quot;، لماذا بيروت وليس عاصمة عربية أخرى حيث السفارات اليمنية موجودة؟. هل تحديد السفارة اليمنية في بيروت يعني وجود علاقة ما لحزب الله بالموضوع؟ هو مجرد تساؤل يعيد للأذهان دعوة السيد حسن نصر الله في منتصف سبتمبر 2009 لوقف إطلاق النار بين الحكومة والمتمردين، وترحيب اليمن الرسمي بتلك الدعوة. وكان مما ورد في دعوة حسن نصر الله موجها حديثه للرئيس اليمني قوله: (الله بأهلك وشعبك ولا دخل لي بالتفاصيل. ولكن لتبادر لوقف نزف الشعب وفتح الباب السياسي ولوقف اطلاق النار). والسؤال: لماذا لم يشمل النداء مطالبة قيادة المتمردين أيضا لوقف اطلاق النار ووقف تمردهم؟. إن اقتصار المناشدة على الرئيس اليمني يعني أن الحكومة اليمنية هي المسؤولة والمدانة فقط. والغريب هو استغلال القضية الفلسطينية دوما لتسويق وتمرير أية دعوات سياسية، فدعوة حسن نصر الله هذه أطلقها في خطابه بمناسبة ما صار يعرف باسم (يوم القدس).


باختصار مفيد
هذا التمرد الحوثي مرفوض بكافة المقاييس الوطنية لأنه لن ينتج عنه سوى تمزيق الوطن وشرذمته ونزيف دماء لا يطال سوى أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم في هكذا التمرد، وستجد أن غالبيتهم ليسوا مع الحكومة ولا التمرد أيضا. وهذا الرفض لا يعني إبراء ساحة الحكومة اليمنية من ضرورة البدء باصلاحات داخلية تشمل كافة الأراضي اليمنية، ليشعر الجميع أنهم في (يمن واحد موحد)، وإلا كيف يمكن التغاضي عن التحركات السياسية والاجتماعية في ما كان يسمى (اليمن الجنوبي) التي تشكو منذ سنوات من سياسة التهميش والاضطهاد التي وصلت في الشهور الأخيرة حد المطالبة بالانفصال والعودة ليمنين (الشمالي) و (الجنوبي)؟. هل هذه الدعوات من فراغ أم تعبيرا عن رفض سياسة التهميش والاضطهاد والقمع التي تجعل نصف شعب يحن لزمن الانفصال؟.
[email protected]