أصبح معروفا ومؤكدا خاصة في البيت اللبناني أنه مهما كانت طيبة وخلق صلاح عزالدين، فإنه لولا علاقته الوطيدة بحزب الله قيادة وقواعدا، ما كان سيصل لهذا الثراء بالشكل السريع الذي حصل عليه. ومن المهم ملاحظة أن غالبية جماهيرية صلاح عز الدين والأموال الملايينية التي دفعت له للإستثمار في مشاريعه كانت من الوسط الشيعي اللبناني المقيم في لبنان أو خارجه. لذلك مهما نفت قيادة حزب الله عن علاقتها بمشاريع المليونير المفلس، فأول من لن يصدقها هو ذلك الوسط اللبناني الذي فقد أمواله ومدخراته و quot; تحويشة العمر quot; في ظروف ما زالت مجهولة الأسباب حتى الآن، خاصة في ظل المعلومات التي تحدثت عن تورط أجهزة مخابرات معادية لحزب الله في نصب كمائن اسثمارية مغرية للمليونير اللبناني، لكنها كانت في الحقيقة ألغاما أدت لإيقاعه في خسائر أدت إلى إفلاسه.

تورط حزب الله
علاقة الحزب بالملايين التي تم جمعها من أوساط البيت الشيعي اللبناني لا مبالغة فيها، فمن المؤكد أن هناك قيادات وأوساط متنفذة في الحزب استثمرت أموالا طائلة في مشاريعه، بدليل أن بداية افتضاح موضوع افلاسه كان قد ظهر في صحف مقربة من الحزب في نهاية أغسطس 2009، على خلفية أنه محتجز لدى المباحث المركزية اللبنانية التي تحقق معه بإشراف القاضي سعيد ميرزا، وأن القضية أصبحت في يد القضاء اللبناني الذي يسعى لمعرفة أسباب وخلفية الإفلاس الحقيقية، مخافة أن يكون من ضمن هذه الخلفية عملية نصب واسعة من المليونير نفسه للإستيلاء على أموال المودعين بحجة الإفلاس، وهذا ليس سهل التحقق منه لأنه يحتاج لوقت طويل واتصالات مع العديد من البنوك لمعرفة الأصول المالية المودعة باسمه، وهذا ما لا يمكن معرفته من بعض البنوك تحت ستار سرية الأعمال المصرفية المعمول بها.
وقد تأكد تورط حزب الله في مجمل القضية، بعد أن انكشف أن الحزب هو من قام أولا باعتقال المليونير في مطار بيروت اثناء محاولته الهرب للخارج، وتم احتجازه في مقر سري للحزب في الضاحية الجنوبية لمدة إسبوع، ثم قام الحزب بتسليمه للسلطات الأمنية اللبنانية الرسمية في محاولة لجعل القضية تأخذ الصفة الرسمية القانونية، إبعادا لشبهة تورط الحزب وعلاقته النابعة أساسا من استثمار بعض قياديي الحزب لملايين من الدولارات في مشاريعه، مما يطرح لدى المواطن اللبناني شبهة السؤال: من أين هذه الملايين لتلك القيادات، والمواطن اللبناني ابن الضاحية تحديدا الذي يعرف تلك القيادات من مهدها، بأنهم أناس على (قد الحال)، مما أعطى الشبهة التي تكاد ترقى لحد المعلومة إلى المصدر الإيراني المزود بتلك الملايين، بدليل أن النائب في كتلة حزب الله السيد حسين الحاج حسن، قد تقدم رسميا بدعوى جزائية ضد المليونير المفلس اساسها (شيك بدون رصيد واحتيال)، وتسرب من أوساط النائب أنه استثمر لدى المليونير قرابة 200 ألف دولار. والدولارات الإيرانية لدى الحزب ليست إشاعة أو تجنيا، بل مثبتة من حجم مصروفات ومشاريع الحزب التي لا تتوفر لغالبية الأحزاب اللبنانية، وهذه المصروفات في القرى والمدن اللبنانية ذات الأغلبية الشيعية فقط، هي مصدر التفاف الناس حول الحزب والتصفيق له، ليس ايمانا بمبادئه بقدر ما هي استفادة من دعمه المالي لهم في الظروف اللبنانية الاقتصادية المعقدة وغير المستقرة. وكانت الملايين الإيرانية لدى الحزب قد ظهرت عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية مع الحزب في يوليو 2006، عندما قام الحزب بتوزيع ما يقرب من 15 ألف دولار أمريكي لكل عائلة شيعية تهدم أو تضرر منزلها جراء تلك الحرب في الضاحية أو الجنوب اللبناني، وقدر المجموع الذي تم توزيعه آنذاك بما يزيد على 40 مليونا،

التناقض بين الشرع والممارسة
وليس سرا أن هناك انتقادات قاسية للحزب في أوساط المجتمع البناني بكافة أطيافه الدينية، فمن المستغرب للغاية قيام الحزب الذي يتصف بصفة (الله) ويسمي نفسه (حزب الله)، أن يستثمر أموالا ويقدم حماية لمليونير يستثمر أمواله بطرق غير شرعية لاترقى لعدم شرعيتها البنوك الأوربية والأمريكية، فكيف تمكن هذا الرجل من أن يصرف في بعض الحالات للمستثمرين معه أرباحا ترقى لحدود 40 في المئة من المبلغ الذي استثمروه في مشاريعه التي لا يعرفون عنها أية معلومة. خاصة أن بعض التقديرات في أوساط المتضررين تقدر حجم الخسائر بمليار دولار، مما يعني ميدانيا أن نسبة عالية من الوسط الشيعي اللبناني تضررت من طرق استثماراته غير المعروفة، خاصة حجمها الذي وصفه بعض الاقتصاديين أنه (اقتصاد مواز للاقتصاد الرسمي اللبناني)، الذي ما كان يرقى لهذا المستوى غير المنطقي الذي أدى إلى الإفلاس السريع، لولا تبني حزب الله له ودعمه من خلال استثمار العديد من قيادات الحزب وكوادره الملايين لديه، ومصدر الثقة الزائدة فيه منبعها أنه متزوج من ابنة شقيقة القيادي في الحزب هاشم صفي الدين القريب للغاية من السيد حسن نصر الله، وترشحه بعض الأوساط لخلافة السيد نصر الله. وهنا مصدر الصدمة الشديدة: كيف تقوم أوساط حزب الله وقياداته وكوادره بدعم تجارة واستثمار تتناقض مع مبادىء الله مما أدى لهذه الخسارة المروعة، بدليل أن القضية تمت احالتها للمباحث الجنائية في محاولة لمعرفة سبب هذا الإفلاس، وإن كان حقيقيا أم ادعاءا على خلفية محاولة صلاح عز الدين الهروب عبر مطار بيروت للخارج، وأن بعض المودعين لديه هم مستثمرون قطريون وكويتيون يتردد أن واحدا فقط من هؤلاء القطريين أودعوا لديه 185 مليونا من الدولارات، وزاد من الشك في هذا المليونير المفلس عدم العثور على أية أصول مالية وعقارية لاستثماراته، مما يرقى لحد النصب والاحتيال بدليل مئات الشيكات المرتجعة بالملايين من الدولارات لعدم وجود تغطيات مالية لها في حساباته. وجريمة النصب والاحتيال لذلك واردة لأنه كان يغطي أرباحا للبعض مما يودعه البعض الآخر، أي (تلبيس طاقية فلان لفلان) كما يقول المثل الشعبي.

هل تغطي إيران متطلبات هذا الإفلاس؟
الجواب على هذا السؤال ليس تخمينا أو تحليلا بقدر ما هو معلومات مؤكدة حول اتصالات يجريها النظام الإيراني لإيجاد الطريقة التي يمكن من خلالها انقاذ سمعة الرجل وإخراجه من هذه الورطة الجنائية التي لن تقتصر عواقبها عليه شخصيا، بل ستمتد لسمعة حزب الله ونفوذه في الساحة اللبنانية، كما أن استمرار التحقيقات معه في المباحث الجنائية اللبنانية من شأنه أن يقود لأسماء ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني موجودين في لبنان ضمن قواعد وكوادر حزب الله، واستثمروا ملايين من الدولارات لديه دعما إيرانيا له، من خلال استخدام أسماء مواطنين لبنانين وافقوا على ايداع الأموال لديه باسمهم، وكل من يعرفهم من الجيران والأقارب أنهم (على قد الحال) لا يملكون أية نسبة ضئيلة من هذه الملايين. الاستعداد الإيراني لتغطية متطلبات هذا الإفلاس أو أغلبه واردة، والاتصالات جارية للوصول لأشخاص ثقة يقبلون استلام مبالغ إيرانية ثم يودعونها في حساب المليونير المفلس على أساس انها استحقاقات قديمة له لديهم. والبديل لهذه الطريقة في حالة عدم الوصول لأشخاص يقبلون هذا التوريط المحتمل، هو تهريب أموال نقدية لداخل لبنان، يتم توزيعها على المتضررين من هذا الإفلاس مما يؤدي لإسقاط القضية الجنائية ضده، على أساس أنه قام بتسديد غالبية المستحقات عليه، والإفراج عنه مطلوب لتمكينه من تسديد القليل الباقي عليه.

مصادرة ملايين الدولارات من شاحنة إيرانية
وليس مستبعدا لدى بعض الدوائر الأمنية الغربية أن تكون الشاحنة الإيرانية التي تمت مصادرة حمولتها في الأراضي التركية في نهاية يوليو 2009، على علاقة بهذا القرار الإيراني لتعويض خسائر مليونير حزب الله، انقاذا له ولسمعة الحزب والنفوذ الإيراني في لبنان الذي لا يؤمنه إلا الحزب وقوته الميدانية المالية والعسكرية. وكانت السلطات التركية قد صادرت شاحنة الترانزيت الإيرانية وهي في طريقها إلى سوريا ثم لبنان، وكانت تحمل مئات الملايين من الدولارات والذهب، وتم مصادرة الحمولة وايداعها في المصرف المركزي التركي، واحالة سائقها الإيراني (اسماعيل صفاريان) إلى السجن والقضاء. وقد تم بث الخبر رسميا في وسائل الإعلام التركية، ونشر التلفزيون التركي صورة لجواز سفر السائق الإيراني.
لذلك فإن قضية افلاس مليونير حزب الله مفتوحة على كل الاحتمالات، رغم ضغوطات الحزب لإبقائها قيد السرية التامة، وعدم نشر أية معلومات جديدة بعد التغطيات الإعلامية الواسعة وغالبا المنتقدة للحزب في وسائل الإعلام اللبنانية. مركزة على (ما جمع مال إلا من شح أو حرام) و (ناظر المدرسة الذي أصبح مليارديرا وعاد فقيرا كما كان).
[email protected]