وهل يستحق الرفيق أوباما جائزة نوبل للسلام؟

ينطبق على ألفرد نوبل صاحب جائزة السلام السنوية منذ عام 1901 شعار (من صناعة الموت إلى صناعة الحياة)، فقد نشأ (ألفرد) منذ أن كان طفلا في عائلة تمتهن (صناعة الموت)، فقد استقر والده (عمانويل) في روسيا القيصرية عام 1838 حيث كان صاحب إختراع الألغام البحرية التي استخدمها الجيش الروسي ببراعة فائقة في مياه بحر البلطيق أثناء حرب القرم (1853 ndash; 1856)، ونتيجة اختراعه هذا تمكن الجيش القيصري من وقف الجيشين البريطاني والفرنسي مما أهله لنيل وسام الامبراطور الذهبي من القيصر الروسي. عاد الأب والإبن (ألفرد) إلى مسقط رأسهما العاصمة السويدية (استوكهولم) عام 1862، ليواصلا معا (صناعة الموت) حيث تمكنا من إنشاء مصنع لسائل النيتروجليسرين شديد الانفجار، وكان أول ضحايا صناعة الموت هذه شقيقه (إميل) ومجموعة من العمال إثر انفجار هائل دمّر المصنع عام 1864. ورغم ذلك استمر الشقيق (ألفرد) في تطوير صناعة الموت حتى تمكن من اختراع وصناعة (الديناميت) عام 1866، حيث انتشر استعماله في كافة دول العالم في البناء والمناجم والحروب أي في التعمير والتدمير في الوقت ذاته، مما أهله لفتح مصانع لآلة الموت هذه فيما يزيد على عشرين دولة، فدرّت أداة الموت والدمار هذه للمخترع (ألفرد نوبل) ثروة مالية هائلة بمقاييس ذلك الزمان.

صحوة ضمير
ومع تقدم العمر بدأ (ألفرد) يفكر في نتائج صناعته هذه، فإذا هي (الموت...الموت...الموت)، وكنوع من إرضاء الضمير بعد جولات الموت هذه، قرّر أن يسخّر تلك الثروة من صناعة الموت إلى تشجيع مبادرات الحياة من خلال الحث على السلام بين الشعوب، فسخّر تلك الثروة لجائزة سنوية تمنحها الأكاديمية السويدية للعلوم في ميدان الكيمياء والفيزياء، وأن يختار معهد كارولينسكا السويدي الفائز في مجال الطب. وكانت جائزة (نوبل للسلام) مخصصة للبرلمان النرويجي الذي أسس لجنة تقوم سنويا باختيار الفائز بها، سواء كان شخصا وحده أو بالتقاسم بين شخصيتين أو منظمة من المنظمات العاملة في مجال السلام وحقوق الإنسان.ولأن غالبية الشعوب قد عانت من صناعة الموت عبر الحروب، وشوقها جميعا للأمن والسلام والتعايش السمح، فقد اشتهرت من بين جوائز ألفرد نوبل جائزته السنوية للسلام التي تأسس لها في العاصمة النرويجية أوسلو معهدا خاصا هو (معهد نوبل للسلام) حيث تقوم لجنة منه باختيار الفائز بالجائزة سنويا، وقد كان هذا الفائز لعام 2009 هو الرفيق المناضل الرئيس الأسود في البيت الأبيض باراك أوباما.

هل يستحق الرفيق أوباما هذه الجائزة؟

من المهم التذكر أنه منذ عام 1901 أي حوالي 110 سنوات تم فيها منح الجائزة، لم يحظ الاختيار في أية سنة على إجماع الكل، ففي كل سنة كانت هناك موافقة عالمية على الفائز بالجائزة وهناك معارضة على اعتبار أن هذا الفائز لا يستحقها، وهذه مسألة طبيعية فلا يمكن وجود اتفاق جماعي عالمي على مسألة واحدة، سواء من الحكومات أو المنظمات أو الأفراد. ونفس الخلاف بين التأييد والمعارضة واجه قرار اللجنة النرويجية بمنح جائزة نوبل للسلام لعام 2009 للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم يكمل بعد عاما واحدة من رئاسته للقوة الأمريكية الوحيدة في العالم. والخلاف ليس في العواصم البعيدة عن (أوسلو) فقط بل وصل للعاصمة النرويجية ذاتها، ولكن ليس بسبب الجائزة وحدها ولكن لأن رئيس اللجنة رئيس الوزراء النرويجي السابق (ثورنبيورن ياجلاند) كان قد انتخب الشهر الماضي رئيسا لمجلس أوربا في ستراسبورغ، وهما مهمتان ترفض بعض الأصوات النرويجية أن يتسلمها ياغلاند في نفس الوقت، بدليل أن زعيمة حزب التقدم النرويجي المعارض (سيف جنسن) طالبته بالاستقالة كي يتجنب تحمل مسؤوليتين كبيرتين في الوقت ذاته، وكذلك لحزب المحافظين النرويجي نفس الموقف.

أما الرفيق ميدييف،

الرئيس الروسي ورغم ما بين رئيسي أقوى قوتين في العالم من احتقان ومشاكل وصراعات، إلا أنه وافق على اختيار الرئيس أوباما للجائزة، وكان من السباقين لتهنئته معتبرا (أنّ قرار لجنة نوبل يدل على رؤية واقعية لديناميات التنمية العالمية...ويأمل أن يكون القرار تشجيعا اضافيا للانضمام إلى الجهود من أجل توفير مناخ جيد في العلاقات الدولية وترويج مبادرات لها أهمية اساسية للأمن الشامل).

وأيضا الرفيق كاسترو،

الذي تناصبه الولايات المتحدة الأمريكية العداء والمقاطعة منذ حوالي نصف قرن، فقد عبر عن تثمينه لقرار اللجنة النرويجية الايجابي، لأن القرار من وجهة نظره (أمر ايجابي يرمي إلى انتقاد سياسة الإبادة التي اتبعها عدد من أسلافه)، رغم أن هذه الرؤية للقرار لم تكن واردة في أذهان أعضاء اللجنة، إذ عبر رئيسها (ياجلاند) عن هذه الرؤية بقوله: quot; أريد القول أيضا أنه كان يمكن أن يحصل عليها بعد فوات الأوان. هل يستطيع أحد أن يدلني على من أنجز أكثر منه هذه السنة؟ من الصعب اختيار فائز بجائزة نوبل للسلام أقرب من أوباما إلى وصية الفرد نوبل quot;.

أما أنا كمواطن نرويجي

من أصول بدوية سبعاوية قريبة من أصول الفايكنج الاسكيندينافيين، فأرى أن الرفيق الرئيس المناضل (باراك أوباما) يستحق هذه الجائزة بامتياز وعن جدارة للأسباب والحيثيات التالية:

أولا: تأييدا لأطروحات وحيثيات الرفيقين ديمتري ميدييف الرئيس الروسي والرفيق المناضل العالمي فيدل كاسترو الرئيس الكوبي لمدة نصف قرن، فلا أعتقد أنّ هناك من يشك في وطنيتهما ونضالهما، لذلك فتأييدي لمنح الرئيس أوباما الجائزة نابعة من قناعة هذين المناضلين العالميين (ميدييف و كاسترو) ودعما لقناعتهما هذه.

ثانيا: دعما لتوجه التعايش السلمي بين الشعوب الذي يصرّ عليه الرئيس اوباما خاصة مع العالمين العربي والإسلامي الذي عبّر عنه بوضوح وجرأة في خطابه بجامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009، إذ رفض وأزال الصورة النمطية السيئة المفروضة على العرب والمسلمين، وبعد ذلك الخطاب يستمر في تعزيز رؤيته هذه في كل مناسبة، وكانت آخر خطواته هي تعيينه للسيدة المسلمة المصرية الأمريكية المحجبة quot; داليا مجاهد quot; في مجلس أوباما الاستشاري حول الشراكات التي تعتمد على الأديان والحوار...فمن كان غير أوباما يجرؤ على هذه الخطوة؟

ثالثا:محاولاته المستمرة لوقف المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعم مسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم عدم تحقق أي نتيجة ملحوظة على الأرض حتى الآن، وهذا يطرح تساؤلا: هل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أيا كان رئيسها أن تفرض وجهة النظر الفلسطينية والعربية على الجانب الإسرائيلي؟. ومن تداعيات هذا التساؤل: لماذا لا تستطيع 22 دولة عربية عدد سكانها 350 مليونا، و 44 دولة إسلامية عدد سكانها أكثر من مليار نسمة أن يفرضوا الرؤية الفلسطينية والعربية على الدولة الإسرائيلية؟. لذلك نأمل أن يتمكن الرئيس أوباما من تحقيق أمل ما من محاولاته المستمرة هذه.

رابعا: سعيه الدؤوب لإزالة أي عودة للحرب الباردة بين القوتين الأكبر في العالم الأمريكية والروسية، وربما كان هذا من دوافع الرئيس الروسي ميدييف لتهنئة الرئيس أوباما، واعتباره قرار لجنة نوبل (رؤية واقعية لديناميات التنمية العالمية)، هذه التمية التي تحتاجها غالبية دول العالم الثالث وغيرها.

من وجهة نظري المتواضعة، أعتبر هذه مبررات كافية لمنح الرفيق الرئيس المناضل باراك أوباما جائزة نوبل لعام 2009، وقد كان في مستوى هذه الجائزة بتواضعه عندما أعلن أنه لا يستحق هذه الجائزة وهناك من هم أجدر منه، وتبرعة بقيمتها المالية للأعمال والجمعيات الخيرية في العالم.

أما الرئيسان محمود عباس وخالد مشعل،

فسوف أجمع التأييد الكافي لترشيحهما لجائزة نوبل للسلام للعام القادم 2010، إذ تمكنا من الآن وحتى أكتوبر عام 2010 من تحقيق السلام بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله، بشرط أن يتضمن هذا السلام عودة الوحدة الوطنية الفلسطينية كاملة، بقيادة واحدة معترف بها من الطرفين، وانتخاب مجلس تشريعي واحد ورئيس واحد، ووقف عمليات الاعتقالات والتطهير التنظيمي المتبادل، وتوحيد كافة الأجهزة الأمنية، أي إنهاء كافة مظاهر الانقسام والحرب الحالية بين الإمارة والدويلة، وهو ما يتمناه الشعب الفلسطيني في الداخل والمهجر، وكذلك أصدقاء الشعب الفلسطيني في كافة الدول الذين سيدعمون ترشيحي للرئيسين عباس ومشعل لجائزة العام 2010، وكلها عدة شهور لنرى هل يتم ترشيحهما أم لا؟!!!.
[email protected]