تم وقف أو تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية التي رعتها جمهورية مصر العربية طوال السنوات الأربع الماضية، بعد رفض حركة حماس التوقيع على الاتفاق الذي عدّلته مصر أكثر من مرة بناء على رغبة الفصائل الفلسطينية المتنافرة المتناحرة، وجاء على الفور التأييد لرفض حماس من الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق، دون أي حضور يذكر لها في القطاع والضفة، بدليل أن الحوار والنقاش يجري منذ سنوات بين فتح وحماس فقط، وباقي الفصائل مجرد نضال بيانات و (شاهد ما شافش حاجة). وقد أعقب هذا التأجيل توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا يقضي بإجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية في الرابع والعشرين من يناير 2010 أي بعد حوالي ثلاثة شهور.

مواقف ما بعد قرار الانتخابات
ما إن هدأت الشتائم والانتقادات والتهديدات واللعنات بعد إقرار تقرير جولدستون، حتى اندلعت نفس المعارك عقب قرار عباس باجراء الانتخابات، وكل فريق (فتح وحماس) ومناصريهم يدّعي أن الشرعية والدستور والقانون معه ولصالح قراراته ومواقفه، وعندما تصل الأمور لتذرع كل فريق بالقانون نفسه لتبرير مواقف متناقضة، فهذا يعني أنه لا وجود لقانون أساسا، و أنّ كل فريق يبحث عن مصلحته الشخصية والتنظيمية، والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني وقضيته التي جعلتها هذه القيادات قضية ثانوية في الأجندات الإقليمية والدولية. والاستناد للقانون من جانب الرئيس محمود عباس هو ما دعاه للقول بعد اجتماع مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك quot; أننا مجبرون طبقا للنظام الأساسي الفلسطيني على اصدار مرسوم رئاسي قبل الخامس والعشرين من أكتوبر 2009 لتحديد موعد الانتخاباتquot;، وقد أصدر هذا المرسوم فعلا كما أشرنا.

هل هو تكتيك للضغط على إمارة حماس؟
استنادا لما أشار اليه الرئيس عباس فهو استحقاق دستوري لا بد منه، لأن ولايته الرئاسية التي هي حسب القانون الفلسطيني لمدة أربع سنوات كانت تنتهي في يناير 2009، لكن السلطة الفلسطينية مددتها لسنة خامسة تنتهي في يناير القادم من عام 2010، وبالتالي فإما الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أصدر عباس المرسوم بخصوصها هي ضرورة أفضل من تمديد جديد لعباس يفقد القانون الأساسي مضمونه ومصداقيته، أو فراغ دستوري قائم أساسا بسبب رفض حركة حماس العام الماضي للتمديد، وبالتالي ففي عرفها عباس رئيس غير شرعي ومتسلط على السلطة، وفي الوقت ذاته حكومة حماس بكاملها في قطاع غزة غير شرعية لأنها في عرف السلطة الفلسطينية حكومة مقالة، بعد استيلائها على القطاع بانقلاب عسكري نتج عنه تطهير تنظيمي بحيث لم يعد موجود في القطاع أي أثر لأي تنظيم فلسطيني سوى حماس وأجهزتها الأمنية وقوتها التنفيذية. وبالتالي وإن تضمن مرسوم عباس لإجراء الانتخابات أية ضغوط على حماس، لكنه ضرورة قانونية ودستورية لا مفر منها رغم رفض حماس ومناضلي الانترنت الفلسطينيين في دمشق. ومن المهم تذكر أن رفض حماس توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية المقترح من الحكومة المصرية، كان من أسباب الرئيس عباس لإصدار هذا القرار كي لا يحدث فراغ دستوري أخطر من التنازع على السلطة القائم حاليا، لأنه لو وقعت حماس الاتفاق لكانت الانتخابات المقترحة ستجري حسب الورقة المصرية في 28 من يونيو 2010.
لذلك كان رفض حماس لقرار عباس سريعا وواضحا وعنيفا، لأنها تدرك أن نتائج هذه الانتخابات غير مضمونة لصالحها، كما نتج عن الانتخابات الماضية التي حققت لها أغلبية في المجلس التشريعي الذي تنتهي ولايته أيضا في الخامس والعشرين من يناير 2010، أي أنه بعد هذا التاريخ إن لم تجر الانتخابات فهذا المجلس التشريعي يصبح أيضا غير دستوري.

خيارات ما بعد الانتخابات
مع وجود واستمرار هذا الخلاف والصراع على الشرعية وادعائها من قبل كل طرف، وفي ظل صدور مرسوم اجراء الانتخابات فالفلسطينيون أمام خيارين:

الأول: تأصيل الانقسام الحالي
إن جرت هذه الانتخابات في الموعد المحدد الذي أعلنه الرئيس عباس، فستكون انتخابات في الضفة الغربية فقط، لأن حماس أعلنت عدم شرعيتها ورفض اجرائها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه، كما أعلنت وزارة داخلية حماس في القطاع أنها ستلاحق كل مواطن يتعاطى بأي شكل مع هذه الانتخابات، كما أن مناصري حماس في الضفة الغربية لن يشاركوا في هذه الانتخابات، وستكون بالتالي انتخابات مقصورة على مؤيدي فتح والسلطة الفلسطينية وقليل من المستقلين وبعض أعضاء التنظيمات الأخرى. إذن فهذا الخيار يعني تأصيل وترسيخ الانقسام الحالي الذي أسميه دوما: quot;إمارة حماس في غزةquot; و quot; دويلة عباس في رام الله quot;، وكلتاهما سلطتان لا يملكان من امرهما شيئا، فكل شيء بيد سلطات الاحتلال من فتح المعابر إلى تنقل الأشخاص بما فيهم وزراء حماس والسلطة.

الثاني: فراغ دستوري
وهذا الفراغ أساسا كان سيكون قائما في حالة عدم اجراء الانتخابات لأن الرئيس عباس والمجلس التشريعي الحالي تنتهي ولايتهما في الخامس والعشرين من يناير القادم في عام 2010، وفي حالة عدم تراجع الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية عن قرار اجراء الانتخابات، وكونها ستشمل الضفة الغربية فقط لأن حماس ستمنعها في القطاع وإسرائيل ستمنعها في القدس، فإن النتيجة أيضا هي استمرار الانقسام والتناطح على ادعاء الشرعية، والأخطر أنه سيكون للفسطينيين مجلس تشريعي يضم نوابا عن الضفة الغربية فقط، وليس كل شعب الضفة لأن مناصري حماس لن يشاركون في الانتخابات وبالتالي لن يكون في المجلس الجديد أي ممثل لحماس. لذلك فإن ما هو مطروح أمام الفلسطينيين هو: أمران أحلاهما مرّ.

نعمة عدم وجود حدود مشتركة
أحيانا تكون هناك نعمة كبرى تحمد عقباها للوضع الجغرافي، ففي ظل هذا الانقسام والصراع الفلسطيني فإن ما يمنع اندلاع اشتباكات مسلحة وحرب عصابات بين إمارة حماس ودويلة عباس، هو عدم وجود تواصل جغرافي حدودي بين الضفة والقطاع، وإلا لاستمرت المعارك والاشتباكات بين الإمارة والدويلة منذ انقلاب حماس العسكري وسيطرتها على القطاع في يونيو 2007، خاصة أن الطرفين ليس في مخططهما الصراع المسلح مع الاحتلال. وهنا يخطىء من يرى أن حماس ما زالت مع خيار المقاومة، فهي لم تطلق رصاصة على الاحتلال منذ فوزها في انتخابات يناير 2006، وقد بدأت منذ ذلك التاريخ بوقف اطلاق الصواريخ الكرتونية، واعتقال كل من يطلقها من الفصائل الأخرى، وأضافت على ذلك عروض خالد مشعل واسماعيل هنية بهدنة مع دولة إسرائيل لمدة ستين عاما أي حتى عام 2070. لذلك فحسب البرنامج المعلن والمطبق فلا فرق بين برنامجي حماس والسلطة (فتح)، مما يؤيد بدون نقاش أن صراعهما صراع مصالح شخصية وتنظيمية. وفي ظل عدم وجود برنامج صراع مسلح مع دولة إسرائيل لدى الطرفين، فلو كانت هناك حدود مشتركة بين الضفة والقطاع، لرأينا بطولاتهم وعملياتهم الانتحارية ضد بعض عبر الحدود. وهناك من يرى أنه لو كانت هناك حدود مشتركة وتواصل جغرافي بين القطاع والضفة لما أقدمت حماس على انقلابها العسكري الذي ما كان سيسلم من تحرك قوات السلطة وأمنها الوقائي لقمع الانقلاب وقياداته، ولكن حماس استغلت عدم التواصل الجغرافي في ليلة ظلماء للإستيلاء على المقرات الأمنية والإدارية وطرد كل وجود للسلطة وفتح، والكل يتذكر حجم الجرائم التي ارتكبتها ضد عناصر السلطة وفتح. فشكرافي ظل هذا الصراع العبثي لنعمة الجغرافيا وعدم وجود تواصل جغرافي بين الإمارة والدويلة.

وأين فلسطينيو الخارج العربي والغربي؟
ومما يزيد الأمر خطورة وتقزيما هو أن المجلس التشريعي والرئيس الجديد الذي هو حتما سيكون محمود عباس، سيكونا منتخبين من نسبة بسيطة فقط من سكان الضفة الغربية البالغ عددهم حوالي مليونين ونصف، في ظل عدم مشاركة فلسطينيي قطاع غزة بسبب منع حماس ذلك، وعدم وجود أي قانون أو آلية لمشاركة الفلسطينيين في الشتات العربي والأوربي والأمريكي الذين يقدرون حسب جهاز الإحصاء الفلسطيني بستة ملايين ونصف أي أكثر بمليونين من مجموع سكان الضفة والقطاع. وفي ظل هذا الوضع فهذه الملايين الستة والنصف المهملة، هناك نسبة منهم تؤيد غيابيا فتح والسلطة الفلسطينية، ونسبة تؤيد حماس وحكومتها المقالة، ونسبة ربما تكون الأغلبية لا يعنيها الأمر في ظل تجاهلها حتى من السفارات الفلسطينية التي هي غالبا في صراع مع الجاليات الفلسطينية ومنبوذة من الغالبية الفلسطينية.

ما الحل في ظل هذا الوضع البائس؟
هناك أفكار عديدة يتداولها الفلسطينيون همسا أو في جلساتهم المغلقة التي لا تخلو من توجيه اللعنة للسلطتين في القطاع والضفة، في ظل أن السلطتين لم تحققا خطوة واحدة نحو الدولة الفلسطينية المستقلة، وصراعهما صراع مصالح شخصية وتنظيمية فقط. من هذه الأفكار العودة لمصر والأردن أو الاحتلال المباشر، وهذا ما يحتاج للتفكير والنقاش القادم.
[email protected]