المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التي ستنطلق برعاية أمريكية في واشنطن في الثاني من سبتمبر القادم، ستكون حلقة جديدة بعد مفاوضات مباشرة سابقة توقفت في نهاية عام 2008 بعد الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، وأعقبها اتصالات أو مفاوضات غير مباشرة تحديدا من خلال الوسيط الأمريكي جورج ميتشل، الذي من خلال اتصالاته السنتين الماضيتين، توصل لإطلاق هذه المفاوضات المباشرة الجديدة التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بعد موافقة الطرفين، وبما يشبه رعاية دولية بعد الترحيب البريطاني على لسان وزير خارجيتها ويليام هيج الذي أكّد على (أهمية أن تلتزم المفاوضات المرتقبة بحل الدولتين الذي بموجبه تقوم دولة فلسطينية ذات سيادة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام واستقرار. إنّ حل الدولتين هو الأمل الوحيد لسلام دائم ولأمن الإسرائيليين والفلسطينيين معا). وأعقب ذلك صدور بيان اللجنة الرباعية الذي أعاد للذاكرة موقفها القديم الجديد : quot; تؤكد الرباعية من جديد استمرار سريان بياناتها السابقة، ومن بينها بيان تريستي في 26 يونيو 2009 ونيويورك في 24 سبتمبر 2009 وكذلك موسكو في 19 مارس 2010، والتي تقول أنّ المفاوضات المباشرة لحل كل القضايا العالقة بشأن الوضع النهائي يجب أن تؤدي إلى تسوية عن طريق التفاوض بين الأطراف، تضع حدا للإحتلال الذي يرجع إلى عام 1967، وتسفرّ عن قيام دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية وقابلة للحياة، تعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل وجيرانها الآخرينquot;، رغم رفض إسرالئيل أن يكون بيان الرباعية هذا أساسا للمفاوضات القادمة.
هل هناك أمل منتظر من هذه المفاوضات؟
من المفهوم أنّ هناك مبررات ومنطقية للتشاؤم المفرط في الأوساط الفلسطينية من هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، نتيجة التعنت الإسرائيلي طوال مرحلة المفاوضات السابقة التي امتدت ما لايقل عن خمسة عشر عاما منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 في واشنطن من طرف محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك والرئيس الفلسطيني حاليا، وشيمعون بيريز وزير الخارجية آنذاك ورئيس دولة إسرائيل الآن، كما شهد التوقيع المصافحة المشهورة بين الرئيس ياسر عرفات والرئيس الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين الذي اغتاله متطرف يهودي بعد عامين تقريبا من تلك المصافحة والاتفاقية. والتشاؤم الفلسطيني له ما يبرره خاصة أنه لو تم تطبيق اتفاقية أوسلو حرفيا لأعلنت الدولة الفلسطينية المستقلة في عام 2005، وبدلا من قيام هذه الدولة الموعودة تصاعدت التحديات الإسرائيلية المناهضة لقيام الدولة، خاصة في مجال توسع وامتداد البؤر الإستيطانية والاستباحة الدائمة للضفة الغربية تحديدا حيث قوات الجيش الإسرائيلي تسرح وتمرح وتتجول كما تشاء، تفتيشا واعتقالا وإقامة حواجز مما جعل الضفة الغربية عبارة عن بؤر وقرى ومدن معزولة عن بعضها البعض، أكثر وأقبح من زمن الاحتلال الإسرائيلي المباشر قبل عودة السلطة الفلسطينية في يوليو 1994. اي أنّ هذا التشاؤم له ما يبرره في الأوساط الفلسطينية، ورغم ذلك لا بد من خوض هذه الجولة من المفاوضات خاصة أنّها تأتي تلبية لرغبة أمريكية، وهذا يعني عدم تفويت الفرصة كي لا يكون عدم الذهاب والمشاركة الفلسطينية هو السبب الذي يستعمل ذريعة لعدم تطور خطوات السلام التي يأمل الفلسطينيون منها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وأيضا كي نرى ماذا في جعبة الولايات المتحدة التي تصرّ على بدء هذه الجولة من المفاوضات وفي واشنطن تحديدا أي تحت رعاية ورقابة أمريكية مباشرة، وصدور تطمينات عن احتمال التوصل لحل نهائي خلال عام من انطلاق المفاوضات.
لا خسارات جديدة من المشاركة في المفاوضات
وبناءا على هذه الحيثيات والوقائع لن يخسر الفلسطينيون شيئا إضافيا إذا فشلت هذه الجولة من المفاوضات، مما يعني أنه لا معنى لرفض بعض الفصائل الفلسطينية هذه المشاركة في المفاوضات، خاصة أنها لم تعط مبررا مقنعا حول ماذا سيخسر الفلسطينيون من المشاركة إن فشلت هذه الجولة مثل سابقاتها. وللأسف فإن الرفض ألبسوه كالعادة بيانات خطابية كلامية لا تنمّ عن وجود أي برنامج بديل للمفاوضات، ويكفي الإطلاع على ثلاثة من مواقف الرافضين لهذه المفاوضات المباشرة المقترحة في واشنطن، لنتأكد خواء البيانات وانعدام أية برامج بديلة لدى الرافضين:
الأول: موقف الفصائل المقيمة في دمشق
هذه الفصائل (يخزي العين) عددها فقط 11 فصيلا بأحجامها المختلفة وحضورها المختلف عليه وسط الشعب الفلسطيني، وأترك الحكم للقارىء من خلال تمعنه في أسماء هذه الفصائل الموقعة على بيان رفض المفاوضات الذي تمّت طباعته وتوقيعه وإعلانه في دمشق عاصمة الممانعة العربية إن وجدت:
حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، طلائع حرب التحرير الفلسطينية ndash; قوات الصاعقة، جبهة التحرير الفلسطينية، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري، الجبهة الشعبية ndash; القيادة العامة، فتح الانتفاضة. أمّا مبررات رفضها الخطابية للمفاوضات القادمة فهي quot; أنّ العودة للمفاوضات المباشرة تمثل خضوعا للإملاءات الصهيونية الأمريكية التي تستهدف تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والتغطية على ممارسات الاحتلال في توسيع الاستيطان وتهويد القدس واستمرار الحصار على قطاع غزة، ومحاولات تكريس الأمر الواقع الذي تعمل قوات الاحتلال على لفرضه على أرض فلسطينquot;. والسؤال المنطقي هو: لماذا المفاوضات الآن خضوع ولم تكن كذلك طوال السنوات الماضية؟ هل كانت قواتهم تحاصر تل أبيب وجاءت المفاوضات لترفع هذا الحصار؟ أم أنّ هذه القوات كانت شجاعة فقط في حرب المخيمات في لبنان ضد شعبهاعام 1988؟.
هذه كلام جميل وخطاب رائع مثير للعواطف، ولكن هل تجرؤ هذه الفصائل الإحدى عشر (مرة أخرى يخزي العين) أن تقول: ماذا قدمت لشعبها من إنجازات طوال خمسة وأربعين عاما، خاصة أنّ أقصر عمر لأية واحدة منها لا يقل عن أربعين عاما؟. ولنقلها بصراحة جارحة لمن له ضمير من مسؤوليها. ما عدا تنظيمات : حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، هل هناك أي وجود لباقي هذه الدكاكين داخل المناطق الفلسطينية والشتات غير البيانات الموسمية، وكمثال من منكم يسمع بأي وجود لما يسمى:
فتح الانتفاضة
جبهة التحرير الفلسطينية
جبهة النضال الشعبي
حزب الشعب الفلسطيني
الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري، طبعا يفهم من التسمية أنّ هناك حزب شيوعي فلسطيني غير ثوري.
طلائع حرب التحرير الشعبية، قوات الصاعقة. تصوروا هذا الإسم!!! منذ خمسة وأربعين عاما وهم طلائع، وحتى اليوم لم يعلنوا حرب التحرير الشعبية. لماذا؟ لأنهم تأسسوا في الستينيات من القرن الماضي كبوق للنظام البعثي السوري، في مواجهة quot;جبهة التحرير العربيةquot; بوق النظام البعثي العراقي.
الثاني: موقف حركة حماس
وكذلك فحركة حماس لم تعط أية مبررات مقنعة لرفضها هذه الجولة من المفاوضات، سوى قول اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة (المقالة في عرف سلطة عباس)، quot; إنّ موافقة السلطة الفلسطينية لمفاوضات مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن، ما هي إلا سياسة فاشلة لن يكتب لها النجاح). وبالتالي فهذا حكم مسبق، لأن النجاح أو الفشل سنعرفه بعد انتهاء هذه الجولة. والخطاب العاطفي الغيبي لم يغب عن تنظيرات اسماعيل هنية، فبعد صلاة التراويح ليلة الثاني والعشرين من أغسطس في مسجد الخلفاء الراشدين بمعسكر جباليا، لم ينس ّ أن ينبّه الشعب الفلسطيني بأنّه (يجب أن يثق بنصر الله الذي سيكون حليفا للفلسطينيين)، دون أن يوضح إن كان هذا النصر الإلهي الموعود من خلال هدنة الستين عاما التي تريدها حماس مع دولة إسرائيل، أم من خلال حروب فتح وحماس التي لا تقلّ ضراوة عن حروب الاحتلال. أمّا فزورة رمضان التي أطلقها الشيخ هنية فهي قوله: quot; إنّ الشعب الفلسطيني أصبح أملا تقتدي به الأمة العربية والإسلاميةquot; وأيضا دون أن يوضح أي شعب فلسطيني يقصد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أم الشعب الفلسطيني في رام الله أم الشعب الفلسطيني في دول الشتات والمنافي، وهل هو قدوة في المفاوضات أم في الانقسامات والحروب الفتحاوية الحمساوية الطاحنة؟ أم في هدنة الستين عاما التي تطالب بها حماس مع دولة إسرائيل؟.
الثالث: موقف إخوان الأردن المسلمين،
الذين يجب أن يكون لهم (في كل عرس قرص)، فقد أصدر حمزة منصور أمين عام حزبهم جبهة العمل الإسلامي بيانا قال أنه بإسم أحزاب المعارضة الأردنية، إعتبر فيه المفاوضات المباشرة القادمة (مرحلة جديدة من مراحل تصفية القضية الفلسطينية لصالح العدو الصهيوني مقابل وهم يسمّونه دولة فلسطينية)، وأيضا دون أن يوضح إن كان حزبه وجماعة إخوانه قد حققوا هدفا واحدا للشعب الأردني، سوى بيعهم أوهام البيانات الإنشائية التي لم تترك حدثا في العالم إلا وأصدرت بيانا فيه، وكي أكون دقيقا فلست متأكدا إن أصدروا بيانا حول سيول وفيضانات باكستان أم بعد؟.
بماذا تختلف عن مفاوضات سورية مع إسرائيل؟
الغريب في كل هؤلاء الممانعين المقاومين أنهم لم يتعرضوا بأية إدانة لمفاوضات سورية مع إسرائيل المستمرة منذ سنوات، والمعروف أنّ سورية تريد من هذه المفاوضات استعادة جولانها المحتل، فماذا خسرت من هذه المفاوضات رغم فشلها حتى الآن؟. وكذلك السلطة الفلسطينية لن تخسر خسارة جديدة من مشاركتها في هذه المفاوضات أكثر من الخسائر الحاصلة في الواقع، وعندئذ تثبت للولايات المتحدة الأمريكية راعية المفاوضات واللجنة الرباعية مؤيدة هذه المفاوضات، انها جاءت للمفاوضات بينما التعنت الإسرائيلي هو نفسه، الذي يحول دون قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 كما تطالب غالبية المجتمع الدولي، وبالتالي لا معنى ولا موقع لبيانات الرفض والإدانة سوى تسجيل موقف (نحن موجودين) حتى لو كان هذا الوجود مجرد بيانات وخطابات لم يقدم اصحابها إنجازا ملموسا للشعب الفلسطيني، فهذه البيانات هي كل إنجازاتهم طوال نصف قرن مضى، وسوف يستمرون لأنهم لا يملكون القدرة إلا على صفّ كلماتها وإصدارها.
[email protected]
التعليقات