التفجيران الإرهابيان اللذان حصلا يوم الجمعة الثاني والعشرين من يوليو 2011 قرب مجمع الدوائر الحكومية الرئيسية في العاصمة أوسلو وفي جزيرة أوتاه القريبة من العاصمة، أدّيا حتى لحظة كتابة هذه المقالة إلى ما يزيد عن تسعين قتيلا، أغلبهم في العملية الإرهابة التي تعرض لها تجمع شبابي في الجزيرة ، حيث كان يجري هذا الحشد الشبابي النرويجي غالبيتهم من حزب العمل المشارك في الحكومة، وينتمي له رئيس الوزراء النرويجي ينس ستولتنبرج. كان انفجار أوسلو الإرهابي من القوة بحيث شعرنا ونحن بالصدفة قريبين من المكان أنّه هزّة أرضية، إلى حد أن زجاج غالبية المباني المجاورة على بعد قرابة ثمانمائة متر قد تحطم، وسمع السكان البعيدون عن وسط العاصمة قرابة ثلاثة كيلومترات بالانفجار. وبعده بساعة ونصف هاجم شاب متخفي بملابس الجيش المعسكر الشبابي ليطلق النار عشوائيا ، وغالبية القتلى الذين فاقوا الثمانين شخصا من الشباب والشابات الذين كانوا يشاركون في ذلك المعسكر الصيفي. وقد أعلنت الشرطة النرويجية القبض على ذلك الإرهابي، ليتبين أنّه غالبا يقف وراء تفجير العاصمة أوسلو أيضا، وهو شاب نرويجي..نرويجي أبا عن جد اسمه ( أنّش بيهرنج برايفك) ويبلغ من العمر 32 عاما، وحسب بيانات الشرطة فهو يتبنى فكرا يمينيا متطرفا ، وقد وصفته بعض وسائل الإعلام بأنه نازي الميول. هذا الحدث الدراماتيكي المفجع هو أشد عمل إجرامي تتعرض له النرويج منذ الحرب العالمية الثانية.
الإرهاب لا دين ولا جنسية له
هذا الحادث الإجرامي الإرهابي الذي أشاع الحزن والبكاء في عموم المملكة النرويجية، وقمنا في المنازل والمكاتب والأسواق بتنكيس الأعلام النرويجية تعبيرا عن حزننا ومشاركتنا لذوي الضحايا الأبرياء، يثبت بدون نقاش وجدال أنّ الإرهاب لا دين ولاجنسية ولا ملّة له. أي أنه لا نستطيع القول أو الإدعاء أنّ دينا سماويا معينا (الإسلام أو المسيحية أو اليهودية) هو دون غيره دين إرهابي. إنّ رصد العمليات الإرهابية عبر العالم طوال المائة عام الأخيرة، تثبت أنّ هناك العديد من العمليات الإرهابية الإجرامية ارتكبها إرهابيون ومجرمون ينتمون لكل الديانات.
العمليات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، ارتكبها إرهابيون ينتمون للدين الإسلامي، وغيرها العديد من العمليات الإرهابية التي ارتكبها أفراد ينتمون للدين الإسلامي.
العمليات التي قام بها الجيش الجمهوري الإيرلندي، حسب زعمه لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني، وراح ضحيتها ألاف من الإيرلنديين والبريطانيين، قام بها إرهابيو الجيش الإيرلندي الذين ينتمون للدين المسيحي.
العمليات الإرهابية التي مارستها طوال سنوات منظمة إيتا الساعية لفصل إقليم الباسك عن اسبانيا، مرتكبوها ينمتمون للدين المسيحي، ومن جرائمهم المشهورة اغتيال رئيس الوزراء الأسباني لويس بلامكو عام 1973 .
العملية الإرهابية التي نفّذها في التاسع عشر من أبريل 1995 الجندي الأمريكي تيموثي ماكفاي (33 عاما)، بتفجيره شاحنة مفخخة أمام مبنى الحكومة الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما، راح ضحيتها 168 قتيلا، وتمّ إعدام الإرهابي بحقنه بمادة سامة، وهو ينتمي للدين المسيحي.
عشرات العمليات الإرهابية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين منذ عشرات السنوات، غالبية مرتكبيها من أفراد الجيش ينتمون للدين اليهودي.
حروب عديدة عبر التاريخ قامت بين دول إسلامية، وحروب عديدة بين دول مسيحية، وسقط في بعض الحروب ملايين من البشر.
لذلك فلنتكاتف معا ضد الإرهاب،
الذي تثبت هذه القائمة أنّه لا دين ولا هوية ولا ملّة له. والسؤال المحير هو: أية أفكار غسلت دماغ هذا الشاب النرويجي (أنّش برايفك) الذي يعيش في أرقى دولة حضارية وإنسانية، ليرتكب هذه الأعمال الإرهابية ضد وطنه وأبناء شعبه؟. هل تحرك هذا الإرهابي بدوافع من الدين المسيحي الذي ينتمي إليه؟. لا.. وألف لا.. وكذلك كافة الإرهابيين الذين مارسوا القتل والإرهاب، فدياناتهم ليست مسؤولة عن أعمالهم الإرهابية. فإذا كان هناك عدة أفراد من كل ديانة إرهابيين، فهناك مقابلهم مئات الملايين المسالمين الداعين للمحبة والتعايش والسلام والعدالة لكل الشعوب.
وأنا كمواطن نرويجي من أصول فلسطينية عربية،
أناشد تحديدا إخوتي وأحبتي من العرب والمسلمين، أن نكون قدوة للمواطنة الحضارية في هذا البلد المسالم الذي أعطانا حريتنا وكرامتنا، ونمارس فيه تقاليدنا وعاداتنا وديانتنا بحرية لا نجدها في العديد من الدول العربية والإسلامية. أنا شخصيا إذا عرفت بأية معلومة تتعلق بعمل إرهابي قادم، لن أتردد ولن أخجل من إبلاغ البوليس النرويجي فورا. لقد جئنا لهذه البلاد بمحض اختيارنا، فاستقبلتنا وأكرمتنا، فلنكن مثالا لمن يحترم قوانينها وأمنها. وأنا متأكد من خلال علاقاتي بقيادات العرب والمسلمين في النرويج، أنّهم يشاركونني هذا الرأي. الإرهاب لا دين ولا جنسية له يا أحبتي. ولا يستثني أحدا من نتائجه، فكما تمّ تدمير مبان حكومية نرويجية، وتساقط زجاج عشرات ألأبنية، فكذلك تساقط زجاج مسجد الرابطة الإسلامية في وسط أوسلو، ولم يتمكن المصلون من مواصلة صلاة الجمعة.
وكم كان قويا ومؤثرا أن يعلن رئيس الوزراء النرويجي أنّ هذه الأعمال الإرهابية لن تؤثر على المسيرة الديمقراطية في النرويج. فلنحم جميعا هذه المسيرة خاصة نحن العرب والمسلمين. الرفض والخزي للإرهابيين والعزاء لذوي الضحايا، ولن يدوم إلا السلام والتعايش والمحبة.
[email protected]
التعليقات