مقالتي الأخيرة في خندق إيلاف المنيع بتاريخ العاشر من يوليو الحالي، كانت بعنوان (السفير الأمريكي في حماة: وماذا بعد يا سعادة السفير؟). أوضحت فيها دلالات زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي للمدينة التي ارتكب فيها والد الطاغية بشار مجزرة حماة عام 1981، و أودت بحياة ما لا يقل عن 35 ألفا من السوريين الأبرياء بحجة أنّهم من جماعة الإخوان المسلمين. وكان ملفتا أن يبيت السفير الأمريكي ليلة الخميس السابع من يوليو في المدينة، لينزل لساحات المتظاهرين الثوار يوم الجمعة الثامن من يوليو فيستقبلوه بالورود والهتافات الصارخة ضد طاغية وسفّاح دمشق. إنّ هذه الهتافات وتلك الورود ليست حبا بسعادة السفير روبرت فورد، بقدر ما هي كراهية لطاغية مارس ضد شعبه جرائم ترقى لمستوى إبادة جماعية عشوائية من أجل الاحتفاظ بالكرسي والنهب لثروة الشعب السوري. وضمن العديد من التوضيحات التي تضمنتها المقالة المذكورة خاصة رفض التدخل العسكري الأجنبي من أية جهة أو دولة في تطورات الثورة السورية، كان سؤالي: وماذا بعد يا سعادة السفير؟. اي ما هو موقف دولتك العظمى بعد أن شاهدت شخصيا حجم رفض الشعب السوري لهذا الطاغية ونظامه.

وفورا صدر الجواب من السيدة هيلاري كلينتون
وكان هذا الجواب الأمريكي الرسمي مباشرة بعد تعرض سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في دمشق لهجوم من قبل من أسمتهم الخارجية الأمريكية (رعاع يدعمون النظام السوري). وأعقب ذلك إعلان السيدة هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي (أنّ النظام السوري إما سمح بالهجوم على السفارة أو شجّع عليه).معلنة بوضوح أمريكي للمرة الأولى (من وجهة نظرنا لقد فقد الأسد شرعيته. لقد أخفق في الوفاء بوعوده، لقد سعى لمساعدة إيران وقبل بذلك لقمع شعبه...إن الرئيس الأسد ليس شخصا لا يمكن الاستغناء عنه، ولم نسع من أجل بقائه في السلطة). وقد حذرت كلينتون الطاغية بقولها (إنّه يرتكب خطأ حين يعتقد أنّ الولايات المتحدة تخشى الإطاحة به).

وكذلك الموقف الفرنسي،
وأيضا بعد زيارة السفير الفرنسي لمدينة حماة ومشاهداته الميدانية لحجم رفض الشعب السوري لهذا الطاغية المتوحش، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه يوم الاثنين الماضي (أنّ الرئيس السوري بشار الأسد بلغ نقطة اللاعودة، وما من سبب لأخذه اليوم على محمل الجد)، معبرا عن قناعته بأنّه لن يكون باستطاعته التغيير بعد القمع المريع في عنفه الذي مارسه ضد شعبه). مستغربا سكوت الأمم المتحدة وموقف مجلس الأمن الدولي من هذا القتل للشعب السوري، موضحا أنّ فرنسا تحاول جمع أوسع غالبية داخل مجلس الأمن. وكذلك انتقد رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون العنف الذي يمارسه النظام السوري ضد المحتجين، وقال إن quot;صمتquot; مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا بات quot;لا يحتملquot;، وأن الرئيس السوري بشار الأسد quot;تجاوز كل الحدودquot;.

الموقف الروسي والصيني المرفوض شعبيا
والغريب في هذا السياق هو موقف الدولتين العظميين الصين وروسيا، فلماذا تقف هاتان الدولتان مع طاغية سوريا كما فعلتا مع طاغية ليبيا قبل ذلك، وأخذت روسيا وقتا طويلا لتغيير موقفها منه. لماذا لا تحرص الصين على حقوق الإنسان كدولة عظمى لها مكانتها الدولية؟. نستذكر في هذا السياق أنّ الصين احتجت عام 2010 على منح النرويج جائزة نوبل للسلام للمعارض الصيني (ليو شياو بو) المسجون منذ العام 2009 لمدة إحدى عشر عاما بتهمة (تقويض سلطة الدولة) وهي نفس التهمة تقريبا التي تتهم بها أنظمة القمع العربية معارضيها. وقد رفضت حكومة الصين السماح لزوجة المعارض السجين بالسفر للنرويج لاستلام الجائزة نيابة عنه ووضعتها قيد الإقامة الجبرية، ورغم ذلك تمّت مراسم منحه الجائزة بحضور دولي حافل وبقي مقعده في القاعة خاليا. وكان معارضا جريئا إذ أهدى من سجنه الجائزة لضحايا وأرواح المفقودين في أحداث ميدان (تيانانمين) في الرابع من حزيران عام 1989، التي قتلت فيها قوات الحزب الشيوعي الصيني ألافا من المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والتعددية السياسية، وتحجب الصين الانترنت كل عام في مناسبة هذه الذكرى، وما زال مئات من المتظاهرين في السجون حتى اليوم.

هل تصدر مواقف عربية وإسلامية بعد الموقفين الأمريكي والفرنسي؟
إنّ سكوت الدول العربية وجامعتهم العبرية ضد قمع نظام الطاغية في سوريا أمر مستغرب ومستهجن. ليس لأن السكوت علامة الرضا كما يقول المثل العربي، ولكن هذا السكوت يدلل على أنّه لا توجد أمة عربية واحدة، ولا رسالة خالدة لها. إنّ هذا القمع من النظامين السوري والليبي لو تجرأ نظام أوربي أن يقوم بنسبة واحد بالمائة منه ضد شعبه، لرأينا الفزعة الأوربية ضد هذا النظام، أما الدول العربية فلا لايعني أية دولة عربية سوى بقاء نظامها أيا كانت هويته ومضمون حكمه.
ورغم هذا السكوت العربي والإسلامي، يبقى الموقفان الأمريكي والفرنسي يستحقان التقدير، ودلالتهما السياسية أنّ هذه الدول تقف مع أي نظام طالما نحن الشعوب نصفق لهؤلاء الطغاة (بالروح بالدم نفديك يا...). أو كما وقف أحد المرتزقة في مجلس شعب بشار الأسد ليقول للطاغية (إنّ الوطن العربي قليل عليك، وأنت يجب أن تحكم العالم). فعندما تصفق الشعوب للطغاة وتتظاهر نفاقا ودعما لهم، علينا أن لا نتوقع معارضة لهم من الدول الأخرى. ولكن عندما تخرج هذه الشعوب رافضة أنظمة الطغاة والمفسدين اللصوص مطالبة بسقوطهم ورحيلهم، تتحرك دول العالم لتقف مع الشعوب وليس مع أنظمة السقوط، وهذا ما حصل مع ثورات الشعب التونسي والمصري واليمني والليبي، وها هو يحصل مع ثورة الشعب السوري كما رأينا في الموقفين الأمريكي والفرنسي، وحتما سيلحق بهما مواقف دول أخرى تسقط الشرعية عن هذا النظام القاتل. وقد سئل موفد اللجنة الرباعية للشرق الأوسط توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق يوم الاثنين الماضي (إن كان الأوان قد فات بالنسبة إلى الرئيس السوري)، فأجاب (بصراحة، أعتقد أنّ الجواب هو نعم).
ويبقى الجواب الصريح هو ثورة الشعب السوري المتواصلة المطالبة بسقوط هذا النظام، لأنّ تشبثه بالسلطة والقتل المتواصل للشعب السوري، لا يدلّ إلا على حرصه على مواصلة نظام القمع والسرقة التي نهبت البلاد والعباد في سوريا بكاملها شعبا ووطنا. وإلا اي عاقل يفهم بقاء شخص يتشبث بالرئاسة رغم رفض الشعب له؟ لماذا لا يحصل هذا في الدول الأوربية والأمريكية؟ لماذا يستقيل وزراؤهم ورؤساؤهم لأقل خطأ يرتكبونه أو رفع الحصانة عنهم من البرلمان، بينما رؤساؤنا العرب شعارهم (من المهد إلى اللحد نحكم الشعوب بالقوة والقتل والقمع). ورغم ذلك فثورة الشعوب ونزع الخوف من قمعهم هو من سيوصل هكذا رؤساء إلى اللحد.
[email protected]