... هل لأن قتلى الشعوب على يد طغاتها لا أسف عليهم؟

لا أعتقد حسب إطّلاعي المتواضع أنّ هناك إزدواجية وتناقضا كما هو في الثقافة والتفكير العربيين، خاصة في ممارساتنا وأحكامنا طوال عدة قرون مضت، واستمرار هذا الازدواجية والتناقضية في تفكيرنا وردود أفعالنا المعاصرة أو في سنوات ما أعقبت مرحلة الاستقلال التي يزيد عمرها الآن عن سبعين عاما. هذه الازدواجية وشقيقها التناقض في الأفعال وردود الأفعال، يفقد الشعوب العربية نسبة عالية من المصداقية في العالم، وبالتالي التراجع في التضامن مع قضايانا العادلة.

عربي يقتل عربيا مسألة عادية!!!
لا أريد أن أعود لصفحات التاريخ المخزية في العصرين الأموي والعباسي حيث تأسست حياة الاستبداد والديكتاتورية والتوريث وقتل الأخ لأخية والإبن لأبيه والولد لعمه وإبن عمه من أجل الكرسي والسلطة
والمال والجواري والعبيد. ولكن سأطرح نماذج معاصرة عاشها أغلب القراء وعرفها طلاب المراحل الدراسية العادية. ويكفي أن أذكّر باحتلال العرب لأجزاء واسعة من أسبانيا وفرض اللغة العربية والدين الإسلامي على سكانها المسيحيين بقوة السيف والمدفع وتسميتها (الأندلس) التي ما زال العرب حتى اليوم يتغنون بما اقترفوه من مذابح ومجازر ضد سكانها الأصليين (يا زمان الوصل في الأندلس). وكل ذلك يدّعون أنه باسم الإسلام (الفتوحات الإسلامية)، هذا الإسلام الذي ورد في قرآنه الكريم (لكم دينكم ولي دين) و (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). فلماذا هذا الاحتلال البغيض بإسم الإسلام الذي خيّر الفرد بين الإيمان والكفر؟ وأعطى الإنسان حريته في اختيار دينه، وفي النهاية فالعقاب او الثواب عند الله تعالى وحده. وفي التاريخ المعاصر:

من بكى لحرب حركة أمل وحصارها للمخيمات الفلسطينية؟
هذه الحرب الإجرامية التي شنتها حركة أمل بقيادة نبيه بري ومساندة اللواء السادس الشيعي في الجيش اللبناني من مايو 1895 وحتى يوليو 1988، أي ثلاثة سنوات ارتكبت فيها الحركة من الجرائم ما يعجز الاحتلال الإسرائيلي عن ارتكابها، وكانت حصيلتها في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وحارة حريك حيث يقيم بعض الفلسطينيين ما لا يقل عن ثلاثة ألاف قتيل. وكان الحصار للمخيمات لدرجة التجويع وموتى المرض بسبب منع دخول الأغذية والدواء، إلى حد أن بعض شيوخ لبنان أفتّوا بتحليل أكل لحوم القطط والكلاب للفلسطينيين المحاصرين في المخيمات. وهي في الواقع كانت حربا وحصارا مدعومين من نظام حافظ الأسد بسبب صراعه مع منظمة التحرير الفلسطينية ويا سرعرفات، بعد طرده من دمشق عام 1983 وتأليب عميلي المخابرات السورية أبو موسى وأبو خالد العملة على الانشقاق عن حركة فتح وإعلانهم عما أسمّوه (فتح الانتفاضة) وهي في الواقع الذي عشته شخصيا في دمشق طوال عشرة سنوات (فتح المخابرات السورية). طبعا علينا أن لا ننكر أن حرب أمل طوال سنوات ثلاثة ضد المخيمات الفلسطينية وحصارها المجرم كانت أيضا بمشاركة عملاء المخابرات السورية من الفلسطينيين أنفسهم مثل جماعة أحمد جبريل وجماعة العميلين أبو موسى وأبو خالد العملة، وفي الوقت ذاته مشاركة عناصر من حزب الله الذي ولد من رحم أمه العاقة حركة أمل في فبراير 1985 أي ثلاثة شهور قبل بداية حرب المخيمات وحصارها، وحتى يوليو 1988 لم نسمع من حزب الممانعة والمقاومة إدانة لهذه الحرب الإجرامية أو مطالبة بفك الحصار عن المخيمات. ومن العرب كافة ومن جامعتهم العبرية لم نسمع إدانة أو محاولة لتجريم حركة أمل ومطالبتها بوقف حربها الإجرامية؟. لماذا؟ لأنه عربي يقتل عربيا، وهذا أمر مباح وطبيعي وممارس منذ أقدم التواريخ العربية.

واليوم ألاف قتلى الطاغية الأسد والقذافي لا أسف عليهم
ومنذ شهر مارس الماضي، يرتكب نظام الطاغية الأسد في سورية يوميا قتل عشرات السوريين خاصة يوم كل جمعة في تظاهرات الشعب ضدة مطالبين إياه وعصاباته بالرحيل. ولقد زاد عدد قتلى الشعب السوري عن ألفين وخمسمائة قتيل خلال أقل من ثلاثة شهور، والعرب كل العرب شعوبا وحكومات وجامعة عبرية، ساكتون سكون الطرشان والعميان، وكأنّ هذا القتل الإجرامي ليس ضد شعب عربي إسمه الشعب السوري، ولا قصف بالمدفعية والطائرات لشعب إسمه الشعب الليبي، بل هو في أذهان هؤلاء العربان العاربة والمستعربة مجرد فيلم من أفلام الخيال العلمي. لماذا؟ لأنّه من الطبيعي في الوجدان والثقافة العربية أن يقتل حاكما طاغية مجرما شعبه. إذ لم تصدر أية إدانة من حكومة عربية لجرائم الأسد النعامة هذا، ولم تشهد أية عاصمة عربية مظاهرة تستنكر هذه المجازر. وبالعكس غالبية المثقفين السوريين واتحاد كتابهم في دمشق يباركون مجازر اسدهم، والعرب ساكتون فالأمر لا يعنيهم، والمحزن أن كتّابا واتحادات كتاب عرب، أصدرت بيانات تأييد لهذا الطاغية سواء بيانات صريحة أو عبر إدانة من أصدر تأييدا للشعب السوري من كتابها كما حصل في اتحاد مراد السوداني لبعض كتاب فلسطين، أو الانشقاق الذي حصل في رابطة الكتاب الأردنيين بين مؤيد للشعب السوري وساكت على جرائم النظام ألأسدي.

بينما عشرة قتلى أتراك على يد القوات الإسرائيلية،
فيما عرف بأسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة في مايو 2010، قد ذرف عليهم العرب والأتراك والمسلمون من الدموع ما هي أكثر غزارة من مياه نهري النيل والأمازون. وهدّدت حكومة أردوغان بتجميد علاقاتها مع دولة إسرائيل إن لم تعتذر عن هذا القتل لعشرة مواطنين أتراكا. وحتى اليوم لم تجف دموع العرب والمسلمين، فهم يجمّعون الدموع لما يمكن أن يحدث في إسطول الحرية الثاني المزمع توجهه لقطاع غزة قريبا. لماذا هذا البكاء والعويل على عشرة قتلى والسكوت على ألاف من قتلى الفلسطينيين والسوريين والليبيين؟ لأن قتلى الأتراك العشرة تمّ على أيد أجنبية هي أيدي الإسرائيليين، وهذه جريمة لا يمكن السكوت عليها، أمّا قتلى الفلسطينيين في المخيمات وقتلى السوريين والليبيين في مدنهم، تمّ على يد تنظيمات عربية وأنظمة عربية، وهذا من الأمور الطبيعية التي لا تستحق دموعا ولطما وبكاءا!!!.

وأيضا إزدواجية أردوغان وتركيا
وللأمانة الموضوعية فإن استنكار أردوغان وحكومته لجرائم الطاغية الأسد ضد شعبه، أمر حميد تشكر عليه الحكومة الأردوغانية التركية، ولكن ضمن نفس السياق هل تختلف جرائم الأسد ضد شعبه السوري عن جرائم الحكومات التركية المتعاقبة ضد الأتراك من القومية الكردية التي ترقى فعلا لحد التطهير العرقي والإبادة الجماعية، لدرجة ملاحقتهم في الجبال العراقية بتهمة أنهم إرهابيون، بينما إرهاب الأتراك العثمانيين ضد العرب طوال أربعة قرون أمر حميد لأنّه زورا اسمه (خلافة عثمانية) أشهر باشاوتها أحمد باشا صاحب المجازر المروعة في جبل لبنان، لدرجة أنّ العرب هم من أطلقوا عليه صفة الجزّار فأصبح اسمه في كتب التاريخ العربي حتى اليوم أحمد باشا الجزّار. وأيضا مجازر الأتراك ضد القومية الأرمنية إبّان الحرب العالمية الأولى التي قتلت ما لا يقل عن مليون وربع أرمني، وترفض تركيا حتى أردوغان اليوم الاعتذار عن تلك المجازر، رغم أن المسيحيين الإيطاليين الحاليين اعتذروا عما اقترفه أجدادهم ضد الشعب الليبي إبّان الاحتلال الإيطالي، وقدّموا تعويضات عن ذلك حوالي ثمانية مليارات من الدولارات، وبالطبع استلمها الطاغية المجرم القذافي ليقتل بها الشعب الليبي منذ شهور عبر جرائم ومجازر أكثر بشاعة مما ارتكبه الاحتلال الإيطالي. فبماذ سيعوض الأسدان بشار ومعمر شعبيهما الليبي والسوري؟. تعويض واحد هو ما سيجفف دموع الشعبين ويخفف أحزانهما، وهو القبض على هذين المجرمين ومحاكمتهما وإعدامهما شنقا.

قتل العربي للعربي كما يحدث في غالبية ألأقطار العربية خاصة التي تشهد ثورات شعوبها ضد طغاتها..أو قتل الفلسطيني للفسطيني كما في حروب فتح وحماس..أمور طبيعية لا تستحق البكاء والإدانة عند العرب..وينطبق عليها المثل الشائع (بطيخ ويكسّر بعضو)، أما إذا قتل الإسرائيلي أو الأوربي أو الأمريكي عربيا، فيا الله لا تسعفنا المعاجم العربية بكلمات الاستنكار المطلوبة، ولا توجد أنهار الدموع التي تكفي للبكاء والعويل واللطم. إنّها الازدواجية والتناقضية في العقل العربي التي تفقدنا الكثير من الاحترام والتضامن العالميين!!.
ahmad[email protected]