أتخيل أحيانا أنه لا يستطيع أي محلل سياسي أو طبيب نفسي أو عالم اجتماع أو منجّم أن يفسر شخصية وسلوك هذا الكائن الحي (كي لا أقول الإنسان) الذي اسمه (معمر بن منيار القذافي). كائن حي استولى على السلطة في المملكة الليبية منذ سبتمبر 1969 ، وما زال مصرّا بالقتل والدم والمدرعات على مواصلة هذا الإستيلاء الذي جعل من ليبيا التي هي من أغنى دول العالم بالثرو النفطية من أفقر الدول وأتعسها وأكثرها تخلفا في مختلف ميادين الحياة. لماذا هذا الإصرار على مواصلة هذا القمع والقتل من هكذا كائن، رغم ثورة الشعب الليبي التي سيطرثواره حتى الآن على غالبية الأراض الليبية، واعترفت العديد من الدول في العالم بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي كممثل شرعي للشعب الليبي، ونزعت أية شرعية عن هذا الطاغية ونظامه، وتشارك العديد من دول العالم ومنها دول عربية في المجهود العسكري لدحر بقايا كتائبه ومرتزقته. سأحاول الإجابة على هذا السؤال وتحليل شخصية هذه الطاغية القاتل من خلال معرفتي بأوضاع ليبيا اثناء عملي بجامعة طرابلس التي اسماها الطاغية (جامعة الفاتح) وعلاقاتي بالعديد من المثقفين والوطنيين الليبيين. أرى أنّ اسباب تمسكه بالسلطة بكل وسائل التدمير والتخريب لدرجة تهديده بحرق كل مدينة طرابلس، هي الأسباب التالية:

جنون العظمة بدون مؤهلات لأية عظمة
كان هذا الكائن في عام 1969 عمره سبعة وعشرون عاما، وبرتبة ملازم أول في الجيش الليبي. وكانت كافة أعماله بعد انقلابه العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي للملك إدريس السنوسي، تدلّ على سلوك مجنون بالعظمة أو مريض نفسي من الصعب علاجه، أو فعلا يتعاطى بعض حبوب الهلوسة. وهذه بعض هذه أعماله الجنونية من عام 1969 حتى اليوم.

رتبة عقيد
كان كما ذكرت برتبة ملازم أول، وبدون أية مؤهلات جديدة أو دورات تدريبية أو خبرات اكتسبها سوى سرقة السلطة والاستيلاء على البلاد والعباد في المملكة الليبية، أعطى نفسه أعلى رتبة في الجيش الليبي وهي رتبة عقيد، وظلّ يحتفظ بها وحدة سنوات عديدة، فهل هذا سلوك إنسان سوي؟.

عقدة تعدد الصفات
ما أستطيع تذكره من الصفات التي أعطاها أو أطلقها على شخصيته المريضة المعقدة الصفات التالية: قائد الثورة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عميد الحكام العرب، بصفته أطول الحكام بقاء في السلطة من الرؤساء والملوك، ملك ملوك أفريقيا، أمير المؤمنين، راعي حقوق الإنسان في العالم وأسّس لذلك ما أطلق عليه (جائزة القذافي لحقوق الإنسان). تخيلوا مرتكب مجزرة سجن أبو سليم ما لا يقل عن 1200 قتيل، وخطف منصور الكخيا وقتله، ودعوة الإمام موسى الصدر ورفيقيه لطرابلس وقتلهم، هذا المجرم له جائزة بإسمه لحقوق الإنسان. ودخل عالم الأدب والإبداع، وعقد ندوات ومؤتمرات عن إبداعه لم يحظ بها كبار الكتاب العرب والعالميين، وشارك فيها عشرات من الكتاب والنقاد العرب مقابل أجر مدفوع، قائلين مديحا سيظل وصمة عار في تاريخهم النفاقي.
هذا بالإضافة للمشاكل المتواصلة التي كان يفتعلها مع الحكام العرب في أي مؤتمر للقمة العربية، وأحاديثه السخيفة الخالية من أي مضمون ولا تخلو من الشتائم والسخافات. ومن مشاكل عقده النفسية افتعاله الحرب مع الجارة تشاد في ثمانينات القرن الماضي، بحجة أنّ إقليم أوزو تابع لجماهيريته العظمى في القتل والقمع والاستبداد فقط. وقد كلّفت تلك الحرب الجيش الليبي مئات القتلى، والخزينة الليبية ما لا يقل عن ثلاثين مليارا من الدولارات. وأجبّر الطاغية آنذاك المنظمات الفلسطينية على إرسال مقاتلين من صفوفها للقتال بجانب جيشه، فاستجابت لطلبه بعض المنظمات كي لا يقطع راتبها الشهري.
وبعد هزيمته انسحب خائبا من إقليم أوزو التشادي، وتؤكد كافة المصادر الليبية انها حرب لم يستشر فيها الطاغية أحد، فهو من اتخذ قرارها وحده ثم قرار الانسحاب بعد هزيمته المنكرة. وللكاتب الليبي سليم نصر الرافعي رأيا يستحق الدراسة والتحليل، فهو يرى: (أن البعض يقول أن القذافي أراد أصلا ومتعمدا أن يحطم الجيش الليبي ماديا ومعنويا ، من خلال إغراقه في المستنقع التشادي بعد أن شعر بالخطر من نمو المؤسسة العسكرية يومها بشكل غير طبيعي، وإكتساب بعض الضباط الليبيين لمكانة خاصة في المجتمع والدولة والأوساط الشعبية، فأراد أن يتخلص من هذا الجيش الذي عمل هو نفسه على تضخيم حجمه ودوره في ليبيا). وهذا التحليل ليس بعيدا عن الواقعية، فقد تخلص الطاغية لاحقا من العديد من زملائه ومنهم عبد السلام جلود الذي لم نسمع عنه أي خبر منذ سنوات عديدة. وقد غذّى عقدة أو مرض جنون العظمة عند هذا الملازم الرئيس جمال عبد الناصر عندما زار طرابلس عقب نجاح انقلابه، وصرف له مجانا لقب (أمين القومية العربية)، ولم تشهد الدول العربية من الخلافات والحروب الداخلية بقدر ما شهدت في زمن عبد الناصر وما زالت في زمن الطاغية صاحب الأيام المعدودة.

تبديد الثروة الليبية على مشروعات وهمية وعقده النفسية
إنّ اية دراسة موضوعية مهنية بالأرقام سوف تثبت أنّ نسبة عالية من ثروة الشعب الليبي النفطية، اضاعها هذا الطاغية على مشروعات وهمية مثل النهر الصناعي العظيم، والمؤتمرات والندوات التي كان يعقدها لدراسة أفكاره الثورية خاصة ما ورد منها في الكتاب الذي أطلق عليه (الكتاب الأخضر) ثم دخل عالم القصة القصيرة، ولولا ثورة الشعب الليبي الأخيرة، من المؤكد لسمعنا عن نتاجاته الروائية وربما ترجماته لروائع من الأدب العالمي، وكلها مكتوبة له ومدفوعة الثمن من ميزانية وثروة الشعب الليبي.

كافة أفراد عائلته شركاء في هذا الفساد،
لذلك هو وأفراد العائلة يعرفون أنّ هزيمتهم في هذه الثورة الليبية تعني جلبهم للمحاكم الليبية والدولية، وهذا ما يجعلهم مصرّين على الاستمرار في القمع واستعمال المرتزقة، بعد أن انفضت عنه وعن نظامه غالبية القيادات الرئيسية التي كانت بجواره. وفعلا لم يبق حوله إلا أفراد عائلته وبعض المنتفعين على حساب الدم الليبي والمرتزقة من جنسيات عدّة، ورغم ذلك وبعد نزع الشرعية الليبية والدولية عنه وعن نظامه، كافة المؤشرات توحي أنّ ايام هذا الطاغية معدودة، وسيكون مصيره وأفراد عائلته إما الموت أو الجلب للمحاكم.

هذا الطاغية كان وما يزال هو عدو الشعب الليبي، والشعب الليبي هو أول أعدائله، لذلك ولأنه يعرف حجم الجرائم التي ارتكبها بحق هذا الشعب، فإصراره على البقاء في السلطة وهو مختف كالفئران، ينطبق عليه المثل (عليّ وعلى أعدائي)، وسيكون النصر من حظ أعدائه الذين هم أولا الشعب الليبي.
[email protected]