منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 وحتى الآن، لم يستطع الفرقاء الليبيون الانضواء تحت حكومة جامعة، رغم عديد التفاهمات والاتفاقيات التي وُقعت في هذا الإطار.
إنَّ الوصفات السياسية الخاطئة لا تنفك تُصرف في كل مرة للحالة الليبية المضطربة، فالمناطقية والقبلية، وما سُمي بالمجالس الإثنية الليبية، هي وصفات قاتلة لا تتناسب والمفهوم الوطني للدولة الحديثة.
ليبيا اليوم مهددة بالتقسيم تحت عناوين سياسية مختلفة، في ظل غياب وعي سياسي قوي ومقومات بناء وطني مؤسسي.
لقد أتى انقلاب القذافي عام 1969 على ما تبقى من قوى سياسية وحياة نيابية ناشئة، كانت قد عرفتها ليبيا في عهد ملكيتها الدستورية، وهو ما ساهم بدوره في خلق أمية سياسية عاشتها الحالة الليبية طيلة أربعة عقود.
لم يعمل نظام معمر القذافي على التوعية السياسية، ولم يقدم تعليماً نوعياً، ولم يشجع حركة الثقافة والفنون والمسرح.
إقرأ أيضاً: الشرع والعدالة الانتقالية
بمساحة بلاد تبلغ تقريباً 1,800,000 كيلومتر مربع، تعد ليبيا رابع أكبر بلدان أفريقيا مساحة، كما أنها تمتلك أطول ساحل على البحر الأبيض المتوسط بين كل الدول العربية المطلة عليه، حيث يمتد لأكثر من 1,900 كم.
بهذه المزايا والموقع الإستراتيجي، وفي ظل امتلاك ثروة نفطية كبيرة وفترة حكم طويلة، كانت لدى القذافي فرصة تاريخية لا تُقدر بثمن، من شأنها أن تضعه في مصاف الزعماء العظماء الذين كانوا علامات فارقة في تاريخ أوطانهم.
إلا أن العقلية العسكرية المنغلقة التي طغت على غالبية أنظمة الحكم في العالم العربي خلال القرن الماضي، وتركيبة الزعيم الشخصية والفكرية الغريبة، كانت بلا أدنى شك تحول دون هذا التغيير التاريخي الكبير.
إن الاضطراب السياسي الليبي الحالي، في جزء كبير منه، ما هو إلا التركة الثقيلة للنظام السياسي القذافي القديم.
كانت اللجان الثورية والمؤتمرات الشعبية تنظيمات حافظت على البنية القبلية القديمة دون تطوير أو تحديث، لتتحول لاحقاً إلى أداة طيّعة بيد النظام، تهتف باسمه وتعمل على بقاء مصالحه.
هذه البُنى القبلية والجهوية استلهمت بدورها الفردية والسلطوية، وأحياناً الدكتاتورية، وهو ما تشهده الحالة السياسية الليبية المتأزمة.
إقرأ أيضاً: مجلس التعاون والحلقة المفقودة
في ليبيا اليوم رؤى متباينة، وحكومات متنازعة، ومقدرات مهدرة، وأيضاً وجود خارجي يترقب ويتدخل ويرتب.
غني عن القول إن إلقاء اللوم وحده على الجهات الخارجية أو التركة القذافية الثقيلة أو حتى التنظيمات الإرهابية لا يعفي الفرقاء الليبيين من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم.
إنَّ التاريخ يعلمنا أن العمل بالروح الوطنية، واستلهام التجارب الناجحة للدول التي خرجت من ظلمات الحروب الأهلية في طول العالم وعرضه، خير ضمانة للخروج من هذا النفق السياسي المظلم.
التعليقات