تضمن الخطاب الأخير للأسد الإبن بشار الوارث بتزوير لا مثيل له في التاريخ العربي، مضمونا واحدا عن الحرب عبر جملة مبهمة، قال فيها: ( فالقضية ليست الدولة بل الوطن.. المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى لمعارك.. والشعب السوري شعب مسالم وودود ولكننا لم نتردد يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا.. وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلا وسهلا بها ). قرأت هذه الجملة عدة مرات، مفكّرا ومتأملا في مضمونها وطريقة صياغتها، خاصة قوله ( إذا فرضت علينا المعركة )، ولطبيعة ظروف الصراع في المنطقة، وكون الجولان السوري محتلا منذ العام 1967، فلا أعتقد أنّ قارئا يمكنه أن يعتقد غير أنّ إبن الأسد يقصد المعركة التي ستفرض على نظامه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
قراءة متأنية تكشف المقصود
فكّرت في طبيعة العلاقة بين نظام الأسدين الأب والإبن ودولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1973 وحتى اليوم، أي طوال 27 عاما من حكم وتسلط الأب و 11 عاما من حكم وديكتاتورية الإبن، فإذا الوقائع التي يعرفها العرب جميعا والسوريون والمنظمات الفلسطينية في سوريا خصوصا، تقول وتقدّم الحقائق التالية التي لا يستطيع ألاف من مطبلي ومصفقي ومرتزقة النظام إنكارها وهي:
أولا: إنّ نظام المستبدين الأب والإبن حافظا طوال 38 عاما على أمن وهدوء حدودهما مع دولة إسرائيل، إلى حدّ أنّ صحيفة عبرية أطلقت على حافظ الأسد في تسعينات القرن الماضي إسم ( حافظ أمن إسرائيل ). ومن المعروف والموثق أنّ الأسد الأب، أعلن عام 1967 سقوط هضبة الجولان بيد القوات الإسرائيلية قبل سقوطها الفعلي بأربعة وعشرين ساعة، وكان ذلك مقصودا كي تعتقد كل وحدة أو كتيبة سورية صامدة وتقاوم، أنّها الوحيدة الصامدة فتترك سلاحها وتنسحب، وهذا ما كان مفاجأة سارّة للقوات الإسرائيلية التي دخلت هضبة الجولان دون مقاومة تليق ببسالة الجيش السوري.
ثانيا: منذ عام 1967 وحتى عام 1973 وبعد ذلك وحتى اليوم، كانت الجهة المخابراتية الأسدية المسؤولة عن الفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية، تسمّى ( الضابطة الفدائية ) على وزن وسياق (الضابطة الجمركية ) المختصة بملاحقة التهريب والمهربات، وبالتالي ففي عرف النظام الأسدي فالمنظمات الفلسطينية نوع من التهريب والمهربات. وكانت تعليمات الضابطة الفدائية كما عشتها شخصيا بين عامي 1982 و 1991 في زمن مسؤولها العميد ( عبد الرحمن قاسمو ) تنصّ حرفيا ومكتوبا وموزعا على كافة المنظمات الفلسطينية : ( يمنع منعا باتا إطلاق أية رصاصة على إسرائيل من وعبر الحدود السورية، ومن يريد مقاتلة إسرائيل عليه الذهاب إلى جنوب لبنان ونحن نسهّل وصوله مع أسلحته ). وبالفعل كان يتمّ صرف نمر صفراء لسيارات المنظمات الفلسطينية، مما يسمح لها بعبور الحدود السورية نحو لبنان دون التوقف أو التفتيش على النقاط السورية واللبنانية طوال فترة الاحتلال الأسدي للبنان من عام 1976 وحتى تحرير لبنان منها عام 2005. وما زالت حتى اليوم هناك قواعد عسكرية في البقاع اللبناني لعملاء المخابرات الأسدية من جماعة أحمد جبريل الضابط السابق في الجيش الأسدي، وهذه القواعد لم تطلق رصاصة عبر الحدود مع إسرائيل، ووجودها مجرد فزّاعة مخابراتية أسدية في وجه الحكومات اللبنانية بعد انسحاب جيشه عام 2005، بدليل السؤال الدائم: لماذا التجرؤ فقط على لبنان والاحتفاظ بقواعد عسكرية على أرضه، في حين لا وجود لقواعد عسكرية لهذه الجماعة حتى داخل سورية؟.
ثالثا: قامت الطائرات الإسرائيلية منذ عام 1973 بالعديد من الاختراقات وعمليات التحليق فوق القصر الرئاسي، والقصف داخل الأراضي السورية خاصة موقع الكبرالعسكري بدير الزور في سبتمبر 2007 دون أي رد من قوات الأسد الأب والإبن.
رابعا: لم تتوقف مفاوضات الأسدين الأب والإبن المباشرة وغير المباشرة مع دولة إسرائيل، في تركيا وغيرها من العواصم ورغم ذلك فهو نظام الممانعة.
خامسا: الأسد الإبن لا يقصد مطلقا الحرب مع تركيا المحتلة لإقليم الإسكندرونة منذ عام 1936، لأنّ الأسد الأب قام بترسيم الحدود الحالية مع تركيا في اتفاقية أضنة عام 1998 معترفا صراحة ورسميا بأنّ إقليم الإسكندرونة السوري المحتل أراض تركية، ومن ذلك العام لم تعد الخريطة الرسمية لسورية تتضمن لواء الإسكندرونة المحتل، وتمّ حذف أية معلومة عنه من المناهج التعليمية السورية في كافة المراحل الدراسية.
إذن فهو يقصد الحرب ضد الشعب السوري
لذلك فإنّ الأسد الإبن الوارث لا يقصد بقوله ( إذا فرضت علينا المعركة )، المعركة مع دولتي الاحتلال التركي والإسرائيلي، إذن المعركة التي يعنيها مع من؟. العودة لقراءة جملته هذه، تؤكد أنّه يقصد (المعركة مع الشعب السوري )، بدليل قوله أولا ( الشعب السوري شعب مسالم وودود )، ثم قال ( وإذا فرضت علينا المعركة فأهلا وسهلا بها ). إنّ هذا تهديد واضح وصريح ومباشر للشعب السوري، بمعنى أنّه طالما هذا الشعب مسالم ودود ساكت على فساد وقمع وديكتاتورية الأسد وعائلته والمرتزقة من حوله، فهو مسالم ودود مع الشعب، ولكن إذا بدأ الشعب ثورته ومعركته ضد هذا الطاغية، فعندئذ لا مفر أمامه كبقية الطغاة أن يخوض المعركة ضد الشعب السوري، كما يخوضها منذ أسابيع عميد الطغاة العرب ضد الشعب اللليبي بكل أنواع الأسلحة المتاحة له، وعندئذ سيكون الأسد الإبن أكثر إجراما من المجرم القذافي، نظرا إلى أنّ إمكانياته العسكرية والتسليحية أكبر من إمكانيات طاغية ليبيا.
مجلس لا يمثّل الشعب
وما سيشجعه على هذه الحرب المتوقعة (مجلس الشعب ) الذي لا يمثّل الشعب، و كان تصفيقهم وهتافاتهم له قبل وأثناء خطابه الفارغ من أي مضمون يلبي رغبات الشعب، وصمة عار ستلاحقهم طول العمر. هل يعقل أن يهتف من يسمّون أنفسهم نواب الشعب بحياة الطاغية ( بالروح بالدم نفديك يا بشار )، وقواته تسيّل دماء الشعب السوري في العديد من المدن السورية؟. هل يعقل أن يقف واحد من هؤلاء المحسوبين على الشعب، ليهتف بأنّ ( بشار رئيس يساوي العالم كله ).
إنها حرب علنية بين هذا الطاغية ومرتزقته والشعب السوري، الذي يعاني منذ 41 عاما، طغيانا وفسادا وسجونا ومعتقلات من النادر وجود مثلها، ورغم ذلك فثورة الشعب السوري بدأت لتثبت ( أنّ أعمار الطغاة قصار يا بشار، يا من سيفرح الشعب السوري و العالم بأسره بنهايتك، والوحيدة التي ستغضب وتفتح لك بيوت العزاء هي دولة إسرائيل ).
[email protected]
التعليقات