يبدو أنّ عنوان المقال سيكون استفزازيا لبعض القراء، خاصة ذوي الاتجاهات والميول الإسلامية التي يسيطر على عقليتهم أنهم حماة الدين والأخلاق الرفيعة في مواجهة المنحرفين والخارجين عن مبادىء الإسلام، وبالتالي يحلّون ( التكفير محل التفكير)، لأنهم يحملون توكيلا إلهيا يمنحون من خلاله مفاتيح الجنة لمن يريدون، ويحرمون منها من يريدون. ورغم هذا التخويف وما يصاحبه من تخوين لا بد من تملك الجرأة لقول كلمة الحق لأن ( الساكت عن الحق شيطان أخرس )، والحق الذي أدّعيه هنا هو رصدي القادم لممارسات حماس في قطاع غزة منذ انقلابها العسكري في يونيو 2007 وقبل ذلك أيضا. وليت القراء العاقلون وهم الأكثرية أن يدرسوا هذه الوقائع والممارسات الموثقة، وعاشها ويعيشها سكان القطاع، ثم يحكموا إلى أين تريد حماس أن توصل القطاع، وما هو نوع الحكم الذي تريد أن تصنعه؟ وهل يختلف في الطبيعة والنتيجة عن ممارسات طالبان ونظامها في أفغانستان لمدة قرابة خمسة سنوات قبل إسقاطها من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2001 .
خلفية حماس الفكرية
أصبح من المعروف والبديهي أن حركة حماس التي نشأت في القطاع عام 1987 متأخرة 22 عاما عن إنطلاقة حركة فتح وما تلاها من فصائل وتنظيمات فلسطينية من الصعب معرفة عددها بدقة، وتوزع حجمها من السوبرماركت إلى الدكانة إلى الكشك الصغير، ذات خلفية هي نتاج جماعة الإخوان المسلمين في القطاع التي كانت امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية بحكم ارتباط القطاع وإدارته من قبل جمهورية مصر العربية منذ عام 1948 وحتى هزيمة يونيو 1967 . وكذلك تقاطع هذا الإمتداد مع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية بحكم أنها كانت مشهرة كجمعية خيرية معترف بها من النظام الملكي الأردني، ووجود العديد من قيادات الجماعتين الفلسطينية والأردنية في دول الخليج العربي معا، مما جعل الترابط مع الجماعة الأردنية أعمق منه مع الجماعة المصرية، وهذا سبب أنّ حماس من موضوعات الخلاف داخل قيادة الجماعة منذ سنوات إذ يرى البعض ضرورة فك الإرتباط معها على اعتبار أنها تنظيم فلسطيني، وما حدث من تداخل بسبب ما يطلق عليه quot;أفراد الجماعة في الخارجquot; وغالبيتهم من الأصول الفلسطينية ذوي العلاقة مع حماس. وهذا التداخل كان وراء طرد قيادة الحركة من الأردن عام 1999 إذ لا يجوز أن يكون المواطن أردنيا يحمل الجنسية الأردنية، وفي الوقت ذاته عضو أو قيادي في تنظيم ليس أردنيا، وهذا مبدأ دستوري معمول به في أعرق الديمقراطيات في العالم.
ومن المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، بدأت نشاطها عبر جمعيات خيرية مركّزة حسب قولهم على: العمل من أجل نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات، والتصدي للإرساليات التبشيرية المسيحية. هذا بينما تأسس الفرع الأردني عام 1945 وحظي برعاية القصر الملكي كونه جمعية خيرية رسمية نادرا ما كان يتدخل في الشأن السياسي حتى عام 1990 عندما أطلق الملك حسين الحريات السياسية وما تلاها من تعددية حزبية، نتج عنها إشهار حزبهم ( جبهة العمل الإسلامي )، واستمرار تداخل الحزب مع بنية حماس التنظيمية. هذه الولادة من رحم الإخوان المسلمين، أدّى لإعتبار حماس التجربة الميدانية الحياتية لهذه الجماعة عند إستلامها السلطة في الأردن أو مصر أو أية دولة أخرى. وهذا ما يفسر دعم جماعتي الإخوان الأردنية والمصرية لحماس ورفض الجماعة الأردنية فكّ الإرتباط مع حماس، على إعتبار أنها إمتداد طبيعي لهم، ولا يستطيع الوالد أو الأم التبرؤ من إبنه أو إبنته إلا إذا كانا عاقين، وهذه الجماعة لا تعرف العقوق إلا مع الأنظمة الحاكمة تمهيدا لوصولها وإستلامها السلطة حتى لو عبر انقلاب عسكري كما فعلت وليدتهم حماس. إذا كانت الممارسات الطالبانية لحماس قد أخذت الطابع العلني المدعوم بقوانين رسمية من حكومتها، فإن هذا السلوك بدأت ممارسته قبل إنقلابها الذي حدث في يونيو 2007 ، ومن خلال أعمال ترقى لحد الوحشية، وأبرزها قبل الإنقلاب،
إغتيال الفتاة يسرى العزامي على شاطىء غزة
تمت هذه الجريمة البشعة في الثامن من أبريل عام 2005 ، عندما كانت هذه الفتاة المحجبة تجلس في المقعد الأمامي لسيارة خطيبها، وخلفهما يجلس شقيق العريس وخطيبته التي هي أخت يسرى العزامي، حيث طاردتهم وحدة من أربعة أشخاص من ميليشيات حماس، وأطلقوا الرصاص على رأس يسرى وأردوها قتيلة ومثّلوا بجثتها، ولولا هرب الثلاثة الآخرون للقوا نفس المصير. أنكرت حماس في البداية مسؤوليتها عن الجريمة، ولكن بعد مظاهرات عارمة في بيت لاهيا، وقيام جمعية أهالي يافا التي تمثل الحي الذي تسكنه المغدورة بنشر أسماء المجرمين الأربعة وتحميلها حماس المسؤولية، إعترفت الحركة بأن المجرمين الأربعة من أعضائها، ولكنهم قاموا بالجريمة بشكل فردي. ورفضت الحركة تسليم القتلة لأجهزة الأمن الفلسطينية. وتصاعدت بعد ذلك ممارسات حماس الرسمية تحت يافطة ( حماية الأخلاق العامة) ومنها:
أولا: قرار مجلس العدل الأعلى التابع لحكومة حماس بفرض (الحجاب على المحاميات حتى لو كنّ مسيحيات، من خلال إلزامهن بإرتداء الزي الشرعي المخصص لهنّ أثناء مثولهن أمام المحاكم في غزة)، ومن تفاصيل هذا الإلزام ( ضرورة إرتداء المحاميات كسوة من القماش الأسود المعروف بالروب الخاص بالمحاميات، أو البلطو أو ما يماثله، إضافة إلى غطاء يحجب الشعر كالمنديل أو ما يماثله ).
ثانيا: قام مسلحون ملثمون تابعون لميليشيات حماس يوم الأحد الموافق التاسع عشر من سبتمبر 2010 بحرق أشهر منتجع سياحي في مدينةغزة، وذلك بعد إغلاقه بقرار رسمي من حكومة إسماعيل هنية المقالة، بسبب تدخين بعض الفتيات النرجيلة في المجمّع. ولا تستطيع حماس إنكار مسؤوليتها عن الجريمة، لأن المقتحمين المسلحين كانوا حوالي خمسة وعشرين مسلحا ملثما، ومن يجرؤ على حمل السلاح بهذا العدد في ظل سيطرة حماس وقمعها، إن لم يكن رسميا من ميليشياتها ويتنقل بمعرفة مسؤوليها؟. خاصة أنّ المسلحين قاموا بجريمتهم بهدوء حيث قيّدوا الحراس وكمموا أفواههم وتعصيب أعينهم، ثم إنهالوا عليهم ضربا، وقاموا بجمع النرجيلات وتكسيرها، ثم حرقوا المنتجع وغادروا المكان بهدوء مما يدلل على أنهم كانوا في مهمة رسمية من حكومة حماس، خاصة أن الحرق والتكسير والتدمير جاء بعد قرار حكومة حماس منع النساء من تدخين النرجيلة.
ثالثا: البدء بممارسات ومراسيم تضييق خانقة على فنادق مدن القطاع، منها عدم السماح بإقامة أية حفلة مهما كان نوعها إلا بعد الحصول على إذن رسمي من أجهزة حكومة حماس، ورغم حصول بعض الفنادق على إذن رسمي لحفلات إجتماعية ، إلا انهم تفاجأوا بمداهمة شرطة حماس للتفتيش خاصة عن النرجيلة، و قد أدّت هذه الممارسات لإغلاق أغلب فنادق القطاع.
هذه الجرائم يضاف لها العديد من الإعتداءات المسلحة على مدارس ومكتبات مسيحية، كان أشهرها فداحة تفجير المكتبة التابعة لجمعية الكتاب المقدس المسيحية في أبريل 2007 ، وقد ألحق الإنفجار دمارا كبيرا بالمكتبة، ثم أعقب ذلك في أكتوبر 2007 خطف رامي عياد المسؤول في المكتبة وإغتياله ورمي جثته في غابة مجاورة، ولم تقم حكومة حماس بفتح تحقيق في الجريمة أو إعتقال المجرمين الذين قاموا بها
خطوات طالبانية لأسلمة المجتمع
وهكذا تستمر حكومة حماس الإنقلابية بخطواتها بسرعة ضوئية نحو أسلمة المجتمع الغزاوي على هوى تفكيرها الطالباني. ليس من المنطق أن يكون شخص ضد الأخلاق العامة، ولكن من يحدد ضوابط هذه الأخلاق، فهل حكومة حماس هي فقط الحريصة على الأخلاق العامة، عندما نجد في غالبية الأقطار الإسلامية مسموح إقامة الحفلات في الفنادق، ومسموح تدخين النرجيلة للنساء والرجال علنا وفي مقاهي على بعد أمتار من الأزهر!. فمن هو الحريص على الإسلام ؟ هل هي ميليشيات حماس فقط؟. ويؤكد العديد من الباحثين والسياسيين الفلسطينيين المقيمين في القطاع، بأن حكومة حماس تسير فعلا حسب خطة مرسومة لأسلمة المجتمع الغزاوي حسب مفاهيمها التي لا تختلف عن ممارسات طالبان الأفغانية. ومن حسن الحظ أنه لا يوجد في القطاع تماثيل تاريخية مثل تماثيل بوذا التي دمّرتها طالبان في أفغانستان، وإلا لدمرتها حركة حماس، ورغم ذلك مارسوا تطلعهم هذا بتخريب تمثال الجندي المجهول الذي يضم رفات الشهداء المصريين الذين استشهدوا دفاعا عن القطاع.
لذلك فالمطلوب هو التدقيق في هذه الممارسات بهدوء وبدون تشنج، للتقرير هل هي خطوات طالبانية أم لا؟. وسكوت الإخوان المسلمين في مصر و الأردن على هذه الممارسات وعدم إدانتها، دليل واضح على رضاهم عن تلك الممارسات، وسيقومون بتطبيقها في بلادهم إن تسلموا السلطة لا قدّر الله وأجهزة الأمن في البلدين.
[email protected]
التعليقات