أطلقت الملكة الأردنية رانيا يوم الأحد الثامن عشر من أبريل 2010 مبادرة جديدة تتعلق بمدينة القدس الشرقية التي يصرّ الفلسطينيون على أن تكون عاصمة دولتهم الموعودة، و أعطت هذه المبادرة اسم quot; فلسطين مدرستي quot;، ومن أهم ما تتضمنه المبادره وتسعى لدعمه quot; إعادة تأهيل وتطوير وصيانة المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية، وذلك انطلاقا من قولها وتأكيدها أنّ (هناك عشرة ألاف طفل مقدسي لم يذهبوا للمدرسة اليوم ولن يذهبوا هذا العام، تخيلي مستقبل إبنك أو إبنتك رهن الاحتلال، وتعليمه رهن الاحتلال، وبيته رهن الاحتلال، وأرضه رهن الاحتلال quot;. ومن هذا التعريف بأهم أهداف المبادرة، تنطلق ضرورتها التي يمكن التركيز على أهمها فيما يلي:
أولا: هذا التوصيف المعلوماتي الرهيب الذي أوردته الملكة رانيا، من يصدقه في ظل الاحتلال الذي يدّعي المحافظة على القيم الإنسانية، وحرمان ألاف الطلاب من المدارس لا تمارسه سوى أنظمة مغرقة في العنصرية، تهدف إلى تجهيل الشعوب المحتلة، لأنها تعرف أن التعليم والثقافة لا يقودان إلا لمقاومة الاحتلال والسعي للحرية والدولة المستقلة، خاصة إذا عرفنا حجم التسهيلات والإمكانيات المتوفرة للطفل والطالب الإسرائيلي في القدس الغربية.
ثانيا: هناك دراسات تشير إلى أنه يوجد في مدينة القدس الشرقية ما لا يقل عن مائتي مدرسة بحاجة إلى إصلاح وترميم وإعادة تأهيل لتكون صالحة إنسانيا لاستقبال الطلاب والطالبات، خاصة في ظل العراقيل والصعوبات والحواجز التي يقيمها الاحتلال في القدس الشرقية، بما فيها منع ترميم وإصلاح المدارس والمباني التاريخية، لجعل حياة سكانها صعبة ومستحيلة مما يضطرهم لمغادرتها أو الهجرة نهائيا، كخطوات تسهم في تهويد المدينة الذي تقوم به سلطات الاحتلال علنا في كافة المجالات الحياتية للمدينة، التي ترفض الاعتراف بها عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، وتعتبرها غير قابلة للتقسيم كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل. في حين أن غالبية دول العالم لا تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤجل منذ سنوات نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، على أساس عرف دبلوماسي وهو أنّ السفارات تكون في العواصم ونقل السفارة الأمريكية للقدس يعني الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
ثالثا: البعد الإنساني الذي يتمثل في الاستثمار في أجيال هي التي يعتمد عليها أن تقود المستقبل، وهذا الاستثمار ضرورته تنبع من وضع مأساوي حقيقي في القدس الشرقية، أشارت إليه الملكة رانيا بقولها: quot; خمسين في المائة فقط من أطفال القدس مقدر لهم أن يكملوا تعليمهم، ومن استجاب الله لدعواتهم وصلوات والديهم وحظوا بمقعد دراسي، يدرسون في مدارس ضيقة مخنوقة في صفوف شحيحة بامكانياتها...وهذه المدارس هي أفضل ما هو متوفر حاليا للأطفال العرب المقدسيين quot;. وقول الملكة هذا، أكدّه رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في احتفال اطلاق المبادرة قائلا: quot; إن العمل بهذه المبادرة في فلسطين والقدس بالذات له الكثير من المعاني...إنّ التعليم هذا القطاع الحيوي الهام أصابه وهن وضعف ووضع مأساوي جراء الاجراءات الاحتلالية والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يكاد يقضي وبشكل تام على طريق التوصل إلى حل عادل ودائم quot;.
رابعا: الرسالة السياسية في مبادرة الملكة لتؤكد أنه بالاضافة لمسؤولية الأردن، فquot; إن مسؤولية القدس هي أيضا مسؤولية فلسطينية وعربية وإسلامية quot;، وأهمية هذا التركيز تنبع من حقيقة أنّ غالبية الوعود بدعم صمود أهل القدس هي مجرد قرارات على ورق لم تعرف الطريق إلى أوضاع المقدسيين المأساوي. و قد كان وسيظل حقيقة مؤلمة قول الملكة رانيا: quot; القدس اليوم كما بالأمس تتصدر عناوين الأخبار وجداول أعمال القمم، فالوضع بالنسبة للمقدسيين يزداد سوءا ظاهره وباطنه ما تحمله الأخبار عن الاستيطان، وتضييق الخناق والترحيل والحرمان من الحقوق الأساسية، إلى ما تؤكده الاحصائيات من تراجع نسبة الانفاق على التعليم وتضاؤل المعونات الخارجية وزيادة نسبة البطالة. القدس تتهود أكثر فأكثر كل يوم، وعلينا أن ندعم فلسطينيتها بدءا من اليوم....الحلول والمفاوضات تأخذ وقتا لا يمكن لأطفال القدس انتظارها quot;.
خامسا: نتيجة هذه الأوضاع المأساوية التي يواجهها جيل الأطفال والشباب في أهم عامل من عوامل نجاحهم وحياتهم، ستركز المبادرة حسب توصيف الملكة على: quot; سنصلح البنية التحتية للمدارس العربية في القدس الشرقية، ونحاول ضم مباني متوفرة للمدارس الموجودة ونوسعها، ونمكن الطاقم التعليمي فيها بمتطلبات العليم الضرورية، ونرفع من مستوى خريجي المدارس لتبقى هويتهم صامدة ليقفوا صامدين في بكرامة في وجه الاستيطان quot;.
لماذا الأردن؟
من عوامل أهمية هذه المبادرة أنها انطلقت من المملكة الأردنية التي لها دور تاريخي في حماية القدس وأماكنها المقدسة عند العرب والمسلمين، كما أن المملكة الأردنية ndash; رغم وجود الاحتلال - هي صاحبة الصلاحيات الخاصة بالأوقاف والمقدسات الإسلامية في القدس، لذلك ستركز المبادرة في خطواتها الأولى على المدارس التي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية وهي حوالي ثمانية وثلاثين مدرسة في مدينة القدس وحدها، كما أوضحت وزيرة التربية والتعليم الفلسطينية السيدة لميس العلمي. كذلك فإن البدء بتنفيذ المبادرة سيكون كما أوضح وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية السيد عبد السلام العبادي quot; سيتم من خلال إدارة الأوقاف الإسلامية العاملة في القدس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن، التي يقع تحت مسؤولياتها العديد من مدارس التربية والتعليم في القدس الشريف quot;. وهذه المسؤوليات الأردنية يفترض أن لا يتذرع الاحتلال بأية ذرائع لتعطيلها فهي مسؤوليات إنسانية تربوية تحفظها كافة المواثيق الدولية حتى في وجود الاحتلال.
لذلك فإن هذه المبادرة الإنسانية الموجهة لاستثمار مستقبلي في أجيال نراهن عليها في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، تحتاج إلى دعم كل من يهمه الأمر أيا كانت هويته وقوميته وديانته، وكي تصبح المشاركة واسعة ومتاحة لأكبر قطاع من المهتمين، أطلقت الملكة رانيا بعد يومين من مبادرتها هذه ما أطلقت عليه quot; شبكة المرأة العربية لدعم مدرستي فلسطين quot;، وستكون المساهمات لمن يردن بطريقة فردية أو جماعية من خلال نشاطات في دولهن يذهب ريعها لدعم المبادرة الأساسية quot;مدرستي فلسطين quot;. وكلنا أمل وتفاؤل أن تنجز النساء العربيات ما عجز أو تخاذل عنه رجال العرب.
[email protected]
التعليقات