كثرت التكهنات والتوقعات عقب إعلان الرئيس محمود عباس عدم نيته للترشح لرئاسة جديدة في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية القادمة، وأكدّ قبل أيام قليلة أن هذا هو رأيه النهائي ولا عودة عنه، وهذه الانتخابات حسب قراره يجب أن تتم متلازمة مع انتخابات تشريعية في السادس والعشرين من يناير 2010. وإذا تمت هذه الانتخابات في الموعد المحدد وعدم عودة محمود عباس عن قراره، فهذا يعني أن باب الترشح سيكون مفتوحا لأي مواطن فلسطيني يرى أنه قادر على تولي هذه المسؤولية، وبعد ذلك يبقى الحكم لصناديق الانتخابات أي رغبة الشعب في حالة ضمان انتخابات حرة ونزيهة كالتي جرت في يناير من عام 2006، وأوصلت حركة حماس لأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني، وبالتالي تشكيل الحكومة برئاسة اسماعيل هنية التي هي الآن (حكومة مقالة) في عرف السلطة الفلسطينية في رام الله فقط، حيث لا سيطرة أو وجود لها في قطاع غزة الواقعة تحت سيطرة حماس بعد انقلابها العسكري في يونيو 2007، وبالتالي فهي سلطة غير شرعية ايضا في عرف حكومة حماس المقالة.

سيدة فلسطينية رئيسة
طوال تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها في يناير 1965، لم تأخذ المرأة الفلسطينية حضورا ووجودا يليق بمكانتها الاجتماعية والأدبية والثقافية، وهي المرأة التي قدمت شخصيات بارزة ومبهرة في عالم الثقافة والسياسة والأدب، ويكفي أن نتذكر بعض هذه الأسماء أمثال: فدوى طوقان، سلمى الخضراء الجيوسي، حنان عشراوي، سحر خليفة، انتصار الوزير، ليانة بدر، خالدة جرار وغيرهن الكثيرات ممن أثبتن حضورا وتألقا رغم ذكورية المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات العربية.
وفيما يتعلق بشخصية نسائية فلسطينية لها حضورها السياسي والاجتماعي، وأرى أنها تستحق عن جدارة ومؤهلات أن تكون الرئيسة القادمة للسلطة الفلسطينية ولدولة فلسطين في حال قيامها بموافقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ليس من باب الإذعان للشروط الإسرائيلية ولكن لضمان بقائها واستمرارها بعيدا عن التهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف. هذه الشخصية النسائية الرئيسة هي:

السيدة راوية الشوا
في البداية أود التأكيد أنني لا أعرف السيدة راوية شخصيا ولم يحدث أن قابلتها، ولكنني متابع لمسيرتها ومواقفها السياسية خاصة منذ انتخابها عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني لدورتين متتاليتين بما فيها الدورة الحالية للمجلس عن مدينة غزة. راوية هي ابنة شخصية فلسطينية مشهورة في تاريخ قطاع غزة، إذ أن مدينة غزة لا تذكر في أي سياق إلا وتذكر معها عائلة (الشوا) التي اشتهرت من خلال ما يمكن تسميته عميدها الحاج رشاد الشوا (1909 ndash; 1988). هذه الشخصية الرائدة التي تخرج صاحبها من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1934 متخصصا في السياسة والاقتصاد، وشغل منصب قائمقام مدينة حيفا عام 1935، ورئيسا لبلدية غزة من عام 1972 حتى 1975، وكان رحمه الله من الشخصيات التي بذلت كل امكانياتها التعليمية والسياسية والمالية لخدمة البنية التحتية للمواطن الفلسطيني في القطاع، فيكفي أن نذكر من أعماله كما ورد في سيرته الشخصية المنشورة في العديد من المواقع ومنها موقع وزارة الخارجية الفلسطينية:
1. أسس أول نادي رياضي عام 1934 باسم quot;مركز رعاية الشباب quot; (نادي غزة الرياضي حاليا).
2. أسس جريدة quot; الوطن العربيquot; الإسبوعية عام 1950 وترأس تحريرها بمساعدة وديع الترزي وغالب النشاشيبي.
3. أنشأ في السبعينات من القرن الماضي (الهيئة الخيرية العامة) التي أول من بدأت علاقات القطاع بجواره العربي.
4. أنشأ أول دار سينما في مدينة غزة في أربعينات القرن الماضي، وعرفت باسم quot; سينما السامر quot; في الشارع الرئيسي بالمدينة. وأتذكر في ستينات القرن الماضي عندما كنت أدرس مرحلة الثانوية العامة في مدينة خان يونس، وتسمح لنا الظروف الاقتصادية بزيارة مدينة غزة لا بد من المرور لمشاهدة دار السينما ولو من الخارج، ونبقى أسابيع نفتخر أمام زملائنا بأننا مررنا من أمام سينما السامر.
5. ومن انجازاته التي ما زالت معلما ثقافيا وهندسيا في مدينة غزة (مركز رشاد الشوا الثقافي)، وهو أول مركزثقافي في القطاع، قدّم الكثير من الدعم والحضور للحياة الثقافية الفلسطينية، استمر العمل في انشائه طوال عشر سنوات (1977 ndash; 1988)، ويكفي وصف جريدة (القدس) له في أبريل 2008 أنه (حاضنة المبدعين وواحة الحضارة وقبلة المختلفين). وأصبح المقر والملتقى لغالبية النشاطات الثقافية والإبداعية والفنية في القطاع.

راوية وريثة هذا التراث
هذه السيدة وريثة هذا التراث العائلي الفريد والمميز، لم تخلو مسيرتها من التعب المضني كغالبية الفلسطينيين، فقد عملت في الستينيات من القرن الماضي مع زوجها (عون الشوا) رجل الأعمال المعروف ورئيس بلدية غزة بعد عودة السلطة الفلسطينية، عملا معا في منطقة الخفجي السعودية في ميدان التدريس، ومع انطلاق اىنتفاضة الأولى بداية العام 1988، كانت كتاباتها مميزة وشجاعة في التصدي للاحتلال ودعم النضال المشروع للشعب الفلسطيني. و بعد عودة السلطة الفلسطينية للقطاع والضفة في عام 1994، وفي زمن الرئيس ياسر عرفات الذي كان يهابه الجميع، تميزت راوية بشجاعة منقطعة النظير في النقد البناء المتربص بالفساد والفاسدين من رجال السلطة ومؤسسات أمنها القامعة لحريات المواطن بما لا يجعلها تختلف عن مؤسسات الاحتلال، خاصة في عمودها الصحفي quot;بداية الحوارquot; في جريدة القدس. كان الكثيرون آنذاك يستغربون هذه الشجاعة في زمن الرئيس عرفات حيث ما كانت إلا قلة قليلة تجرؤ على نقد سلطته ورجالها والفساد الذي جلبوه معهم ليصبح السمة العامة للحياة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وما زلت أحتفظ في أرشيفي مقابلتها الصحفية المشهورة مع الزميل أمير طاهري في جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 23 أكتوبر 2002، حيث كانت المقابلة أشبه بعملية انتحارية في مواجهة السائد الفلسطيني في زمن الرئيس عرفات، ويكفي التذكير ببعض ما قالته في تلك المقابلة:
1. عند سؤالها عن عدم معرفة سوى القليل عن السياسات الفلسطينية في الداخل، أجابت: quot; السبب الأساسي الذي خلفه الرئيس عرفات بأنه وحده الذي يجسد الإرادة السياسية الفلسطينية. ولسنوات ظلت سياسته تتلخص في: تحدثوا معي ولن تحتاجوا للانتباه لأي شخص آخر. وهو لم يكلف نفسه بالتشاور مع أي أحد مصرا على اتخاذ قراراته بمفرده. إنه أحد السياسيين الذين يستطيعون أن يتحركوا فقط في الظلام وبسريةquot;.

2. وعند سؤالها عن استشارة عرفات للمجلس التشريعي، أجابت: quot; لقد استخدم المجلس بوصفه ختما مطاطيا. فمثلا عندما وقع عرفات اتفاقيات الخليل تلقينا المعلومات من عزمي بشارة، ولم يشعر عرفات أبدا بالحاجة ليأتي الينا ويطلب التأييد لصفقاته السرية فهو لا يحتاج أي استشارة. إنه فلسطين نفسها quot;.

3. وعند سؤالها عن الفساد في أجهزة السلطة وتقييم الاتحاد الأوربي أن السلطة الفلسطينية تعتبر واحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم، أجابت: quot; لقد رأينا أشخاصا قدموا بقميص واحد قبل سنوات قليلة وهم الآن من أصحاب الملايين...لقد صار معدمو الأمس ملاك قصور يتفاخرون اليوم. من يعلم كم عدد حسابات المصارف التي تضخمت وزادت quot;.

رؤية راوية السياسية
هذه السيدة النالئبة الفلسطينية في المجلس التشريعي، تمتلك خبرة سياسية عميقة تعبر عنها برؤية واضحة تعتمد على أساسيات الحقوق الفلسطينية ومنها ضرورة الموافقة الإسرائيلية على حق العودة والقدس كمدينة فلسطينية عاصمة للدولةالمقترحة. وعن السياسة الإسرائيلية ترى: quot; إن خطة إسرائيل ظلت مراوغة على طول الخط. إنها تستند إلى الخداع الدائم فهي تأخذ منا بينما لا تعطينا في المقابل شيئا quot;. وتتكلم عن معاناة الفلسطيني أيا كان وضعه الاجتماعي تحت ظلم وبطش الاحتىلال فتقول: quot; أنا إمرأة عادية وأم وسياسية وشخص طيب، لكن حتى أنا قد أبلغ حد الجنون تحت ضغط الاحتلال. عندما تندلع النيران في منزل قد يتجه البعض للقفز عبر النافذة وقد يدفع البعض غيرهم جانبا كي ينجو بأنفسهم. هل يوافق أي شخص عاقل على هذا؟ بالطبع لا. لكن لا يمكن أن تدفع البشر خارج اطار الحياة الانسانية وتظل تسحب عليهم القواعد الخاصة بأعلى الخلاقيات quot;.
ويطول الحديث عن صفات هذه السيدة الفلسطينية، راوية الشوا، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن مدينة غزة. فلماذا لا تكون رئيسة فلسطين القادمة كي نجرب سيدات فلسطين بعد أن خذلنا رجالها في موقع الرئاسة؟.
[email protected]