لا لمسجد يذكّر بهذا الإرهاب وبصورة سيئة عن المسلمين
و لا لحرق نسخة من القرآن الكريم

يصادف اليوم مرور الذكرى التاسعة للهجمات الإرهابية ضد برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك الأمريكية، تلك الهجمات التي أودت بحياة 2973 شخصا من بينهم عرب ومسلمون، و 24 مفقودا تحت الأنقاض، بالإضافة لألآف من المصابين والجرحى، لتشكل تلك الهجمات الإرهابية أكبر وأجرم عمليات من هذا النوع عرفها العالم. وكانت الكارثة على العالم العربي والدين الإسلامي نابعة من أنّ الأشخاص التسعة عشر الذين نفّذوا تلك الهجمات هم عرب مسلمون، منهم من عاش وتعلّم وتدرّب في الولايات المتحدة الأمريكية، وزاد هذا الإجرام إساءة لسمعة العرب والمسلمين، التبني العلني والاعتراف بالمسؤولية عن ذلك الإرهاب من قبل تنظيم القاعدة الذي يرأسه أسامة بن لادن، وإطلاقه على تلك العمليات إسم (غزوة نيويورك) ضمن سياق تسميات غزوات الرسول، وإصداره العديد من البيانات وأشرطة الفيديو هو ومساعده أيمن الظواهري احتفالا بذلك الإرهاب، وإطلاقهم لقب quot; الأبطالquot; على الإرهابيين التسعة عشر، و quot; أسد غزوة نيويوركquot; على الإرهابي رمزي بن الشيبة، والاحتفال سنويا بهذه الذكرى الكارثة عبر خطب وبيانات وفيديوات متحدّين مشاعر أهل الضحايا، بما فيهم عرب ومسلمون أيضا، ومؤججين الكراهية والنفور من الوجود العربي المسلم في كافة أنحاء أوربا والولايات المتحدة.
ويغذّي ذلك أن هناك العديد من العمليات الإرهابية حصلت بعد هذه الكارثة، وكان أيضا منفذوها من العرب المسلمين، مثل مالك نضال حسن من أصول فلسطينية ويحمل الجنسية الأمريكية، إذ قام في مطلع نوفمبر 2009 بإطلاق الرصاص على زملائه في قاعدة (فورت هود) الأمريكية، وقتل 12 شخصا وجرح حوالي 53 آخرين. ومن بعده عمر فاروق عبد المطلب، المسلم النيجيري الذي حاول في ديسمبر 2009 أن يفجّر طائرة (دلتا إيرلاينز) المتجهة من أمستردام العاصمة الهولندية إلى مدينة ديترويت الأمريكية، وعلى متنها 278 راكبا من بينهم عشرات العرب والمسلمين. وختامها ليس مسكا عندما حاول المسلم الباكستاني فيصل شهرزاد في مايو 2010 تفجير سيارة مفخخة في ساحة (تايمز سكوير) أكثر الميادين ازدحاما، وتمّ اعتقاله أثناء محاولته الهرب مسافرا إلى دبي، ولو نجحت عمليته لنتج عنها قتل المئات من الأبرياء، ولكان من بينهم أيضا العديد من العرب والمسلمين. وكذلك لا يمكن نسيان تصرفات وخطب المدعو أبو حمزة المصري في لندن، حيث لا أعتقد أن هناك مهرجا أو بهلوانا يمكن أن ينفّر المشاهدين من الإسلام مثله....وكنتيجة هل من الصعب أن يسأل الغربيون : لماذا غالبية العمليات الإرهابية في العالم من العرب والمسلمين؟. ولم يعد يفيد للتأثير في الوجدان والعقل الغربي القول بأن تصرفات هؤلاء لا علاقة لها بالإسلام ولا تنسجم مع تعاليم الإسلام، لأنّ هولاء الأوربيين والأمريكيين لا يقرأون كثيرا عن تعاليم الإسلام، ولكن يفهمون تطبيقات هذه التعاليم من تصرفات العرب والمسلمين في بلادهم....فما هي الصورة التي ستعطيها مثل هذه التصرفات ؟.

وما هي ذكريات مسجد في نفس المكان؟
لذلك فإن فكرة إقامة مسجد ومركز إسلامي في منطقة العمليات الإرهابية (جراوند زيرو) فكرة غير موفقة بشكل مطلق لعدة أسباب منها:
الأول: إنّ المسجد في هذا المكان بالذات لن يثير في نفوس غالبية الأمريكان سوى الكراهية والبغض، لأنه لن يذكّرهم إلا بتلك العمليات الإرهابية التي ارتكبها منتمون لديانةهذا المسجد، وراح ضحيتها ألاف من ذويهم وأصدقائهم. وهذا بدوره سوف يعمّق التباعد والفرقة بدلا من الانسجام والتفاهم بين كافة أطياف المجتمع الأمريكي.
الثاني: هل انعدمت الأماكن التي يمكن بناء هذا المسجد فيها، على ضوء (أينما تولّوا وجوهكم فثمّ وجه الله)، خاصة أنّ القائمين عليه يسعّون لجمع مائة مليون دولار لهذا المشروع؟.
الثالث: إنّ مبلغ المائة مليون دولار يمكن استعمالها في مشاريع أكثر فائدة للمسلمين مثل إقامة مدارس أو مستشفيات أو مكتبات عامة، سواء في داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو في دول عربية وإسلامية فقيرة، خاصة أنّ مسلمي الولايات المتحدة لا ينقصهم مساجد للعبادة، فهي أكثر من نسبة المتعبدين منهم، وموجودة في كافة المدن الأمريكية. لذلك فإن الإصرار على إقامة المسجد في هذا المكان لا ينمّ إلا عن تحد جاهل يقصد الاستفزاز والكراهية وليس التعايش والتسامح.

تسامحهم وتعصبنا
وضمن نفس السياق من المهم أن نشير إلى أنّ المواقف الأمريكية الرسمية والشعبية، تشير إلى حجم سقف الحريات الداخلية الذي يؤشر لأسباب قوة الولايات المتحدة، حيث أنّ هناك العديد من الشخصيات المهمة والتجمعات الشعبية التي رفضت بناء المسجد في هذا الموقع، ومن أبرز هذه الشخصيات quot;سارة بلينquot; المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، التي تمنّت أن يأتي العدول عن المشروع من المسلمين أنفسهم، إذ خاطبتهم قائلة: quot; نرجوكم أن تتفهموا مشاعرنا، إنّ بناء مسجد في جراوند زيرو استفزاز غير ضروري، وسيترك حرقة في القلب، نرجوكم أن لا تقدموا على هذه الخطوة لتهدئة النفوسquot;. ولنا أن نتخيل مستوى العقلانية في هذا الطلب، فهي لم تهاجم الإسلام والمسلمين، بل تريد التهدئة كي ينسى الأمريكيون ما حدث في هذا المكان، بدلا من بناء مسجد سيظل يذكرهم جيلا بعد جيل بما قام به إرهابيون من أصول عربية مسلمة.
وضمن مستوى الحريات الراقي هذا، فقد أيّدت شخصيات أمريكية كبيرة بناء هذا المسجد، منها هيئة الآثار في مدينة نيويورك التي وافقت على هدم المبنى القديم المزمع إقامة المسجد مكانه، رغم محاججة البعض أنه مبنى أثري يعود لعام 1850 ولا يجوز هدمه، وكذلك عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبرج الذي دافع بشدّة عن حق المسلمين في بناء المسجد في هذا الموقع الذي اختاروه، وأيضا مجلس بلدية نيويورك الذي وافق بالإجماع على بناء المسجد. هذا ويقوم منذ أسابيع إمام المسجد فيصل عبد الرؤوف بجولة على حساب وزارة الخارجية الأمريكية، رغم أنّ هذا الرجل سبق أن أصدر تصريحات استفزازية تدافع عن إرهابيي الحادي عشر من سبتمبر 2001، عندما قال تبريرا لما حدث : quot; إنّ سياسات الولايات المتحدة، كانت عاملا مساعدا للجريمة التي حدثت quot;. ورغم ذلك ترسله الخارجية الأمريكية على نفقتها في جولة على عدة دول عربية وإسلامية لجمع التبرعات لبناء هذا المسجد الذي سيكون مجمعا ضخما من 15 طابقا على الأقل، وللتحدث عن أوضاع المسلمين في الولايات المتحدة والتسامح الديني السائد فيها.
ومن يتخيل أن هناك عرب ومسلمون يقيمون صلواتهم يوميا في قاعة الصلاة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وضعها الجيش الأمريكي تحت تصرفهم على بعد خطوات من المكان الذي تحطمت فيه طائرة من الطائرات التي تمّ خطفها في عمليات سبتمبر 2001 الإرهابية ؟. وقد علّق أحد المصلين المسلمين بعد انتهاء صلاته في هذه القاعة قائلا: (إنّ ممارسة فروضه الدينية في البنتاغون أمرّ عادي، ويندرج ضمن القيم الأمريكية، إنّ حرية العقيدة هي شعار الولايات المتحدة)، بينما سيدة مسلمة برتبة ضابط في سلاح الجو الأمريكي، تقرّ بانّ لديها مشاعر متضاربة، فمن جهة تؤكد أنّ حرية المعتقد تجسّد جمال أمريكا، ومن جهة اخرى فهي تتساءل: كيف ستنظر أسر الضحايا إلى الأمر الذي قتل فيه ثلاثة ألاف شخص في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ؟.
هذا ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل سبعة ملايين ونصف المليون من المسلمين، مجموع مساجدهم يصل عدة ألاف لا تخلو مدينة أو قرية أمريكية منها. هل كان هؤلاء الملايين من المسلمين سيكتسبون الجنسية الأمريكية لو كان هناك تعصب أعمى كما في بلادنا؟. لماذا يقيم العربي والمسلم في بلاد العرب والمسلمين عشرات السنين دون أن يحصل على الجنسية أو الإقامة الدائمة؟. لماذا ممنوع في أكثر من دولة عربية إقامة ولو كنيسة واحدة لخدمة المؤمنين من المسيحيين الغربيين المقيمين في بلادنا لخدمتنا، حيث أغلبهم دبلوماسيون أو رجال أعمال أو أطباء أو مهندسو نفط هم الذين يكتشفونه ويستخرجونه ويكررونه ويصدّرونه كي ننفق أغلب عائداته على بذخ فاحش لا تنمية لبلادنا من خلاله، بل غنى قلة على حساب فقر ملايين!!!. لماذا يتجول الدعاة والمبشرون بالدين الإسلامي في كافة الدول الأوربية والإسكينديناقية والأمريكية، يدعون ويبشّرون بالدين الإسلامي علنا وبحرية تامة، بينما في بلادنا ممنوع التبشير بالدين المسيحي، ويتم طرد وسجن من يقوم بذلك في كافة الأقطار العربية والإسلامية؟. هل يمكن القول أنّ هذا المستوى من الحريات السياسية والدينية هو الذي يوصل هذه الدول لتقدم وتطور يومي، بينما بلاد العرب والمسلمين تسير يوميا نحو تخلف وتراجع في كافة المستويات ما عدا الفساد والاستبداد والديكتاتورية وتوريث السلطة والحكم؟.

شخصيات عربية إسلامية تطالب بوقف المشروع
هذا وهناك العديد من الشخصيات العربية الإسلامية المشهورة، تطالب بعد الإقدام على إقامة المشروع
تقريبا لنفس الأسباب التي ذكرتها،وانسجاما في المضمون مع رؤية سارة بلين، بالإضافة للعديد من الكتاب العرب والمسلمين الذين لهم نفس الموقف والرؤية، حرصا على نسيان ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وعدم إقامة ما سيظلّ يذكر الشعب الأمريكي بما حدث من إرهاب وجرائم. فهل يستمع القائمون على المشروع لهذه النداءات، ويقيمون مشروعهم الضخم في مكان آخر، يكون مكانا للعبادة والتأمل والتفكير، وليس تذكيرا بجرائم وإرهاب ما حدث، مما سيظل عاملا تحفيزيا للحقد وليس التفاهم والانخراط في المجتمع.

مسلمون رائعون ومتحضرون
كم كانت تلك المجموعة من المسلمين الأمريكيين رائعين ومتحضرين، يعطون نموذجا حضاريا عن الإسلام وسلوك المسلمين، عندما نظّموا بعض الفعاليات يوم الإثنين الموافق السادس من سبتمبر الذي يصادف عيد العمال في الولايات المتحدة، رافعين شعارات تنمّ عن وعي وتحضر ورغبة في التعايش بين كل الأجناس والديانات. تمعّنوا في روعة ومنطقية الشعارات التي رفعوها:
quot; أنا أميركي، أنا مسلم، هذه عقيدتي، وهذا صوتيquot;.
quot; هناك الكثيرون الذين يحاولون التأثير على رأيك في المسلممين، إنهم يقولون لك: يجب أن تخاف مني، وأن ترتاب فيّ وتكرهني. ولكنّ الحقيقة هي أنني لا أريد أن أفرض عقيدتي عليك، ولا أريد أن أسيطر على هذه البلاد، ولا أؤيد أي شكل من أشكال الإرهابquot;.
quot; يدعوني الإسلام إلى احترام جميع الناس، وتحسين المجتمع، والدفاع عن العدالة للجميع. أنا هنا منذ أجيال، وأريد الأشياء نفسها التي تريدونها أنتم، وهي إتاحة الفرصة لي للتمتع بالحياة والحرية والسلام والسعادةquot;.
قارنوا هذه الشعارات الحضارية العقلانية بشعارات ودعوات أخرى، يطلقها شيوخ متطرفون متخلفون مثل المسلم الأسترالي فيض محمد الذي نشر في موقعه على الانترنت تهديدات بقطع رأس النائب الهولندي جيرت فيلدرز بسبب دعوته لوقف هجرة المسلمين إلى هولندا، وفرض حظر على بناء مساجد جديدة. تصوروا لو ناقشنا النائب الهولندي انطلاقا من مفاهيم الشعارات الحضارية التي رفعها مسلمو أمريكا، كم كان المسلمون سيكسبون دعما وتأييدا في هولندا، يشبه الدعم والتأييد الأمريكي لبناء مسجد في منطقة جراوند زيرو.
المطلوب من العرب والمسلمين في كافة أنحاء العالم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية في الذكرى التاسعة لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، وكل ذكرى قادمة، أن يقدموا الصورة الطيبة عن الإسلام والمسلمين، فالصورة الطيبة أو السيئة لا يأخذها الغربيون من الكتب والمجلات، ولكن من تصرفات العرب والمسلمين في بلادهم. فهل نعي هذا؟
والتهديد بحرق نسخة من القرآن الكريم،
من قبل كنيسة (دووف ورلد أوتريش سنتر)، منذ أسابيع وهو يواجه برفض شديد من كافة الأوساط الأمريكية الرسمية، بدءا من البيت الأبيض والأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي قالت خلال مأدبة إفطار أقامتها مساء الثلاثاء الموافق السابع من سبتمبرفي مقرّ وزارة الخارجية الأميركية إنها تندد بعزم إحدى الجماعات الدينية حرق نسخ من القرآن الكريم وأعربت عن ارتياحها للإدانة الواضحة لهذا العمل الذي وصفته بالمشين.
وأضافت كلينتون: quot;أنا أشعر بالارتياح لهذه الإدانة الواضحة التي لا لبس فيها لهذا العمل المشين والوقح، والتي صدرت عن عدد من كبار رجال الدين الأميركيين من كل الأديان وكذلك عن المسؤولين الأميركيين العلمانيين وقادة الرأي، وإلتزامنا بالتسامح الديني يعود إلى بدايات أمتنا وبلادنا.quot;
وأعلنت كلينتون السعي إلى إيجاد أرضية مشتركة بين جميع الناس. وقالت: quot;القصة الحقيقية للإسلام في أميركا يمكن إيجادها في هذه القاعة وفي قاعات مماثلة على امتداد أميركا، لقد اجتمعنا الليلة بروحية التسامح والترحاب وهذه هي السمة المميزة لشهر رمضان المبارك، وسنواصل هذا على مدى السنوات المقبلة للفت انتباه الناس في مختلف أنحاء الأرض إلى ضرورة إيجاد أرضية مشتركة ومفاهيم مشتركة واحترام مشترك.quot;
واعتبر وزير العدل الأميركي إيريك هولدر أن التوجه نحو حرق نسخة من المصحف الذي تعتزم إحدى الجماعات المعمدانية القيام به في الذكرى التاسعة لاعتداءات الـ11 من سبتمبر سيكون عملا أحمقاً وخطيرًا. إنّ هذه الإدانات الأمريكية الشديدة الواضحة تكفي لمواجهة هذا العمل القذر إن حدث، وعندئذ آمل أن تكون ردود فعل المسلمين في كل أنحاء العالم هادئة وحضارية، من خلال سؤال واحد للقس تيري جونز: أيها القسيس، هل ينسجم عملك هذا مع تعاليم السيد المسيح؟ وهل تقبل أن يحرق أحد نسخة من الكتاب المقدس؟. وكم كانت رائعة الرسالة التي وجهها القس والأب السوري إلياس زحلاوي للقس الأمريكي تيري جونز الذي تهدد كنيسته بحرق نسخة من القرآن الكريم. رسالة الأب إلياس زحلاوي مدرسة أخلاقية وحضارية، سأعود إليها في مقالة قادمة ليعرف الجميع أنه ليس كل العرب والمسلمين يشجعون العنف والإرهاب.
[email protected]