استبشر الحراك السياسي الأردني خيرا في الحوار الذي بادرت له الحكومة الأردنية برئاسة سمير الرفاعي رئيس الوزراء، مع الحركة الإسلامية الأردنية (الإخوان المسلمون)، في الأيام القليلة الماضية بخصوص قرارها المبدئي بمقاطعة الانتخابات النيابية في نوفمبر القادم، لإختيار المجلس النيابي السادس عشر في الأردن. وقد جرى لقاء حواري ساده الهدوء الإيجابي في البداية حسب ما أورده موقع الحركة (وتميز اللقاء بالصراحة والوضوح والمسؤولية الوطنية، وانصبّ على موقف الحركة الإسلامية من المقاطعة، وقد أكّدت الحكومة على دور الحركة الإسلامية ومصداقيتها، وتمنّت عليها إعادة النظر في موقفها، كما أكّدت على أهمية الإصلاح ومواصلة الحوار).

ولكن هذا التفاؤل لم يدم طويلا بعد اللقاء الثاني بين الجانبين الحكومي والإسلامي، إذ أعلن حمزة منصور أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي بشكل واضح وصارم (لا عودة عن قرار المقاطعة وسنمضي في عدم المشاركة في الإنتخابات خصوصا أنّ الحوار مع الحكومة كان جيدا، لكن لم يتم إزالة أسباب مقاطعة الحركة الإسلامية). وهذا التصريح بحد ذاته يحمل تناقضا واضحا، يعبر عن التشنج في مواقف الحركة الإسلامية، التي تريد كل شيء في لحظة واحدة و حسب رؤاها هي، متناسية أن غالبية الأحزاب الأردنية المرخصة والفعاليات السياسية والإجتماعية ستشارك في هذه الإنتخابات رغم وجود بعض التحفظات لكل جهة على قانون الإنتخابات، ولكن طبيعة العمل السياسي والإجتماعي تقول:

ما لا يتحقق كله لا ينبغي تركه كله

من باب الإنصاف والحقيقة فإن مشاركة الحركة الإسلامية في الإنتخابات القادمة هو إثراء وتنوع لهذه الإنتخابات والحراك البرلماني القادم، خاصة أنه لا أحد ينكر حجم شعبية الحركة في الشارع الأردني، رغم ضآلة تمثيلها في البرلمانات السابقة، وهذه الشعبية هي التي تجعل قرار المقاطعة خاطىء بشكل أكثر مما لو كانت من حزب هامشي من الأحزاب الأردنية التي لا تحظى بوجود جماهيري واسع، وهذا ما يجعل نسبة من الواصلين لمقاعد مجلس النواب ليس عن طريق أصوات أحزابهم بل أصوات العشيرة والمعارف والمتطلعين لخدمات شخصية من سيادة النائب. وأيضا فإن إعتراف الحركة بأن الحوارمع الحكومة كان جيدا، يعطي مؤشرات بأن هذا (الجيد) كان من السهل أن يزيد وتحقق الحركة من خلال البرلمان الجديد مطالب أخرى مما تريده لقانون الإنتخابات. لذلك فإن قرار المقاطعة لم يستند لأسباب منطقية، لأن الحركة كانت تتعمد طرح مطالب تعجيزية ولم يبق على الانتخابات سوى أسابيع قليلة.

اللجوء للمجلس القادم لتعديل قانون الإنتخابات

ما يجعل قرار الحركة بالمقاطعة أيضا غير منطقي هو تشككها في حجم شعبيتها، وعدد المقاعد التي يمكن أن تفوز بها، لأنها لو كانت واثقة من حجم هذه الشعبية لشاركت في الانتخابات القادمة، وبعد ذلك تواصل العمل من خلال المجلس لتعديل قانون الإنتخابات، خاصة أنّ الحكومة قد أعلنت عن نيتها لعرض قانون الإنتخابات على المجلس القادم بصفة الإستعجال للنظر في تعديله. لذلك فإن عدم لجوء الحركة لهذا الخيار دليل على أنها تعمدت طلب المستحيل في فترة زمنية قياسية، وهذا الطلب المستحيل يدلّ على نية مبيتة لدى الحركة، خلفيتها عدم قدرتها على مواجهة جماهيرها كيف تعلن المقاطعة قبل أسابيع ثم تعلن المشاركة، وهو امتداد لسؤال طرحته سابقا: لماذا المشاركة في الإنتخابات السابقة عام 2007 على قاعدة نفس القانون الذي تبرر المقاطعة الآن بسببه؟.

وهذا ما يؤكده تلميحا وتصريحا عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، عندما يصرّح قائلا: quot; على الحكومة أن تبدي مواقف إيجابية للحركة الإسلامية، حتى تقدمها للمواطنين الذين أخبرتهم بأسباب المقاطعةquot;. وهذا يعني أن الحركة لمست ايجابيات وحسن نية من الحكومة، لكنها تخجل من مصارحة جماهيرها التي كانت قد قالت لها: لا مشاركة في الإنتخابات قبل تعديل قانون الإنتخابات، فماذا تقول لجماهيرها الآن؟. والدليل على ذلك هو تصريح جميل أبو بكر الناطق الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين الذي أضاف طلبا تعجيزيا يؤكد رأينا هذا، عندما قال: quot; قدّمنا وجهة نظرنا ومطالبنا لتعديل قانون الإنتخاب، إضافة إلى طلب تأجيل الإنتخابات حتى يتسنى للجماعة مراجعة مواقفهاquot;. إن طلب التأجيل لهذا السبب المذكور، يؤكد أن قرار المقاطعة أساسا لم يكن مدروسا بشكل جيد من الجماعة، وبالتالي تريد التأجيل لدراسة موقفها، وهل بقاء ما لايقل عن ستة اسابيع للإنتخابات غير كافية لمراجعة الجماعة لمواقفها؟. وأيضا فإن الجماعة بهذا الطلب تضع نفسها فوق كل الأحزاب الأردنية والحكومة، فحسب رغبتها تريد تحديد موعد الإنتخابات خاصة أنه لم يطلب هذا الطلب أي حزب أو جماعة أردنية، وبالتالي فهذه نرجسية مرضية من الجماعة، عندما تضع نفسها فوق الجميع وأنّ لها القرار الذي يجب أن يتم تطبيقه وإلا فالمقاطعة.

ويشير إلى ذلك من زاوية مختلفة تصريح النائب والمراقب العام السابق الشيخ عبد الرحيم العكور، إذ يرى (أنّ الحركة الإسلامية وضعت العقدة في المنشار)، معتبرا قرار المقاطعة (من شأنه أن يعزز عزلة الإسلاميين في الوسط الشعبي والسياسي الأردني)، والشيخ عبد الرحيم العكور من المؤكد أنه ينطلق مما فيه مصلحة الحركة الإسلامية وشعبيتها، خاصة أنه تقلد مناصب عليا في الحركة حيث كان عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، وعضو المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي، ونائب سابق للمراقب العام للجماعة، وتقلد مناصب وزارية مهمة، مما يؤهله للحكم : أين تكمن مصلحة الحركة الإسلامية في الأوساط الشعبية والرسمية؟.

ما الفائدة من موقف المتفرج؟

لذلك فإن استمرار مقاطعة الحركة الإسلامية للإنتخابات القادمة التي ستجري في موعدها سواء شاركت أو قاطعت، لن ينتج عنه سوى عزلة الحركة عن الشارع والحراك السياسي والبرلماني، مما يضعها في موقف المتفرج فقط، وبالتالي ستمتهن مهنتها القديمة الجديدة وهي إصدار البيانات والتعليقات على ما يدور في البرلمان، بدلا من أن تكون جزءا من الحراك ذاته، وحتما ستؤثر في ذلك بنسبة من النسب خاصة إذا حققت عددا عاليا من المقاعد حسب ما تدّعي حول شعبيتها وجماهيريتها. إنّ التصريحات السابقة لمسؤلي الجماعة تزيد موقفهم خجلا من قواعدهم وبالتالي تصبح مقاطعتهم شبه مؤكدة رغم اعترافهم بإيجابيات الحوار مع الحكومة، وبالتالي فالسؤال لمن تهمه مصلحة الجماهير بدون مزايدات: لماذا لا تتم المشاركة للبناء على هذه الإيجابيات وتطويرها وصولا لأكبر نسبة من مطالب الجماعة، خاصة على ضوء مشاركة غالبية الأحزاب الأردنية؟. أيا كانت نسبة المقاطعة فإن المشاركة هي الطريق السليم لتطوير الأداء البرلماني والإنتخابي، لأن السلبيات ليست مسؤولية الحكومة والقانون فقط، بل أيضا الأحزاب التي لم تقدم توعية في أرض الواقع لإخراج الناخب من دائرة العشيرة والقبيلة إلى دائرة المواطن والوطن الأوسع، كما أنّ قانون الصوت الواحد ليس خطأ بالمطلق لو مارست الأحزاب دورها في توعية تجعل المواطن يعطي صوته للمرشح الأفضل وليس لمرشح العشيرة أو لمن يدفع له ويعده بمصالح شخصية.
ahmad.
164@live.com