عالم تحكمه القوة والنفوذ. عالم لا تعرف العديد من أنظمته معنى لحقوق الإنسان، ولكن عندما يحمل هذا الإنسان جنسية دولة عظمى ذات نفوذ وقوة، وعصا غليظة تستطيع الضرب في أي مكان يهدد مصالحها ومواطنيها، عندئذ يخافها الجميع حتى لو كان من ولاة الأمر في نظام ولي الفقيه الإيراني، وأقارب أحمدي نجاد صاحب الخطابات الغوغائية في طهران، ويسعى للقاءات الحاخامات اليهود في واشنطن، مطمئنا أنه ونظامه ليسا على عداوة مع إسرائيل والشعب اليهودي. عظمة الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها نابعة ليس من القوة العسكرية والاقتصادية فقط، ولكن أيضا من المواطنة التي لا تفرق بين أمريكي من أصل ايطالي أو أمريكي من أصل إيراني وفلسطيني. وأيضا من التسامح الديني الذي يتيح لما لا يقل عن سبعة ملايين ونصف المليون مسلم، يحملون الجنسية الأمريكية من ممارسة عقيدتهم الإسلامية بحرية وتنوع لا يوجد في غالبية الأقطار العربية والإسلامية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية حسب القانون هناك الدين الإسلامي، فاعبد ربك سنّيا أم شيعيا أم بهائيا أم أحمديا قاديانيا، فالدين علاقة شخصية بين الفرد وربه، بينما في العديد من الأقطار العربية ممنوع إقامة حسينيات شيعية، وفي إيران ممنوع إقامة الشعائر الدينية على الطريقة السنّية، وممنوع بناء مساجد للسنّة، وممنوع على السنّة تسمية أطفالهم بأسماء لها دلالات عربية أو سنّية. وقد روى لي مواطن عربي أحوازي يقيم في دولة غربية ويحمل جنسيتها، أنّ مواطنة من أصول عربية من إقليم الأحواز العربي تحمل جنسية تلك الدولة، ورزقت بمولود أسمته (عمر)، وعندما نوت زيارة أهلها في إيران ذهبت للسفارة الإيرانية لتسجيل الطفل، والحصول على وثيقة إيرانية له، فرفض موظف السفارة تسجيله بإسم (عمر) ووضع له في الوثيقة اسما إيرانيا رغم أنف الوالدة التي كانت مضطرة لأخذ تلك الوثيقة كي تضمن زيارة أهلها في إيران، وهكذا فالطفل في الجواز الكندي اسمه (عمر) وفي الوثيقة الإيرانية له اسم إيراني لا أعرفه، ولكن ربما يكون (أحمدي) او (نجاد) أو (بخزاد).

و..سارة شورد..تنال الحرية لأنها أمريكية فقط
سارة شورد مواطنة أمريكية من أصل إيراني، كانت قد عبرت الحدود الإيرانية عن طريق الخطأ في الحادي والثلاثين من يوليو 2009 قادمة من كردستان العراق المجاور، مع رفيقيها شاين باور وجوش فتال. وقد أكدّ الثلاثة ان دخولهم للحدود الإيرانية كان عن طريق الخطأ، بينما إدّعت حكومة أحمدي نجاد أنهم دخلوا للتجسس على بلاده.
ورغم الإدعاء الإيراني، إلا أنّ كافة المسؤولين الأمريكيين نفوا هذه الإدعاءات، واستمرت الجهود الأمريكية عبر السفارة السويسرية التي تمثل المصالح الأمريكية في طهران، بضغوطها كي تضمن الإفراج عن مواطنيها الأمريكان الثلاثة، دون أن تخفّ أو تفترالجهود الأمريكية لمجرد أنهم من أصول إيرانية ومحتجزين لدى حكومة أصلهم، لأن المعيار في الفهم والتعامل الأمريكي هو أنهم أصبحوا مواطنين أمريكيين ويحملون الجنسية الأمريكية، وبالتالي ترفض المعايير والقوانين الأمريكية تركهم في سجون دولة استبدادية ديكتاتورية بتهم مزورة. وهكذا نجحت الاتصالات والضغوط الأمريكية في الإفراج عن الفتاة سارة شورد من سجن (إيوين) الإيراني، ووصلت مساء الثلاثاء الرابع عشر من سبتمبر 2010 إلى مطار سلطنة عمان في رحلة خاصة حيث كانت والدتها في استقبالها.


كفالة مالية..هذه تزيد أمريكا احتراما
وكانت السلطات الإيراينة قد قالت أنها قررت الإفراج عن سارة شورد بموجب كفالة مالية مقدارها نصف مليون دولار، في حين نفت واشنطن هذا الإدعاء رسميا على لسان ديفيد كراولي المتحدث بإسم الخارجية الأمريكية. وحتى لو دفعت واشنطن هذه الكفالة المالية للإفراج عن مواطنة أمريكية من أصل إيراني من السجون الإيرانية، فهذا يزيد السلطات الأمريكية احتراما، لأنها دفعت هذا المبلغ كي تضمن حرية مواطنة أمريكية. وليس هذا فحسب فالإفراج عن سارة شورد لقيّ ترحيبا واهتماما خاصا من الرئيس الأمريكي باراك اوباما نفسه، مطالبا السلطات الإيرانية بالإفراج عن زميليها اللذين ما زالا محتجزين في السجون الإيرانية.

سجينة عن سجينة بيتفرق يا ملالي
وكي نعرف الفرق بين سجينة وسجينة فقط لنوع الجواز الذي تحمله والجنسية التي تنتمي إليها، فلنقارن بين حالة السجينة المحررة سارة شودر، وبين السجينة الإيرانية التي تحمل الجنسية الإيرانية سكينة اشتياني (43) عاما المسجونة منذ بداية العام 2006 أي قرابة أربعة أعوام بتهمة الزنى، وصدر بحقها عدة أحكام من بينها أكثر من حكم بالجلد آخرها حكم ب 99 جلدة. تصوروا أربعة أعوام في السجن وجلد متواصل، دون الإفراج عنها رغم الاهتمام العالمي بقضيتها، لدرجة أنّ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشير أكدّ استعداده للذهاب إلى طهران من أجل الإفراج عنها. وكذلك وزير الخارجية الإيطالي الذي أكدّ استعداده للقاء نظيره الإيطالي لبحث قضية اشتياني وحثه على الإفراج عنها. ويستمر سجنها رغم تصريح محاميها محمد مصطفائي الهارب من إيران واللاجىء للنرويج منذ بداية أغسطس 2010 (إنها عقوبة وعمل لا يحتملان، إنهما في منتهى الهمجية وعودة إلى العصور الوسطى)، ورغم استغاثات نجلها (سجاد محمدي، 22 عاما) المتواصلة لإنقاذ والدته، الذي أكدّ ومحامون عنها أنّ اعترافاتها انتزعت منها بالقوة والتعذيب....آه يا سكينة لو كنت تحملين الجنسية الأمريكية، لسافرت على طائرة خاصة مثل بنت بلدك سارة شودر..رحلة خاصة يا سكينة إلى سلطنة عمان حيث سبق ذلك ايصال والدتها للسلطنة لتكون في استقبالها.

وقارنوا بما يحصل في سجون بلاد العرب أوطاني
طبعا هذا لا يعني أنّ الحال في سجون أمة عربية واحدة أفضل من السجون الإيرانية،فلا أعتقد أنّ هناك دولة عربية تخلو سجونها من سجناء من دول عربية أخرى، دون ملاحقة حكوماتهم لقضاياهم والحث على الإسراع في الإفراج عنهم أو عودتهم لقضاء محكومياتهم في بلادهم إن كانوا محكومين بقضايا جنائية كما يحدث عادة في الدول الأوربية. هناك سجون عربية فيها مئات من المواطنين العرب منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، دون معرفة مصيرهم ودون ملاحقة حكومات بلادهم لقضاياهم، وبالتالي أصبحوا في حكم الموتى، فتلك السجون (داخلها مفقود والخارج منها مولود).

هذا ليس دعاية لأمريكا بل بكاء على أحوالنا
ربما يفهم البعض أنّ هذه المقالة دعاية للشقيقة الكبرى ماما أمريكا، لكنّ هذا ليس وارد عندي فأمريكا لا تحتاج لمن يقوم بالدعاية لها، بل هو بكاء على أحوال الإنسان في بلادنا الشرق أوسطية وإيرانية. لماذا هم يحترمون الإنسان ونحن نحتقره؟. عندما أتجول في شوارع أوسلو عاصمة المملكة النرويجية المباركة المنصورة دوما بإذن الله، أتمنى لوحكوماتنا تعاملنا واحد بالمائة كما يعامل المواطن النرويجي كلبه. هذا المواطن الذي لا يمكن أن يترك كلبه في السيارة لدقائق وهي مغلقة الشبابيك والأبواب، وإن نسيّ وفعل ذلك، يستطيع أي مواطن شاهد ذلك، أن يتصل بالبوليس الذي يأتي فورا لفكّ أسر الكلب مخافة الموت من ضيق التنفس أو البرد أو شدّة الحر. تصوروا لوفتحت أبواب النرويج وأمريكا للعرب والمسلمين، أنا متأكد سيركضون فرحين شاكرين مبتهجين ولن يبقى في بلادهم إلا ما ندر....ويبقى البكاء هو الدائم المستمر على أحوال الإنسان في بلادنا.
[email protected]