لن اكون صادقا اذا لم اقل انني كنت معجبا بالاستاذ محمد حسنين هيكل منذ ان كان يكتب بابه الشهير في الاهرام quot;بصراحةquot;، مفتونا باسلوبه في التحليل، مأخوذا برشاقته في الانشاء والتعبير، اسلم نفسي لافكاره ورؤاه، واتعاطف معها، حتى لو كنت املك موقفا مسبقا ضدها، ولاشك ان الاستاذ هيكل بمثل ما ساهم في صناعة اسطورة عبد الناصر، فان للرئيس الراحل عبد الناصر فضل صناعة مجد الاستاذ هيكل، والتمكين له في الارض، حتى استوى قامة صحفية واعلامية سامقة، تهيمن على فضاء الكتابة الصحفية في مصر، وتنشر ظلها في العالم العربي، مع ترجيع اصداء في بقية انحاء العالم، الفرق الوحيد اننا في العالم العربي نخلط بين الشخص الحقيقي وصورته التي يصنعها له الاعلام، وتصنعها له الدعاية، بينما في الغرب وبسبب تعاملهم مع الحقائق دون تزويق ودون تهويل، يستطيعون رؤية الشخص في ضوء حقيقي، ورغم العلاقات العامة التي يتمتع بها الاستاذ هيكل في الغرب، والصداقة التي تجمعه باصحاب الصحف ومحرريها، فان هذه العلاقة والصداقة لم تمنع صحيفة التايمز ان تراه على حقيقته، وتسميه في افتتاحية عنه في اوان مجده الناصري quot;صوت سيدهquot; او بلغة الصحيفة في تعبيرها الانجليزي His masterrsquo;s voice
ولعلها كانت افتتاحية مقلقة بالنسبة لي في ذلك الوقت، لانني كنت اريد ان ارى الاستاذ كما كنا نراه باعيننا العربية، الا انه كلما تقادم الزمن، ادركت انها كانت افتتاحية كفيلة بان تنزع الغشاوة عن بصري، و تكشف لي ما كان يجب ان اعرفه، واستطاع الاستاذ هيكل ان يحتفظ بلياقته الذهنية ولياقة قلمه واسلوبه، بعد موت السيد الذي كان يدعم مكانته، غير عابيء بالسرعة الشديدة التي تتواتر بها الحداث، ولا تؤتر في هذه اللياقة، القوة الجارفة التي حصلت بها التحولات الاقليمية والدولية، وكان لابد ان يأتي وقت تتعرض فيه هذه اللياقة لبعض الاهتزاز، واذا كان لي ان احدد نقطة في الزمان لغياب هذه اللياقة، اقول انها تلك التي جاءت مع كتابه quot;اوهام القوة والنصرquot; عن عراق صدام وقصة هجومه على الكويت وما رافق تلك الاحداث من ملابسات لم نستطع ان نجد في كتابه تعاملا حصيفا ولا حكيما مع اسرارها ودوافعها وتبعاتها، ولكن هذه الحصافة وهذه الحكمة كانت حاضرة عندما نشر مقاله الشهير استئذان في الانصراف، بمناسبة عيد ميلاده الثمانين، واختار له الصحيفة التي عرفت امجد ايامه صحيفة الاهرام، قائلا بانه قرر بعد ستين عاما في عالم الكتابة ان يرتاح من عناء هذه المهنة، واعمال الفكر في مشاكل السياسة، ولكن المدهش حقا، ان هذا الاستئذان في الانصراف، اعقبه نشاط غير مسبوق في حياة الكاتب الشهير، وكان واضحا ان اغراء الاضواء التي جاءت من خلال التعاون مع اشهر قناة فضائية عربية هي قناة الجزيرة الاخبارية، واغراء الثمن الذي يستحقه كاتب ذو جماهيرية ساحقة مثله، قد حالت بينه وبين تنفيذ وعده بالانصراف، فازداد حضوره قوة، وازداد جمهوره اتساعا، وبعد جمهور الصحيفة والكتاب، انتقل بصورته وشهرته الى جمهور الوسيلة السمعية والبصرية وهو جمهور يتكون من عشرات الملايين.
واقول انني ما زلت احرص على متابعة احاديثه، وقراءة مداخلاته التي تنشرها الصحف، الا انني حقيقة لم اعد اقع تحت سيطرتها كما كنت افعل قديما، او اقبلها مسلوب الارادة، وصرت اعتقد جازما ما كان يكرره كثير من نقاذه عنه، ولعله هو نفسه يعترف به احيانا بشكل غير مباشر، ان للاستاذ اجندة يريد ان يخدمها وله تحيزات يريد ان يسخر عقل القاريء ويكسبه لصفها، ولا اره الا متمكنا من اسلوبه ما يزال، الا انني للاسف الشديد لم اعد اثق ثقة مطلقة في نزاهته، بل صرت اشك في ان هذا الشرخ في النزاهة ليس جديدا عليه، وانما كان ملازما لكل كتاباته وان كنت لم اكن استطيع رؤيته وقد حجبته عين الرضا والافتتان بالاسلوب والانشاء.
ولست هنا في مضمار ضرب الامثلة، فالاساتذة الذين كتبوا يحللون كتابات الاستاذ من موقع النقد والنقض كثر، وقد كفوني هذه المهمة، وربما كان اهمهم الباحث والمفكر العراقي سيار الجميل، خاصة في كتابه المعروف quot; تفكيك هيكل quot; ربما لانه راي في تعامل الاستاذ مع صدام، ما صار يراه الليبيون في تعامله مع القذافي من تجاهل لالامهم ومعاناتهم، وتعامل بارد ولا اقول متحيز مع طاغية مجرم مثل صدام وطاغية اكثر جنونا واجراما مثل القذافي.
واخلص من هذه المقدمة الى حديث طويل اجرته معه اسرة تحرير الاهرام في عدد الجمعة الماضي 23 سبتمبر 2011 والى جزء من الحديث خص به ليبيا قال فيه انه جرى توزيع امتيازات النفط الليبي بنسبة 30% لشركة توتال الفرنسية، و20% لشركة بي بي البريطانية، التي اعطيت حصة اقل، لان بريطانا اخذت اكثر في نفط العراق، وهناك نسبة لشركة ايني الايطالية ونسب اخرى تطالب بها شركات امريكية. واضاف الى هذا الكلام كلاما اكثر خطورة يقول فيه انه تم تخصيص قاعدة للاسطول السادس في طرابلس ومراكز مخابرات في بنغازي وطبرق لبريطانيا وهناك ايطاليا التي تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها، ولم يقل انها ستعيد بسط هذا النفوذ وارسال ضابط يحل محل جرسياني من جديد، اما فرنسا فقد علم الاستاذ الكبير بان لها مطالب عبر البحر.
ويستغرب وهو محق لاشك في هذا الاستغراب، لو افترضنا ان ماقاله صحيح، بان هذا التقسيم وهذا التخصيص لمناطق النفوذ، يتم وصوت المعارك لا يزال يدور، والدم ما يزال يسيل فوق الارض، وهو فعل من افعال العار وعمل تنقصه المروءة يقوم به اهل السلطة الجديدة في ليبيا، ان لم يكن الدناءة والسقوط، كما يقول في النص المضمر داخل النص العلني لكلماته، ويقول ايضا وبالحرف الواحدquot;وربما ان هذه التوزيعات للمواقع والموارد تجري بنفس الاسلوب الذي رايناه في اجتماع رئيس وزراء بريطانيا وفرنسا يوم اول ديسمبر 1917quot;
ويضيف الاستاذ هيكل بقلب يعتصره الالم، وبالحرف الواحد ايضاquot; والمؤلم انه يبدو وكأن العرب لم يتغيروا، وكأنهم عادوا الى حيث كانوا، وكأنهم مازالوا هناك عند سايكس بيكو الاولى، ثم ان ظاهر ما يسمعونه يأخذهم الى حيث تريد لهم اوهامهمquot;
وهو بالتأكيد كلام مفعم بالغيرة الوطنية والقومية، والحرص الشديد على مصالح الليبيين، والقلق والارق الذي يقض مضجعه لما رآه من تفريط في الحقوق الوطنية. وهي غيرة يستحق عليها الشكر من اخوته الليبيين، لو افهمهم على وجه اليقين انه لا يخترع الوقائع اختراعا، ولا يلتقطها من هواء مفعم بالشائعات وملوث بما تقوله فلول النظام الاجرامي والدموي، حتى وان راه الاستاذ نظاما وطنيا شريفا، ومهما كان حجم التضليل الاعلامي، فان عقلا كبيرا مثل عقل الاستاذ هيكل يفهم ان ليس هناك في ليبيا اليوم من يملك تفويضا شعبيا، اويملك شرعية ان يبرم الاتفاقيات والعقود، ورئيس المجلس الانتقالي وأعضاء هذا المجلس واعضاء لجنته التنفيذية، يقولون ويكررون القول من فوق شاشة الجزيرة ذاتها، التي اختارها السيد هيكل منبرا لافكاره، انهم لا حق لهم في ابرام اية عقود ولا اجراء اية اتفاقيات، لان هذه مهمات مؤجلة الى حين استكمال بناء المؤسسات الدستورية والقانونية، صاحبة الحق في مثل هذا العمل، وينفون نفيا قاطعا، جازما، ان تكون هناك اية اتفاقية، مهما كانت ضئيلة الشأن، تتجاوز في مدتها او في مهمتها، المهام المؤقتة للمجلس والفترة الانتقالية التي يحددها الاعلان الدستوري الانتقالي.
وليت الاستاذ اكتفى بهذا القدر من الطعن والتجريح الذي لا سند له ولا دليل، وهذه الاتهامات الباطلة العاطلة التي ساقها ضد المجلس الوطني، ولكنه تمادى الى حد تمنيت معه فعلا ومن موقع رجل احبه في يوم من الايام، ان قرار استئذانه بالانصراف، قد قام بتطبيقه والعمل به، فقد تصورته الان وهو يقول هذا الكلام الذي ينقص من قيمته، ويشكك في سلامة تفكيره وتقييمه للامور، مثل ذلك الساحر الذي تعود على اخراج الارانب والحمام من داخل القبعة، ثم نسى بفعل السن ما يحفظه من حيل وما اكتسبه من مهارات، وضاعت لياقته البدنية والعملية فلم تعد خفة الحركة تسعفه باتقان تلك الحيل، ولم يستطع عندما وضع يده داخل القبعة ان يخرج شيئا، وانما اخترقت يده قاع القبعة وخرجت اصابعه فارغة لا تحمل ارانب ولا حماما، فهو يتاسف بحرقة لان الغرب تخلى عن القذافي قائلا quot; وجاء التنكر للعهود هذه المرة فجا جلفا، فلا يغطي شيئا وانما بتبجح، لان الذين انكروا العهود كانوا ملهوفين وعلى عجل، فهم بسبب اوضاعهم الاقتصادية كانوا مفلسين، يتعجلون خطف الثروة من الواهمينquot;

وهذا كلام غريب، يصدر عن رجل عهدناه فاهما واعيا للمعطيات المحلية والدولية التي احاطت بثورات الربيع العربي، فهو هنا ينكر على ثورات هذا الربيع انجازها، لان كلامه ينسحب عليها جميعا وليس على من اسماهم بالواهمين فقط، ويعني بهم من سياق الكلام اهل الثورة الليبية، نعم كان القذافي يحظى برعاية الغرب، وربما كان عميلا لهذا الغرب وفق حيثيات واحداثيات يعرفها الاستاذ هيكل واشار اليها قديما،ولا اعتقد انه كان باخلا بالعقود النفطية على الغرب بل كان مستعدا لو وجد عونا من اسرائيل لاهداه نصفا مجانا فوق الاعتراف الذي عرضه في ايامه الاخيرة عليها، وكان زين العابدين يحظى بهذه الرعاية وربما تكون قد شملته العمالة ايضا، ولم يكن النظام المصرى بعيدا عن هذه الرعاية، ولكن الثوار ياسيدي الكاتب الكبير فرضوا أجندتهم على الغرب، وارغموا هذا الغرب وارغموا قيادته على ان تتعامل مع اصحاب الوطن الحقيقيين، بدلا من عملاء تسلطوا على الشعوب واذاقوها الويلات، وهناك بالتاكيد تحولات كبيرة حصلت في العالم وشملت الغرب نفسه، لم يكن غريبا ان نجد كاتبا مثله تجذر سبعين عاما في النظام العالمي القديم وتشرب افكار الاربعينيات والخمسينيات والستينيات، ان يعجز عن استيعاب بعض هذه التحولات في زخمها وقوتها وسرعة تواترها حتى وهو يراها تتجسد في افعال كبيرة قوية عندما قامت بجلب رئيس اسود للبيت الابيض، وهذا امر مفهوم لعله كان وراء استئذان قديم بالانصراف لم يقم بتنفيذه، ولكن ما ليس مفهوما هو ان يقول عن ثوار ليبيا وقياداتهم كلاما تنقصه المروءة للاسف الشديد وهو المعرف بتهذيبه لغة وسلوكا، واذا كان هذا حال كاتب في حجم السيد هيكل فلاشك ان العقل العربي بحاجة الى اعادة تاسيس وعي جديد بما يحدث في العالم من تحولات وما لحق بالقيم والمفاهيم التي يتعامل بها من تحديث وتجديد وتطوير وفق معطيات العصر، وثورة المعلومات ومجتمع المعرفة والثقافة الرقمية التي جعلت البشر اكثر قربا واكثر فهما واكثر حرصا على مصالحهم المشتركة ومنافعهم المتبادلة، وانتهت الرؤية القديمة التي تربى عليها جيل الاستاذ هيكل الوريث لعقد الاستعمار التي ترى العالم بلونين هما الابيض والاسود، وكان بالتاكيد مؤسفا ومحزنا ومؤلما اشد الالم، ان نراه يدافع عن القذافي ومن بقى معه من أراذل وانذال القوم، وحثالة المجتمع الذين لا يدافعون حقا الا عن اعناقهم لانهم ممن كانوا شركاء له في شنق وقتل الليبيين، لان اقرب الناس اليه ممن لا يحملون سجلا دمويا تخلوا عنه، بمن فيهم الضباط الاربعة من بقايا المجلس العسكري الذين جاءوا به الى الحكم، عندما اقتنعوا ان المعركة قد حسمت لصالح الشعب، نعم لم يبق معه الا اعضاء عصابة القتل والاجرام وقد حسم الشعب المعركة معهم ولم تبق الا بقعة صغير نائية في قلب الصحراء، فانظروا ما يقول الاستاذ الكبير عن هذه الحفنة الضئيلة من اهل الاجرام والجنونquot; واظن ان الذين يقاومون مع القذافي يفعلون ذلك بانتمائهم الى الوطن الليبي، ليس تمسكا بالقذافي ولكن لان هناك غزوا لليبياquot;
هل يصدق من يقرأ هذا الكلام انه صادر عن رجل التحليل السياسي الاول في العالم العربي، سبحان الله، سبحان الله، ان يتحول القذافي وبقايا كتيبة الاجرام التي يقودها هو وبعض اولاده القتلة، الى وطنيين يحاربون الغزو الاجنبي لليبيا،وكان هناك غزوا يا سيدي اكثر شرا واجراما وعتها من شر واجرام وجنون المجرم المعتوه معمر القذافي، بشكل يتضاءل معه سجل كل الغزاة والمجرمين في العالم من هولاكو وجنكيزخان الى جرسياني في ليبيا ولا نجوست في الجزائر وجوردون في السودان، انك شخصيا وفي نفس المقابلة تتحدث عن ثلاثين الفا من شهداء الثورة وسبعين ألف جريح قتلتهم الالة العسكرية للقذافي، علاوة على ما دمره من مدن قبل الاستنجاد بالامم المتحدة، وما انتهكه من اعراض، وما ارتكبه من جرائم حرب ضد المدنيين، كانت هي حيثيات الحكم الذي اصدره قضاة عالميون في محكمة دولية بضروة جلبه للمحاكمة واصدروا قرار القبض عليه وعلى ابنه وعديله باعتبارهم مجرمي حرب، فكيف تسمح لنفسك وانت الرجل المحنك والباحث الجسور ان تعيد انتاج ما يقوله الطاغية وكان روحه تقمصت روحك ولسانه قفز فجاة في فمك، ثم اريد ختاما ان اقف قليلا امام ما يقوله سيادتكم وما يقوله اناس مثلكم عن الناتو وهذا الغزو الكاذب الذي لا وجود له الا في عقول اصحاب الاجندات او على راي المتنبي
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مرا به الماء الزلالا
وقد لا يكون التدخل الدولي في ليبيا ماء زلالا، ولكنه لا يقل نقاء عن الماء الزلال، لا شبهة فيه لاي غرض ذنيء مثل اغراض الذين يهاجمونه، لان هذا التدخل انطلق من مبدأ انساني حضاري فيه الكثير من المروءة والاعتبارات الانسانية فقد كان هناك شعب اعزل من السلاح يقتله حاكم مجنون هو للاسف حاكمه الموجود في سدة الحكم للقيام بواجب الدفاع عنه والحرص على سلامته وضمان امنه فيصبح هذا الحاكم نفسه مصدر الشر والقتل والدمار، فهل يريد اخوتنا من اصحاب الاجندات ان يقف العالم المتحضر يتفرج على الجريمة، ويتفرج على القتل وهو بامكانه ان يمنعه، ويعرف العالم كله، ما كان منقولا على الهواء من تهديد القذافي بسحق الجرذان وارسل رتلا الى عاصمة الثوار بنغازي بلغ طوله 160 كيلو مترا من حاملات الصواريخ والدبابات والمدفعية والقناصة علاوة على سلاح الطيران، زاحفا لابادة شعب بنغازي ومن بعده اهل المرج والبطنان والبيضاء ودرنة وطبرق لانها كلها كانت قد اعلنت تمردها وكانت قد خرجت من قبضته،وكان فعلا قد بدا الزحف والقصف، عارفا ان قرارا من مجلس الامن قد صدر بحماية المدنيين وحظر الطيران، الا انه كان يعرف ايضا ان هناك يوما او يومين قبل ان يبدأ التنفيذ، قرر فيهما ابادة ما يستطيع ابادته من الشعب الليبي، واثقا ان هذه الابادة ستقوم بتعديل الكفة وستبقيه في الحكم مهما جاء من تدخل بعد ذلك، الا ان الاحساس الذي سرى في العالم بالخطر الماثل جعل وثيرة العمل ترتفع بشكل قياسي وكان مندوب ليبيا في الامم المتحدة قد بقى مستيقظا تلك الليلة يزعج قصور الحكم في العالم، وجعل هواتف قصر الاليزيه وهواتف البيت الابيض وهواتف حاكم قطر وحاكم الامارات وامين الجامعة العربية وامين المؤتمر الاسلامي تدق نواقيس الفجيعة والخطر الى ان جاءه هاتف اخيرا لرجل يقول له بلهجة خليجية quot;ابشر يا عبد الرحمنquot; وانطلق عبد الرحمن ينقل البشري لزملائه في المجلس الوطني ابشر ياعبد الجليل وابشر يا عبد الحفيظ وابشر يا جبريل وابشر يا عبد الفتاح وابشر ياعيساوي، ابشروا ابشروا فالانقاذ قادم، وبدل ان يتحول ذلك الرتل الى تنين ينفت ناره ويقتل جزءا من الشعب اللييبي تحول بفضل الانقاذ العالمي الى عمود من رماد، تحول قرار مجلس الامن الى قديس الاسطورة المسيحية الذي قتل التنين.
فهل كان هذا الانقاذ غزو ايها الكاتب الكبير، اليس هذا الكلام الذي تقوله كلاما يبرر الجريمة ويناصرها ويدعو لارتكابها ويتاسف لانها لم تحدث.
ثم ليتفضل كل هؤلاء الاخوة الذين يتكلمون عن الناتو، وما ينتظره من ثمن، نظير فعله، للاجابة على سؤالنا عما فعله الناتو بجوار ما فعله ابطال الشعب الليبي؟
لقد ذكر السيد هيكل ارقام الشهداء من ابناء الشعب الليبي الذين قدموا حياتهم فداء للوطن وثمنا للحرية، فليقل لنا سيادته كم قتيل او جريح سقط من قوات الناتو اذا اراد ان يسميهم كذلك، مع اننا لا نقول الناتو وانما نقول الشرعية الدولية ونقول قوات التحالف لان بينهم دولا عربية ليست اعضاء في الناتو، ولكن دعه يقول ما يشاء، ويسمي هذا الانقاذ العالمي الاممي الانساني، ما شاء له المزاج ان يسميه، ان قطرة دم واحدة، لم تنزف ولم ترو التراب الليبي غير دماء ابطال الحرية من ابناء ليبيا. اليس هذا كافيا لان يجعل المتحدثين عن هذا الناتو يشعرون بشيء من الخجل امام دماء ثلاثين الف شهيد دفعوا حياتهم من اجل بلادهم.
نعم، شكرا للحلفاء، وشكرا للامم المتحدة، وشكرا للجامعة العربية التي طلبت النجدة، وشكرا لامانة المؤتمر الاسلامي التي عززت هذا الطلب، وشكرا ايضا للناتو، فليس الشعب الليبي بناكر للجميل، لان آلتهم الحربية هي التي استطاعت تعطيل الالة الحربية للطاغية، ولكن هل ماقام به جميع هؤلاء الاصدقاء يعادل ما قام بفعله الشعب الليبي من اجل انجاز حريته ؟ لقد كانت ميزانية صواريخ التاماهوك التي اطلقها الامريكيون في المراحل الاولى للثورة 200 مليون دولار، فلنقل ان الفاتورة تضاعفت بعد ذلك عشر مرات، وصارت ملياري دولار، هل هناك اكثر، ليكن، لنقل انها تضاعفت عشرين مرة بدلا عشر مرات ووصلت اذن الى اربعة مليار دولار، ما راي الاستاذ هيكل، واكراما لغضبته المضرية ضد استخدام الناتو، اننا سندفع صكا بكل مليم انفقوه او جهد بذلوه، فماذا تبقى؟
وختاما اقول للاستاذ الكبير ان جهله بالشان الليبي، لا يغفر له اطلاقا ما قاله من كلام تنقصه اللياقة في حق ثوار ليبيا وقادة ثورتها، واقول له ايضا ا ان قرار استئذانه بالانصراف كان بالتاكيد قرارا منصفا في حق نفسه وحق تاريخه، فليعد الى تطبيقه سامحه الله وغفر له ما تقدم من ذنبه.

[email protected]
www.ahmedfagih.com