اطلق النظام القمعي في ليبيا الذي ما زال يتداعى ويتقوض وينهار، متشبتا بالحكم مهما جرت تحت قدميه وبسبب الته الحربية، انهارا من دماء الليبيين، الاشاعة وراء الاشاعة التي تشكك في القوى الشعبية التي انتفضت ضده، وحصلت بفضل ما ابدته من شجاعة واصرار على التحرر والانعتاق، على مناصرة العالم اجمع بشرقه وغربه، عربه واعاجمه، مسلميه واقوامه من نحلل وملل اخرى، وصارت نتيجة الصراع محسومة لصالح قوى الشعب وقوى الحق والحرية.
وطبعا من حق هؤلاء المناصرين والمؤيدين الذين وقفوا مع الشعب الليبي واصدروا القرارات الاممية التي تبيح تحريك جيوشهم لحمايته من قنابل هذا الحاكم الذي تفتحت شهيته للولوغ في دم اهله بما يصعب وجود اشباه له في التاريخ، اقول من حقهم السؤال عن طبيعة الناس الذين يقودون هذه المعركة ضد نظام القذافي، وطبيعة المستقبل الذين يرسمونه لبلادهم، خاصة وان الحرب الدعائية السوداء التي اطلقها النظام ضد الثائرين عليه، اسهمت في اثارة القلق ورغبة الراي العام العالمي في معرفة المزيد عن توجهات هؤلاء الثوار وهرعت جهات اعلامية عربية ودولية لطرح السؤال بغية ارضاء فضول القراء والمشاهدين والمستمعين وتنوير الراي العام في بلدان التحالف ليطمئنوا ويتاكدوا ان مساعداتهم تذهب في الاتجاه الصحيح، وليس الى قوى يمكن ان تنحر ف بليبيا عن الطريق السوي الذي يرجوه لها احرار العالم وقواه المحبة للسلام الكارهة للتطرف والارهاب.
واعتقد ان كثيرا مما ارسله نظام القذافي من اشاعات تبددت فور صدورها مثل اشاعات القاعدة وعناصر التطرف الديني الذين يسيطرون على بعض المناطق المحررة من ليبيا فقد راى العالم المظاهرات النسائية التي تخرج في عاصمة الثوار بنغازي ورأوا عددا من نساء بنغازي المتحضرات العصريات السافرات اللاتي يشاركن في المجلس ويخاطبن الصحفيين باعتبارهن ناطقات رسميات باسم المجلس مثل السيدة الطبيبة الناطقة باسم زملائها الاطباء، والناطقة الرسمية باسم الثوار الاخت ايمان ابوقعيقيص، فليس ممكنا ولا متوقعا ان تقوم جماعة تنتمي للقاعدة او للتطرف الطالباني ان تعطي مساحة للمرأة بمثل هذا الحجم بين صانعي القرار، او تسمح بوجود النساء في ميادين الاعتصام مع المحتجين والثوار،ولكن يبقى السؤال عن هوية هؤلاء الناس وعن تصورهم للمستقبل موجودا ودائرا في الراي العام، رغم ان الصورة اراها واضحة ولا تستدعي الحاحا ولا تكرارا وتواترا لهذا السؤال، لانه كمن يرى اسرة تغادر بيتا يحترق وتاكل جدرانه واسقفه السنة اللهب فيسال الاسرة مستغربا كيف يغادرون بيتهم المحترق وهم لا يملكون بيتا يرحلون اليه، لان هذا ما يقترحه من يتكلمون عن الفراغ الذي تركه نظام القذافي الذي حطم مؤسسات الدولة وقضى على المجتمع المدني وقام بتصفية المعارضة ورموزها، وكأن هذا الامر يصلح سببا لانزال اللوم والتقريع باهل الانتفاضة، بدلا من ان يكون سببا لمزيد من الادانة لهذا النظام القمعي الفاسد والاصرار على ازالته وتحرير الشعب الليبي من كوابيسه واجرامه.
وبداية اقول ان الاحداث سارت في مسارات فرضت فرضا على الثوار، فلم يكن حمل السلاح على سبيل المثال اختيارا، ولم يكن قد حدث وفق ترتيب وتوافق وطني كما يحدث في ثورات مسلحة عرفها العالم،ودعنا من الانقلابات فهي مثال فاسد نربا باستدعائه واستحضاره، وهي عادة تقوم على التآمر والخداع وعلاقات يتم نسجها في الظلام، كما لا نتحدث عن تحرير الوطن من وجود اجنبي استعماري كما حدث عند مواجهة الليبيين للاستعمار الايطالي فالاختلاف كبير بين الحالتين، الا اننا نستطيع ان نضرب مثلا بثورة تعيها الذاكرة ونجحت في الوصول الى الحكم هي الثورة الكوبية التي بدأت انتفاضة مسلحة قامت بها طليعة من الثوريين وانخرطت في مسارها فئات الشعب من قاطني الارياف، وزحفت حتى وصلت العاصمة هافانا وحققت النصر على باتيستا ونظامه، الانتفاضة في ليبيا بدات سلمية كما نعلم، وقد ارادت ان تقتدي بما حدث في تونس، وما حدث بعد ذلك في مصر من تظاهرات سلمية واستمرت سلمية وتخللها بعد ان شعرت الانظمة بخطورتها اعمال عنف واطلاق رصاص وسقوط عدد من الشهداء، وكان الليبيون طبعا مستعدون لدفع الثمن كما دفعه من قبلهم شباب الثورة في تونس وشباب الثورة في مصر، بل ان الشعارات التي رفعها الليبيون هي نفسها التي كان يرفعها اهل الثورتين والتي يقول احداها quot; الشعب يريد اسقاط النظامquot; ولعل ابناء الشعب الليبي اكثر استحقاقا وجدارة من غيرهم من الشعوب العربية فقد بقى الرئيس التونسي في الحكم ثلاثة وعشرين عاما ومصر ثلاثين عاما بينما زاد بقاء الرئيس الليبي في الحكم عن اربعين عاما، وحكم الشعب بمزاجية الحاكم الفرد، الذي لا يحتمل شريكا له في الحكم ولم يرجع خلال هذه العقود الاربعة ولا مرة واحدة الى الشعب يسال عن استفتاء حتى لو كان صوريا او يقيم انتخابات رئاسية حتى لو كانت مزيفة، لانه لا اعتبار له لهؤلاء الناس، وكان شعبه مجرد انعام، وهو صاحب هذه الانعام، او الراعي الذي يفتخر بانه قادم من سلالة من الرعاة، فلم يكن غريبا ان يعامل الليبيين نساء ورجالا باعتباهم نعاجا وكباشا وكفى الله الزعيم شر الترشح لمنصبه او استفتاء الناس على هذا المنصب.
انطلق الشعب في مسيراته السلمية التي خرجت من مختلف المدن ولم يكن يتصور احد، ان يبدا ازيز الرصاص فور وصول هؤلاء الناس الى الشارع، ولم تمض غير دقائق حتى سقط عشرات القتلى في كل مدينة وركض الناس يحتمون بالبيوت والابنية، وحدث في مدينة بنغازي ان كان الطريق الى المقبرة يمر من امام الكتيبة التي خرج جنودها يقذفونهم بالنار وهي كتيبة الفضيل بن عمر، فما كان من اهل الموتى وشباب المدينة اثناء عودتهم من المقبرة وقد وجدوا الكتيبة امامهم وجنودها في المدخل يتحدونهم ويشمتون بهم، الا ان هجموا بصدور عارية على هذه الكتيبة، ولم يكن غريبا ان يسقط في الدقائق الاولى لهذا الهجوم مائة وعشرون شهيدا، واستفز هذا العدد المهول من الشهداء بعض اهل القلوب الرحيمة من ابناء المؤسسة العسكرية، فتم اصدار الاوامر لكتيبة الصاعقة ان تاتي لانقاذ الناس، وتقوم بالهجوم على الكتيبة والسيطرة عليها والانظمام الى الثوار، وما حدث في بنغازي حدث في مدن اخرى، ربما لم تكن بها كتائب ولكن مراكز للشرطة هاجموها واستولوا عليها وانضم بعض عناصرها الى الثوار كما انضم بعض عناصر الجيش في هذه المدن الى الثوار وتحولت المسيرة السلمية بفضل النظام وقمعه وشراسته في مواجهة الثوار، الى حرب تحرير شعبية لم يكن يسعى احد اليها ولم يكن احد يريدها ولم يكن احد يتمنى الوصول برقم الشهداء الى هذه الارقام المهولة التي وصلت عدة الاف لتحقيق هدف انجزه الاخوة في مصر والاخوة في تونس بعدد اقل من الشهداء وعدد اقل من الخسائر في الممتلكات والعتاد والقتلى من جنود النظام ومرتزقته الذين احضرهم من وراء الصحارى ومن وراء البحار.
وبشكل ايضا طبيعي وعفوي، ودون تصميم ولا تدبير، انبثقت مجموعة تقوم بدور التوجيه لهذا الزخم الشعبي وفي المدينة التي تكرست كعاصمة للثوار وهي بنغازي، وكان عدد من الوزراء المشهود لهم بالنزاهة والمواقف الوطنية مثل الاستاذ مصطفى عبد الجليل قد فك ارتباطه بالنظام الاجرامي وادان تصرفاته، فاتخذ منه شباب الثورة مثلا وقدوة وارتضوه موجها وناطقا باسمهم،وهكذا مع النقيب السابق لمحامي بنغازي عبد الحفيظ غوقه وهو الذي بدات هذه الثورة بعدد من زملائه المدافعين عن عن ضحايا مجزرة بوسليم وكانت اولى المنازلات امام محكمة بنغازي التي صارت مركزا لتجمع الاحتجاجات فكان من الطبيعي ان تنبثق قيادة من وسط هذه الجماعة ومن عين هذا المكان، وكان انحياز امين الداخلية وآمر الصاعقة الى الشعب نصرا للثور الذين جعلوه فور التحاقه بهم قائدا عسكريا، وكان هذا يحدث قيل الاعلان الرسمي عن تشكيل المجلس، وعندما بدات المطالبة بتشكيله بدا الاتصال والتشاور والحصول على توافق حوله وشاركت المناطق كلها التي خرجت عن طاعة النظام باختيار عناصر من بينها تمثلها في المجلس، بل حتى العناصر الرائدة في الانتفاضة ممن جاء وجودها في القيادة، افرازاطبيعيا لظروف الانتفاضة، عاد الى المنطقة التي جاء منها لتقوم بالمصادقة عليه واختياره ممثلا لها كما هوالامر مع رئيس المجلس عن مدينة البيضاء وغوقة ممثلا لوسط بنغازي ويونس ممثلا لمناطق طبرق، وتعهدوا جميعا في بيان اعلنته الاذاعات المرئية والمسموعة، ان دورهم يقتصر على هذه الفترة المؤقتة التي تسبق حسم الموقف مع النظام وفور سقوطه فهم سينسحبون ويسلمون المسئولية لمن هم اجدر بها وسيمتنعون عن استلام اية مسئوليات او مهمات منسحبين الى مكانهم في صفوف الناس، وساضرب مثلا واحدا بمن تم اختياره في المجلس ممثلا لاحدى مناطق بنغازي هو الاستاذ احمد الزوبير السنوسي، وهو اطول سجين سياسي في العالم لانه ظل سجينا منذ عام 1970 ولم يخرج الا بعد واحد وثلاثين عاما، ورغم انتمائه للبيت السنوسي وارتباطه بقرابة مع الملك ادريس الا انه كان موضع غضب من الملك، وقد كان ضابطا في الجيش، درس في الاكاديمية العسكرية في بغداد التي ذهب اليها اعضاء الدفعات الاولى من ضباط الجيش الليبي وعاد في منتصف الخمسينيات ليلتحق بالجيش ثم ما لبت وبسبب خلافات في الاسرة ان وجد نفسه وبامر ملكي مطرودا من الجيش، ولانه كان متفوقا في دراسته فقد وجد ترحيبا من اكاديمية بغداد في ذلك الوقت والتحق بالجيش العراقي مدرسا ومدربا، وفي عام1968 قرر العودة ليستقر في مدينته ويستثمر مدخراته في العمل الحر، فما لبثث ان قامت الثورة، وفي اولى التصفيات التي قام بها النظام لضباط الجيش الكبار، وجد نفسه متهما في مؤامرة لقلب نظام الحكم، واصدرت المحكمة العسكرية الصورية حكما على المتهمين العسكريين في المؤامر بالاعدام، وقد قابلت الرجل عقب اطلاق سراحه وسمعت منه ما افزعني من اسلوب المعاملة، فقد اخبرني انه ظل في سجنه دون ان يتلقى علما بان الاعدام تحول الى سجن مؤبد، ويقول لي ان عددا كبيرا من المحكومين مثله بالاعدام كان ياتي من يقودهم لتنفيذ الحكم رغم بقائهم في السجن لعشرة وعشرين عاما، وقال بانه كلما فتح الباب الخارجي للقسم حيث كان مسجونا وجاء احد من غير الحراس ظنه قادم لاخذه للاعدام وظل هذا حاله على مدى السنين التي قضاها في السجن باكملها، ربما الى اخر يوم عندما جاءوا يسالونه الخروج ظنه خروجا لتنفيذ حكم الاعدام فقرا كما قال لي الشهادتين وخارجا للقبول على الله شنقا او رميا بالرصاص، ثم فوجيء انه الافراج، وللمناضل نيلسون مانديلا سهم في هذا الافراج، لان القذافي مستغلا سماحة الرجل، ارسله الى اسكتلندا ليتوسط في اخراج عبد الباسط المقرحي، المدان في قضية لوكيربي،وهناك اتصل به عدد من معارضي العقيد القذافي وتاسفوا لما يحدث من استغلال لنضاله من قبل القذافي قائلين له ان صديقه الذي ارسله في مهمة انسانية اولى به ان يلتفت لما في سجونه من مظاليم احدهم وصل سجنه الان الى واحد وثلاثين عاما متهما بجريمة لم يرتكبها وهكذا عندما عاد وسال القذافي عن حقيقة هذا السجين اضطر مرغبا للافراج عنه.
المهم ان هذا الرجل انعقد اجماع المنطقة عليه ليكون ممثلها في المجلس، فهل يمكن لرجال من مثل هذه العينة، راوا مثل هذا الظلم الذي قد لا نجد له مثيلا في العالم، يمكن ان يرتدوا بالبلد الى عهد الطغيان والاجرام والظلم، يبقى ان نتحدث الان عن تصور الليبيين للنظام الذي يطمحون لاقامته كبديل لحكم القذافي واعتقد ان هناك اجماعا بين كل الليبيين، باقامة نظام يمسح اثار العدوان التي تركها النظام الاجرامي الدموي الفاسد على حياتهم، ويوفر لهم ما حرمهم القذافي منه، فقد حرمهم من مؤسسات الدولة الدستورية، ويريدن الان تعويضها بصياغة دستوري عصري يستوعب كل المكتسبات الانسانية في مجال حقوق الانسان واحترام الحرمات التي استباحها النظام القديم وتوفير الكرامة والحريات العامة التي تتصل بالتعبير والتفكير والاجتماع والاجتهاد والخاصة التي تحترم الهامش الشخصي للانسان الذي استباحه القذافي الى حد رسم تسريحات الشعر للناس، وانشاء مؤسسات المجتمع المدني واقامة السلطات الدستورية التى لا تتداخل اوتتضارب كما كان الحال في العهد المنهار عندما تم دمج السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية في شخص القائد الواحد الفرد المعصوم من المحاسبة، فصل كامل بين هذه السلطات يحدده الدستور وبناء نظام يستمد سلطته من ارادة الناس وصناديق الاقتراع، قائم على الديمقراطية البرلمانية، وتعدد الاحزاب، يكفل صيانة الموارد الهائلة الاقتصادية والمالية التي يملكها الشعب الليبي وتنميتها والوصول بها الى كل مواطن ليرتفع مستوى معيشة الليبيين وتنتهي حالة الفقر والعوز التي يعيشها ويستلم البلد اهل الكفاءة والجدارة بدلا من اهل الفساد وفاقدي الحيثية من المعاقين ذهنيا وعديمي الضمير الذين يستقطبهم النظام لانه يخشى اهل الكفاءة والجدارة والعلم والضمير، دولة حرة تعيد الاعتبار للقانون الذي اعلن الطاغية انه معطل ولا اعتبار له، وتطيح بكل الانحرافات والاختراقات الانسانية التي تجعل بعض الناس فوق المحاسبة وفوق القانون، وتضع كل المواطنين سواسية امام هذا القانون وقد اصدر المجلس الوطني المؤقت بيانا يذكر فيه الاسس العامة للنظام الذي سيتم اقتراحه للناس والصيغة التي سيتبعها لنقل السلطة الى مؤسسات منتخبة من الشعب تضع الدستور وتقوم باقتراح الحكومة الانتقالية التي تفضى بعد فترة عام واحد الى النظام الثابت الدائم وهو موجود في موقع المجلس لمن يريد الاطلاع عليه ولا يخرج على الخطوط العريضة التي ذكرتها في هذا المقال، يبقى شيء اخر هو تلك الاشاعات التي تتناثر عن امكانية وجود عناصر مندسة بين الثوار تنتمي لتنظيم القاعدة، وطبعا هذا اتهام خطير، وتنظيم محظور عالميا واهلا وسهلا باية معلومات عن وجود مثل هذا العنصر ليقوم المجلس باجتثاثه ومحاكمته واذا كان مدانا في جريمة خارج ليبيا فلتتقدم الجهة المعنية بطلب محاكمته في ارضها، ولتتفضل لتاخذه وتحاكمه كما تشاء بعد عقد اتفاقية تسمح بتبادل المجرمين مع المجلس الوطني.
ليطمئن اذن كل من له شيء من الريبة ان ليبيا ستمضى في الاتجاه الصحيح، وليعلم علم اليقين ان الدين في ليبيا لم يكن في يوم من الايام دين تطرف وغلو، ويكفي العهد الملكي مثالا، فقد كان مليكه شيخ الطريقة السنوسية التي كانت احدى اقوى الحركات الدينية انتشارا في العالم العربي وافريقيا ومع ذلك اقام نظاما حرا يكفل للمواطن الحريات الخاصة والعامة وكانت المدن الليبية تشتهر بجمال مصائفها التي يقصدها السواح يرتدون فيها لباس البحر رجالا ونساء وتشتهر ببهاء حاناتها وملاهيها الليلية وتنتج انواعا من البيرة، هي بيرة اويا وانواعا من النبيذ تحظى بالشهرة والشعبية واقبال البلدان الاوروبية على استيرادها باعتبارها اجود ما كان ينتجه العالم من خمور، واقام الملك ادريس جامعة اهداها قصره الملكي قصر المنار في بنغازي ليكون مقرا لها، بدا فيها التعليم مختلطا بين النساء والرجال منذ مطلع الخمسينيات عندما كان هذا الاختلاط محرما في كثير من الدول ذات المظهر المتحضر المتقدم، هذا هو شكل الدين الاسلامي في ليبيا عند اكثر اهله حرصا عليه وصيانة له، فما بالك بمن هو اكثر تسامحا دينيا وليبرالية او علمانية من الملك السنوسي.

لن اتكلم عما يمكن ان يحدث خلال الايام القليلة، فهي بالتاكيد حبلى بالمفاجآت، ولكنني يمكن ان انظر الى ابعد قليلا من الايام القادمة، تسوقني قناعة كاملة، بان الامر صار محسوما لصالح الثوار وصالح العهد الجديد وليبيا الجديدة التي ستتجاوز محنة هذا الحكم الذي كان عنوانا للتخلف والعبث والسفه، وسيسقط النظام قريبا باذن الله وسانظر الى ابعد من هذا السقوط لارى ليبيا وقد تحررت من عبء هذا النظام الدموي القمعي اللانساني، وسارت في طريق بناء نظام جديد يستمد سلطته من ارادة الناس وصناديق الاقتراع، قائم على الديمقراطية البرلمانية، وتعدد الاحزاب، والحريات العامة والخاصة، حريات التعبير والتفكير والنشاط العلمي والفكري وحريات الاجتماع وبناءمؤسسات المجتمع المدني، عهد جديد يكفل صيانة الموارد الهائلة الاقتصادية والمالية التي يملكها الشعب الليبي وتنميتها والوصول بها الى كل مواطن ليرتفع مستوى معيشة الليبيين وتنتهي حالة الفقر والعوز التي يعيشها ويستلم البلد اهل الكفاءة والجدارة بدلا من اهل الفساد او هذه الحتالات البشرية من عديمي الضمير الذين يستقطبهم النظام لانه يخشى اهل الكفاءة والجدارة والعلم والضمير، دولة حرة تعيد الاعتبار للقانون الذي اعلن الطاغية انه معطل ولا اعتبار له، وتطيح بكل الانحرافات والاختراقات الانسانية التي تجعل بعض الناس فوق المحاسبة وفوق القانون، وتضع كل المواطنين سواسية امام هذا القانون العادل الذي يستند الى دستور ينبع من الناس، وليس كما حدث مع الاخ القذافي عندما اغلق على نفسه غرفة وحرر كتابا جمعا وترقيعا وتلفيقا، ثم رمى به الى الناس وقال لهم هذا هو دليل الحياة الذي تسيرون عليه، واستقطب كل انسان حقير وفاسد وقليل الموهبة، لان هؤلاء هم من يطيعونه في كل انحرافاته، فحققوا له ما ارد ووصلوا بالبلاد الي الدرك الاسفل من الاداء، وانهارت على يديهم كل المؤسسات والادارات فالتعليم صار تجهيلا واضاعة للوقت للطالب والمعلم والخدمات الصحية صارت خدمات لنشر المرض وسوق المواطنين الى التهلكة والمواصلات صارت عرقلة وفكا للتواصل وتفكيكا للشبكات التي تربط المدن والاحياء ببعضها البعض اما ما يسمي صناعة او زراعة فلم يبق موجودا الا بعض مشاريع تقاوم مخططات الدولة لتدميرها وطمسها وما ستعمله الادارة الجديدة التي ستحل بدلا من ادارة النظام الانقلابي، سيكون قلب السياسات الماضية ووضع سياسات عكسية لها لان شعار النظام الانقلابي هو التدمير وشعار الادارة الجديدة سيكون البناء والتأسيس والتعمير والتنمية وتحقيق اعلى مستويات الاداء وتحقيق مشروع النهضة الذي انتهت امم اخرى من تحقيقة ومحاولة حرق المسافات للوصول اليها بعد ان عطلتنا ادارة الفشل والاجرام كل هذه السنين التي تصل الان الى اثنين واربعين عاما نعم استطيع ان ارى ليبيا جديدة تقلع نحو ارض النهوض والتقدم والحضارة
وسينتهي الحجر الذي فرضه النظام على تحررها ونهوضها وتقدمها لقد استلم النظام الانقلابي ليبيا وكانت اكثر تقدما من الجزر التي تتخامها مثل مالطا وقبرص، واكثر تقدما من سنغافورة، وكانت في مطلع السبعينيات تقدم العون لبلد مثل ماليزيا بل قامت ببناء اكبر عمارة فيها كمركز ثقافي اسلامي، والان انظر اين سنغافورة، وانظر اين ماليزيا، وحتى مالطا وقبرص بكل محدودية الموارد لديهما، هما في حالة ازدهار وتقدم لا تقارن بالحالة التي اوصلنا اليها النظام الانقلابي هناك كثيرون يتكلمون عن البديل لنظام القدافي والفراغ الذي سيحدث فيى ليبيا ىبعده وهو كلام مؤسف وغير منطقي وغير انساني وكان قدر الشعب الليبي ان يعيش في كابوس دائم انه كمن يقول لاسرة اشتعل حريق في البيت الذي تسكنه، ان تبقى في البيت لانها لا تملك بيتا تنتقل اليه اقول لهم اننا سنفاجئهم بالانتقال الى بيت اكثر جمالا وبهاء واناقة من البيت القديم الذي حبسنا فيه النظام الانقلابي، بيت يستجيب لكل امال واحلام الانسان في الحياة الهانئة الراقية الحضارية، بيت يدخله الهواء النقي والشمس وقد حرمنا منهما نظام القمع والقهر وكبت الحريات، ويضوع فيه اريج الورود وتجري من تحت جنائنه الانهار بعد ان احال النظام ليبيا الى يباب هذا ما اقوله عن مستقبل ليبيا الذي اراه سيتحقق قريبا جدا باذن الله وكما قلت سابقا فان النظام الانقلابي الارهابي الدموي ينتمي الى الماضي ونظام الثورة المجيدة الجديدة ينتمي الى المستقبلى الزاهر المبهر.
لقد كان شعار العهد الانقلابي انتصرت الخيمة على القصر، تمجيدا لخيمة كانت رمزا للتخلف والجهل والقمع ولم نر منها الا البؤس والظلام، وهي خيمة مقطوعة الصلة بخيمة الكرم والبطولة والمجد التي تعرفها بيوتات البادية ذات الاصل والحسب والنسب واهل البطولة والفداء، ومع ذلك فنحن نريد ان ننتسب الى عصر جديد عصر ينتمي الى الحضارة الحديثة التي يشهدها العالم، وكما كل الثورات التي انطلقت في العالم العربي بداها شباب عصريون ينتسبون الى عالم التقنية الرقمية ويجيدون استخدامها وبداوا بها ثورتهم ضد الاستبداد بمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر، اما القصر الذي يقول انه انتصر عليه فلم يكن اطلاقا قصر فساد وعهر كما كانت خيمته وانما قصر رجل زاهد بسيط في سلوكه متواضع كريم في اخلاقه هو الملك ادريس السنوسي اذن فسنقول للخيمة القذافي وناقته اذهب انت وناقتك وخيمتك الى حيث القت
ومرحبا بقصر سنشيده بعد الان قصرا للفكر والثقافة والجمال الانساني والخير والبهاء.
نعم مرحبا بقصر جديد ينتمي الى العصر، ومجهز بامكانيات الثقافة الحديثة وسيكون فيه مكان متميز لمواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في الاطاحة بنظام القذافي مثل الفيس بك وتوتيروصحف الانترنيت الخاصة مثل البلوج والعامة المفتوحة لمساهمات الكتاب الذين شاركوا في تاجيج لهيب الثورة. والمجد للشهداء والخزي والعار لجلاوزة النظام وعملائه والمرتزقة من عساكر وشرطة.

[email protected]