اتبث النظام الرئاسي الذي يتولى فيه رئيس الجمهورية المنصب الاول والاكبر في الدولة مخولا باقوى الصلاحيات الدستورية لادارة البلاد بما في ذلك حل البرلمانات، انه منصب يمثل حاضنة للدكتاتوريات ومربيا للطغاة، خاصة في التجربة المرة الحزينة المؤلمة التي عاشتها الاقطار العربية مع هذا النظام، لان الرئيس في مثل هذا النظام سرعان ما يتحول الى طاغية، حتى لو بدا هذا الرئيس بطلا من ابطال تحرير البلاد وقائدا لجهادها ومساهما في تحريرها من ربقة الاستعمار، كما هو الحال مع المجاهد الاكبر في تونس الحبيب بورقيبة، الذي جاء الى سدة الرئاسة بتفويض شعبي استحقه عن جدارة بسبب سجله في ميادين الكفاح، الا انه ما ان تقدم به العهد في منصب الرئيس، حتى تحول الى رجل اشبه بالمؤله الذي تصير كلمته قانونا، ويصبح وجوده، باعتباره انسانا مؤلها، صنوا لاله يطلب من افراد شعبه ان يكونوا عبيدا له وليسوا مواطنين يتمتعون بحق المواطنة، كما يصبح وجوده كاله ممسوخ، وجودا مؤبدا في مقعد الرئيس، ومثل ذلك حصل لرجل اخر جاء بتفويض شعبي لانه اطاح من خلال حركة عسكرية بنظام ملكي فاسد عميل وجابه وجودا عسكريا اجنبيا يجثم على صدر البلاد هو الرئيس جمال عبد الناصر الذي تحول هو ايضا من قائد ثوري شعبي الى اشبه بالاسطورة وحكم بلاده من خلال موقع الزعيم الخالد الذي لا راد لكلمته التي تصبح بالضرورة قانونا وقراره الذي يصبح سهما نافذا حتى لو اتصل الامر بقص اعناق المواطنين، ويمنح نفسه سلطانا مطلقا يتحول الى فساد مطلق كما كان الحال، وقت وقوع النكسة عندما غاب القانون، او حسب القول الذي يقوله اركان حكمه وهو ان القانون في اجازة لانه لا كلمة فوق كلمة الزعيم الملهم الخالد،ويصبح لاجهزة امن الرئيس ومخابراته الكلمة العليا في البلاد فوق كلمة الحكماء والمفكرين واهل العلم والمعرفة الذين غالبا ما يقادون الى السجون ويلقون حتوفهم فيها تعذيبا وترويعا كما حدث مع شهيد التعذيب شهدي عطية، ولا يموت الرئيس الا وهو فوق سدة الحكم حتى لو كان سببا لاكبر كارثة مثل النكسة التي تركت نصف الارض المصرية تحت الاحتلال، ويرثه بعد ذلك رئيس من ازلامه مثل السادات الذي مات قتيلا فوق منصة الحكم، ليسلم الحكم للرئيس حسني مبارك الذي ما زال بعد ثلاثين عاما في الحكم يرفض الخروج منه رغم مئات الضحايا من ابناء شعبه الذين سقطوا يطالبون برحيله عن منصب الرئيس، وينسحب هذا القول على زعماء خرجوا من عباءة النضال التحرري مثل الثورة الجزائرية الجبارة، فاذا بقادة هذه الثورة يتحولون الى طغاة كما حدث مع الرئيس ابومدين الذي جاء بانقلاب على زميله بن بلة، بعد اتهامة بالطغيان والتسلط، فاذا به بعد اعوام قليلة من حكمه يصبح اكثر طغيانا وتسلطا من سلفه، ولا يموت الا وهوفوق سدة الحكم، وينتهي منصب الرئيس، في نهاية المطاف الى وزير خارجيته ووزير خارجية الرئيس السابق له، عضو جبهة التحرير المناضل ابو تفليقه الذي لم يشأ بعد دورتين في منصب الرئيس الا ان يعبث بالدستور من خلال هياكل تشريعية كرتونية للنظام واستفتاء باطل عاطل زائف، ويامر بتغييره بعد ان تحدد وتحقق مكسب دورتين للرئيس كما في الدول المتحضرة، وينجح في الاطاحة بهذه المادة التي تحد من الطغيان والدكتاتورية، ليتيح لنفسه ان يبقى مؤبدا في المنصب وليصبح هو ايضا مثل اسلافه طاغية وديكتاتورا رغم ماضيه النضالي المشرف، ويمكن طبعا ان اطوف بكل جمهوريات الوطن العربي فلا اجد اي استثناء بل اجد ما هو اكثر فظاعة ومقتا، مثل عراق صدام، او سوريا حافظ الاسد رحمه الله، الذي وضع شعارا يقرأه الناس على بوابات الدخول الى البلاد تقول كلماته quot;حافظ الاسد الى الابدquot; وقد سخرت مرة من هذه المقولة في في واحد من مقالاتي قائلا انها مقولة لا تستقيم مع نواميس الحياة فلا وجود لانسان يبقى الى الابد لان هذا حكر على الله سبحانه وتعالي ولا ينطبق على البشر الفانين من عباده، فكيف يضع نظام الاسد مثل هذا الشعار الذي يعرف انه شعار مناقض لسنن الحياة وقوانينها الازلية، ولكن الايام كما قلت في ذلك المقال، اتبثت ان كلام الشعار كلام حقيقي فرغم موت الاسد وهو في سدة الرئاسة فقد جلس في مكانه الاسد الابن، الذي ازدان بيته بمولود ذكر اسماه حافظ الاسد، يقوم باعداده ليكون بعد عمر طويل للاب، حافظ الاسد الذي يجلس على سدة الرئاسة تحقيقا للمقولة الرائعة الجميلة حافظ الاسد الى الابد.
هذا هو النظام الرئاسي في العالم العربي الذي نذر ان نجد استثناء واحدا يقول انه لم يتحول الى حاضنة للطغاة، والى مهد للرؤساء المؤلهين الدائمين المؤبدين في مناصبهم حتى الممات، بل يطمحون في استمرار وجودهم وحكمهم لبلادهم من وراء القبور، وحيث ان الوطن العربي يعيش الان في فترة انزياح الظلام والدخول في عصر تنويري اضاءه جسد قديس الثورة الشهيد محمد البوعزيزى، وصار الحديث دائرا حول تحرير دساتير جديدة او تعديل المواد القديمة بمواد اكثر مواءمة للعصر، فانني اريد ان اتوجه باقتراح، لا ادعي الفضل في ملكيته لي، ولكنني اقتبسته من اقوال صدرت عن جماهير الثورة التونسية التي اقتلعت الديكتاتور الطاغية السيد زين الدين بن على والتطويح به بعيدا خارج الحكم وخارج البلاد، وهذه الاقوال كانت تطالب باستبدال النظام الرئاسي بنظام برلماني لا يكون للرئيس فيه اي دور في اصدار القرارات والتمتع بالصلاحيات الا دور الرئيس البروتوكولي الرمزي الذي لا يتعدى اعتباره رمزا لوحدة البلاد، يستقبل الرؤساء ويؤدي عملا اشبه بالعمل الخيرى الذي نرى ملوك وملكات اوروبا يقومون به او رؤساء الجمهوريات في الهند او اسرائيل او غيرها من دول تعتمد انظمة عصرية حققت من خلالها النهوض والنماء بل والانتصار في معاركها وتحدياتها.
ويكون الحكم بمعناه التنفيذي لارادة الناس ووضع السياسات من اختصاص مجلس وزراء ورئيس مجلس وزراء خاضعين للبرلمان، هو الذي يقوم بتعيينهم في هذه المواقع وهو الذي يستطيع استبدالهم او تتبيثهم في مناصبهم اذا فازوا بثقة ممثلي الشعب ولا يبقى على الرئيس الا اصدار قرار التعيين او التعديل او الاقالة وفقا لارادة البرلمان وبهذه الطريقة فلن تكون هناك فرصة لنمو الطاغية ولا وجود لحيز يتمدد فيه شمالا ويمينا وطولا وعرضا لانه سيصطدم بجدران وسقوف وارضيات يقيمها برلمان من مئات الممثلين للشعب يعترضون طريقه في كل الاتجاهات لهم الكلمة العليا فوق كلمته وليس مثل النظام الرئاسي الذي يحل فيه الرئيس البرلمان وياتي باعوانه وزبانيته يحتلون هذه المواقع ليصبح تمثيلهم للشعب زائفا ومجلسهم مجرد هيكل كرتوني كما هي المجالس التشريعية والبرلمانية في عهود صدام او عبد الناصر او السادات او حسني مبارك او بن بله او بومدين او بوتفليقه او بورقيبة او زين الدين بن علي او على عبد الله صالح او عمر البشيراو حافظ الاسد او بشار الاسد او غيرهم من طغاة ميتين او احياء حان موعد رحيلهم باذن الله وبفضل الشرارة التي اطلقها قديس الثورة الشهيد البوعزيزي رضوان الله على روحه الطاهرة.
نعم، سحقا للنظام الرئاسي الذي اذاق شعوبنا ويلات الطغيان والفساد وتسلط الحاكم الظالم المستبد الذي تنطبق عليه مقولة السلطة المطلقة فساد مطلق لانه ظل يعيش فوق المحاسبة وفوق القانون ونحن نريد بعد هذه الثورة عهدا جديدا لا وجود فيه للرؤساء المؤلهين المؤبدين الجالسين فوق جبال من جماجم مواطنيهم وعائشين فوق المحاسبة والقانون، نريد بشرا مثلنا تحكمهم نفس القوانين التي تحكمنا، ويخضعون للمحاسبة التي يخضع لها اي مواطن يخطيء او يقوم بعمل يخالف القانون، كما هو الحال مع حكام اوروبا الذين نراهم يقفون امام نيابة المرور لان شرطيا اوقفهم وهم يقودون سياراتهم بسرعة اكبر من السرعة التي يحددها القانون فيدفعون مثل مواطنيهم المخالفات او يتعرضون مثلهم لسحب الرخصة لعام او عدة اعوام دون ان يقدر هذا الوزير او رئيس الوزراء او الرئيس او الامير ان يفعل شيئا لذلك الشرطي الذي حرر له المخالفة واجبره على دفعها امام نيابة المرور، وتصوروا امرا كهذا حدث مع مسئول او حاكم عربي، ولن استغرب ولن يستغرب احد منكم اذا اخرج هذا الرئيس اوابن هذا الرئيس او هذا الوزير او ابن هذا الوزير مسدسا واطلق عياراته في صدر هذا الشرطي الذي اوقفه وحرر له المخالفة، دون ان يجد من يحاسبه او يطالب باحضاره للقضاء، وحمدا لله ان شرطي المرور في بلادنا يعرف حدوده ولا يصل الى حد استفزاز المسئول العربي او ابن المسئول العربي بان يطلق عليه الرصاص.
نعم للنظام البرلماني، ولنقل جميعا، في كل اقطارنا العربية، وداعا لعصر الالهة الحكام، واهلا بعصر حكام من الشعب، بشر من لحم ودم، يخضعون للقانون والمحاسبة مثلهم مثل بقية المواطنين ولا اقول وداعا لعهد السلطة المطلقة للرئيس، بل اقول سحقا لتلك السلطة في الوطن العربي ولتذهب ملعونة الى المكان الذي يناسبها في مزبلة التاريخ.
- آخر تحديث :
التعليقات