والغرب المتوحش او The wild west تعبير يطلق على مناطق من امريكا في القرن التاسع عشر كان يدور فيها الصراع الذي صورته افلام الويسترين ،بين اهل امريكا القدامي الهنود البحر وبين الزاحفين البيض القادمين من اوروبا لاستيطانها ، حيث لا قانون الا قانون القوة نهبا واغتصابا ، وهو الاسم الذي اريد استعارته لاصف به بلدان الغرب بحكوماتها وسياساتها ومؤسساتها ، واقول مستدركا ان الغرب كما نعرف ونعترف له هو صانع حضارة العصر الحديث ،وهو صاحب الفضل في الوصول بالعلم والتكنالوجيا في عالم اليوم الى هذه المشارف العالية وهذه الفتوحات المبهرة التي تنعم بثمارها الاسرة الانسانية في كل بقاع الارض ، الا ان هذا الغرب الحضاري له للاسف الشديد جانب متوحش ، بدأ كما نعرف باختراع الظاهرة الاستعمارية بكل ما رافقها من بشاعات ، ووصل في المرحلة الراهنة الى احتضان انظمة بشعة في طغيانها واجرامها ضد شعوبها كان احداها دون شك نظام الديكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي ، الذي اسهم الغرب في تمكينه من الاستيلاء على السلطة وساعده في الاحتفاظ بها بمنطق القوة والقمع والاستبداد والفساد والاجرام حتى اسقطه الشعب ، بمثل ما فعلوا قبله مع عميلهم سفاح العراق الديكتاتور الذي كان مصاصا للدماء صدام حسين ، وهو ايضا جاءوا به الى الحكم وحافظوا عليه في السلطة وتمكنوا عن طريقه من تدمير العراق وتصفية كوادره وقتل الملايين من افراد شعبه ، بعضهم باستعمال قنابل النابالم ، ثم استنفذ اغراضه فاستخدموا الاطاحة به سبيلا لمزيد من التدمير والقتل وسحق ومحق فرص التقدم والحياة في موئل حضارة ما بين النهرين ومدينته عاصمة الحضارة العربية الاسلامية بكل ما تعنية رمزية المكان من المعاني والدلالات . ولست هنا في مقام الشرح للاهداف والابعاد وراء هذه الجرائم المتكررة التي ارتكبها الغرب المتوحش ضد اقطارنا العربية ، ومعاقبة شعوبنا بهؤلاء الطغاة المجرمين من مجانين الحكم والتسلط ، ولكنني في اطار الحديث عن هذه الثورة التونسية العبقرية ، التي كانت انجازا خالصا لهذا الشعب العربي ، بريئة من كل الاجندات المشبوهة والمخططات الخارجية ، وحسابات الاحزاب والمذاهب والطوائف والعشائر والجهويات والايدولوجيات التي تضع كلها مصلحة اصحابها فوق مصلحة الشعب ، وبسبب هذا النقاء والعفوية والبراءة ، استطاعت هذه الثورة ان تفرض منطقها وان تجعل القوى التي ساندت وحرست نظام الطاغية واسهمت في تمكنيه من السلطة ، هي نفسها تتخلى عنه ، وتهرع الى الجانب الظافر المنتصر على الاستبداد والقمع ، وهو جانب الشعب التونسي ، واعلنت انضمامها له ، لانها تعرف انها لا تنضم لاجندة خارجية او داخلية ولا لايدولوجية سياسية او دينية لحساب فئة من الناس ، وانما هي ثورة شعب تشعر هذه القوى العسكرية والامنية التونسية ، انه مهما كان تاريخها في خدمة الطاغية ، فهي جزء من هذا الشعب
وهي في لحظات الفرز الحقيقى والتاريخي لا يمكن ان تتحيز ضده مع الجانب الذي يطلق عليها النار ، لانها عندما تفعل ذلك انما تطلق النار على نفسها ، وكان لابد فيما بعد ، وقد اصبح الديكتاتور محاصرا باطواق اللهب الشعبي ، معزولاعن الادوات التي كان يطمع في استخدامها بالبطش والتنكيل والحماية لعرشه ، كان لابد ان تنتبه الاطراف الغربية التي ساعدته وناصرته وامدته بالعون المادي والمعنوي ليمارس حكمه وقهره وتسلطه على شعبه ، وان تدرك ان رهانها على هذا الحصان قد سقط ، وانه صار حصانا خاسرا لن يلبث ان يفر مذعورا قبل ان تلتهمه نيران القصاص والعدل التي انطلقت شرارتها الاولى من جسد قديس من قديسي الثورة الشعبية اسمه محمد البوعزازي ، فكان لابد ان تهرع هذه القوى الغربية برؤاسائها واركان حكمها لاعلان موقفها المؤيد للثورة ، متخلية عن عميلها وخادمها الديكتاتور ، لتتحقق حكمة شاعر تونس الخالد ، ابو القاسم الشابي التي اصبحت شعارا للمرحلة ، عندما قال quot;اذا الشعب يوما اراد الحياة ، فلابد ان يستجيب القدرquot; وهو سطر شعري جلب عليه نقمة بعض الشيوخ عندما اعتبروه يمس الذات الالهية التي لا يعلو عليها شيء بشري ، ونسوا ان الشابي اقتبس بيته من قول الله نفسه الذي جاء فيه quot;ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم quot; وهو ما جاء الشعب يقدم له تفسيرا وشرحا بافعاله وتضحياته اكثر مما يعرفه فقهاء السلاطين ومؤسسو الشريعة المعادية للشريعة الحقة التي استجابت لهوى السلاطين وجعلتهم الهة ممسوخة واصناما تجعل من نفسها بديلا لخالق الكون، وانتصر ابداع الشعب الذي عرف كيف يفهم مقولة شاعره ويمضى بها الى ابعاد جديدة ويضيف اليها فهما جديدة لان ارادة الشعب التي استجاب لها القدر ، استجاب لها في ذات الوقت اعداء الحياة واعداء الشعوب في الغرب المتوحش ، الذين جاءوا مرغمين لتأييد ارادة الحياة التي اعلنها الشعب التونسي ، ليصبح من حقنا ان نقول ان الشعب اذا اراد الحياة فلابد ان يستجيب البيت الابيض ولا بد ان يستجيب الاليزيه ولابد ان يستجيب البنتاجون ولابد ان تستجيب وكالات الاستخبارات المركزية واخواتها الغربية ولابد ان يستجيب رقم عشرة داونينج ستريت ، ويخرج رئيس المنظومة الغربية نفسه السيد باراك اوباما يبارك الثورة ويحي شجاعة الشجعان ويسحب غطاء الحماية والرعاية من عميل دولته الديكتاتور الذي جاء من الظلام وعاد الى الظلام ، ملاحقا بلعنات الضحايا من ابناء شعبه العزيز النبيل ورضوان الله على الشهدا