اذا كان الانجاز الاساسي للثورة الشعبية التي تفجرت في تونس هو اسقاط النظام البوليسي القمعي للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفتح الافاق امام اقامة نظام ديمقراطي يحترم الحريات الخاصة والعامة ويصون المال العام من السرقات والفساد ويفي بالتزاماته نحو توفير العيش الكريم للمواطن التونسي واحترام حقوقه وحرماته التي كان ينتهكها النظام السابق، فان هناك انجازا اخر لا يقل اهمية عن هذا الانجاز هو اسقاط المقولة الكاذبة الباطلة التي كان يتعيش عليها النظام السابق وتتعيش عليها انظمة قمعية اخرى في البلاد العربية والاسلامية وهو ان البديل للنظام القمعي البوليسي الفاسد هو الاصولية الاسلامية التي يرتعب منها الغرب ويخشاها العالم لما قامت وتقوم باقترافه من اعمال العنف والارهاب وسفك دماء الاحرار، مما جعل نظام زين الدين بن علي، برغم اقتناع دول الغرب بفساده ووفساد وسائله في الحكم التي تسوغ استخدام القمع وارهاب المواطنين، يقبلون به ويدعمون وجوده ويوفرون له الحماية والرعاية باعتباره النظام الذي يمنع زحف الاوصولية الاسلامية من الوصول للحكم، الا ان الثورة الشعبية التي اندلعت، برغم دعم الغرب لنظام الرئيس التونسي المعزول، بعفوية وصدق وبراءة من كل الايعازات والتدخلات، ونجحت في اقتلاع النظام الديكتاتوري الفاسد من جذوره، وتهديم كل الاسوار والجدران الخارجية التي كانت تقيمها الدول الغربية لحمايته وتقويته على ابناء شعبه، فاجأت هذه الانظمة الغربية الداعمة لبن علي واسفطت مقولة الزحف الاصولي على الحكم بعد انهيار النظام السابق، فاذا بهذه الانظمة الغربية تهرع للترحيب بالثورة ونتائجها وتدين الممارسات القمعية المعادية للحريات وحقوق الانسان التي كان يرتكبها النظام السابق، فقد اكتشفت حقيقة الموقف، حقيقة انه لا يد للاسلام السياسي معتدلا او متطرفا في تحريك هذه الثورة العبقرية التي انطلقت من اعماق المعاناة والمرارة والالام التي عانى منها الشعب التونسي تحت وطأة نظام تميز بالقسوة ضد شعبه، والاحتقار لمواطنيه، والاعتماد على الاجهزة البوليسية القمعية واساليبها الوحشية في معاملة المواطنين والانتقام من المعارضين وتزوير حقيقة الحكم باجهزة كارتونية زائفة تسميها مجالس تشريعية وبرلمان ومجالس بلدية وانتخابات رئاسية كاذبة مزيفة بدليل ان هذا الرئيس الذي لم نسمع كلمة واحدة تنطلق لصالحه من افواه مواطنيه حصل في اخر انتخابات لتجديد الرئاسة لفترته الرابعة على خمسة وتمانين في المائة من اصوات الناخبين، وهي طبعا نتيجة كاذبة بطالة مزورة فاين هذه الجموع التي انتخبته من هذه الحشود التي انطلقت من المدن والقرى تدفع ضريبة الدم وتضحي بالارواح وتواجه بصدور عارية قمع الشرطة، اين هذه الجموع التي طالبت باعادة انتخابه اذا كانت هذه الانتخابات صادقة نزيهة، انها دون شك، انتخابات زائفة ومؤسسات زائفة وحكم زائف عاش بالقمع والارهاب ولم يكن ممكنا الا ان ينهار ويسقط بعمل شعبي مضاد مهما كانت قوته وزخمه وعنفه فلم يكن ممكنا الا ان يكون مع الحق ومع المستقبل ومع الصدق ومع الحرية والكرامة والغد الافضل للشعب التونسي العظيم، الذي برهن انه جدير بان يعيش حرا كريما موفور العزة والمنعة متمتعا بخيرات بلده تونس الخضراء.
لا عودة الى الوراء ولا رجوع عن تحقيق مطالب الشعب في كل ما رفعه من مطالب ترضي طموحه في ان يعيش حياة تليق بانسان القرن الواحد والعشرين، ولا عذر لاي شعب عربي اخر يرضى بحياة المهانة والمذلة التي يريدها له حكام على شاكلة الزين المخلوع الذي ذهب غير ماسوف عليه الى مزبلة التاريخ.

[email protected]