خطب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لثالث مرة في شعبه المنتفض منذ أربعة أسابيع، و قد جاء خطابه الثالث مختلف تماما في لهجته ومضمونه ونبرته عن الخطابين الأولين، حيث خلا من أي تهديد أو وعيد، و جاء محملا بوعود سياسية، وبلسان عامي فصيح، و قد مثل برأيي أول خطاب سياسي صرف يلقيه منذ بيان 7 نوفمبر 1987، إد كانت أغلب خطاباته السابقة دات حمولة تكنقراطية إدارية.
و كان الكاتب قد وجه سابقا مجموعة سبعة رسائل إلى الرئيس بن علي في مقال نشر قبل أيام تحت عنوان quot;رسائل بوزيد إلى الرئيس بن عليquot;، أحسب أن خطاب 13 يناير 2011، قد تبنى عددا كبيرا من مطالبها، و كل الأمل معلق على أن تتبنى الإجراءات التي ستتخذ خلال قادم الأيام البقية الباقية منها، وهي عموما مطالب الحركة الديمقراطية والاجتماعية، التي يجب أن يعمل النظام التونسي على كسب ثقتها والتعاون معها لوضع تونس تطبيقيا في الاتجاه الصحيح.
و الرأي أنه لن يكون أمام الرئيس بن علي خلال السنوات الثلاث القادمة إلا خياران، أولهما أن يساهم ويشرف بنفسه على قيادة حركة انتقال ديمقراطي تنقل بلاده من وضعها الحالي إلى نادي الدول الديمقراطية ذات المصداقية، فيسجل إسمه بأحرف من ذهب في السجل التاريخي لبلاده، وينعم بتقاعد مريح بعد انقضاء فترته الرئاسية الراهنة، على غرار رؤساء وزعماء من أمثال الماليزي ماهتير محمد أو السينغالي عبدو ضيوف أو النيجيري أباسنجو، وثانيهما أن يسير بنفسه وبلاده في طريق المجهول فتأكل سنواته العجاف الخصبة منها و تطارده كوابيس الشهداء الذين سقطوا إلى آخر عمره.
و نصيحة العاقل إليه أن يبادر لتحقيق ثقة سريعة من شعبه بوعوده، إلى تكليف أحد خصومه السياسيين برئاسة حكومة انتقالية تشرف على انتخابات برلمانية ذات مصداقية تفرز لتونس أول برلمان حقيقي في تاريخها المعاصر، كمثل الأستاذ أحمد نجيب الشابي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي يتمتع حقا بكفاءة رجل الدولة و بمصداقية كبيرة لدى المعارضة و المجتمع المدني، وهو أبعد ما يكون عن الشخصنة وأقرب ما يكون إلى الواقعية والعقلانية، ويعفي الرجل الطيب الذي يقود الحكومة الحالية الأستاذ محمد الغنوشي الدي يستحق تقاعدا مريحا بعد سيرة حافلة بالعطاء للدولة. وقد سبق للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أن نجح أيما نجاح عندما كلف خصمه اللدود عبد الرحمن اليوسفي برئاسة حكومة الانتقال الديمقراطي.
كما هي الدعوة إلى أن يترك الرئيس بن علي حزب الدستور الحاكم لمصيره، بعد أن أبدت جموع الجماهير الغاضبة مقتها لاحتكار هذا الحزب السلطة لمدة تقارب الستين عاما. و إن العارف بالشأن التونسي لمدرك أن هذا الحزب لن يضيع في خضم السياسة، وأنه سرعان ما سيرمم نفسه وايديولوجيته و وسائل عمله بعيدا عن الاعتماد على إسناد مؤسسات الدولة ودعمها، وسيعرف كيف يجد طريقه إلى أن يكون حزبا ديمقراطيا معتزا بتاريخه كحزب للحركة الوطنية وقائد لمسيرة الدولة المستقلة وكعضو جديد في نادي الأحزاب الديمقراطية والحالة التعددية التونسية.
و إن الحذر كله أن لا تتحقق وعود الرئيس بن علي لشعبه، فقد أعطى الشعب التونسي دروسا في الذكاء السياسي والاجتماعي، وضرب مئات الأدلة على أنه لن يكون قابلا للخديعة أو القبول بالتراجع والعودة إلى أساليب الحكم الماضية، و أنه سيكون على استعداد للعودة مجددا إلى الشارع من أجل الدفاع عن حرياته وكرامته.
و لا شك أن الرئيس بن علي سيكون مطالبا بإبداء المزيد من التطمينات، عبر إتخاذ إجراءات من قبيل إصدار عفو تشريعي عام على سجناء الرأي والسياسة، وتمتيع القضاء بقدر كامل من الاستقلالية، و تطهير بطانته بشكل كل من عناصر النفاق السياسي والتصلب و الشر، و إبعاد عائلته عن أي شبهات فساد أو تدخل في الحياة السياسية، و التحرر من المشاعر التي ترى في الديمقراطية إضعافا لهيبة الرئيس والدولة.
لقد عبر الرئيس بن علي عن فهمه لحركة شعبه الطموح، وتبقى سيرته في الأيام القادمة خير حاكم على صدق توجهه في وضع بلاده في الاتجاه الصحيح..اتجاه الحرية والديمقراطية والتنمية الشاملة ذات المصداقية,

كاتب و إعلامي تونسي