تستعد الحكومة التونسية آخر هذا الشهر سبتمبر/أيلول، لإجراء جولة مفاوضات جديدة مع الاتحاد الأوربي، هدفها تمكين تونس من صفة quot;الشريك المتقدمquot; لأوربا، وتطوير العلاقات بين الجانبين التونسي والأوربي خطوة أخرى إلى الأمام، بعد أن كانا قد وقعا خلال عقد التسعينيات على اتفاقية شراكة اقتصادية نموذجية.
ما دفعني إلى طرق هذا الموضوع، هو المساعي التي تبذلها بعض أطراف المعارضة التونسية لإضعاف موقف حكومتها، وعمليا عرقلة محاولات بلادها لنيل صفة اقليمية ودولية قد تجلب مزيدا من المصالح لاقتصادها وشعبها، وحجتها في ذلك عدم التزام النظام التونسي بمعايير أوربية تتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة.
و بالقدر الذي يعنيني فيه تطور تونس في هذين المجالين الحيويين، أي حقوق الإنسان والحريات العامة، فإنه تعنيني أيضا قدرة التونسيين على التفريق بين المصالح الوطنية لبلدهم باعتبارها مصلحة عامة، و مصالح النظام الحاكم باعتبارها في بعض الأحيان مصالح حزبية أو فئوية ضيقة، و أمر الشراكة التونسية الأوربية ndash; كما أحسب هذا رأي كل عاقل أيضا- مصلحة وطنية حيوية كبرى لا يجوز تعريضها للخطر أو المس بها، من باب مناكفة النظام أو التنغيص عليه، خصوصا إذا ما وضع في النظر طبيعة الاقتصاد التونسي وتعويله الكبير على مثل هذه الشراكات الاستراتيجية، لكونه اقتصادا انتاجيا وليس ريعيا كما يعرف الجميع.
إنني استغرب بشدة مفهوم quot;المعارضةquot; لدى بعض الأشخاص والأحزاب والهيئات التونسية، ممن تحولت الخصومة لديهم مع نظام بلادهم إلى خصومة مع بلادهم نفسها، فهم يحزنون لكل إنجاز يشهده البلد كما يغيضهم كل ترتيب متقدم في سلم التنمية الدولي يدركه وطنهم، والمطلوب برأيهم لتكون quot;وطنيا مخلصاquot; و quot;ديمقراطيا حقيقياquot; وquot;حقوقيا صادقاquot;، أن تلعن بلادك من على كل منبر و تكذب كل خبر إيجابي عنها وتهول كل نقيصة فيها وتؤمن بأن النظام الحاكم فيها هو الشيطان بعينه و أن المعارضة المقتصرة عليهم ملائكة لا هوى ينازع أنفسهم أو مصلحة ضيقة تحركهم.
و تقديري أن هذا النوع من المعارضة السوداء المعتمة، يحمل بين طياته مشروعا سياسيا أخطر ما يكون على المستقبل، فأنا من الذين يعتقدون بأن المعارضة هي جزء من الحكم حتى وإن لم يعترف الحكم بذلك، و أن خطابها عامل مهم في صناعة المستقبل وكسر حالة الاستقطاب والثنائية، بشرط انبنائه على أسس من النسبية والموضوعية والعقلانية والوطنية إزاء الذات والآخر..
يجب أن يعمل الجميع حكما ومعارضة، على أن تحرز تونس هذه الصفة، صفة الشريك المتقدم لأوربا، و أن لا نفرح بتقرير أوربي انتقد الحكومة التونسية في آدائها الحقوقي، فهناك من الأوربيين من لا يرغب في أن تكون تونس شريكا لأوربا، لا غيرة على حقوق الإنسان إنما لاعتبارات أخرى غير خافية، قد تكون العنصرية و اليمينية المتطرفة بعضا منها.

كاتب تونسي