الحب الزائد عن حده كما الكراهية الزائدة عن حدها، كلاهما أعمى في رأيي ومصدر للتعصب والانغلاق على الذات واحتكار الحقيقة. وإذا كانت حركات الإسلام السياسي المتهمة باستغلال الدين لأغراض دنيوية، قد انطلقت في طرح مشاريعها على الناس من منطلق quot;الغيرةquot; المفرطة على الإسلام، أي الحب الزائد له، فإن خيرت فيلدرز اليميني الهولندي المتطرف مغرق كما أرى في استغلال الإسلام لأغراض دنيوية، منطلقا في طرح مشاريعه على الناس أيضا من الإسلام، لكن من باب quot;النقمةquot; الشديدة عليه.
إن بحث المهتم عن توصيف لحركة فيلدرز السياسية، لن يجد نعتا أفضل من كونها حركة إسلام سياسي معاصرة، ليس لها من شعار سوى أن quot;الإسلام هو المشكلةquot;، بدلا من شعار الحركات الإسلامية المعروف quot;الإسلام هو الحلquot;.
وكما يجب أن ترجع كل مصيبة تمس المجتمعات الإسلامية إلى بعد الناس عن الإسلام بحسب خطاب الإسلاميين، فإن خطاب فيلدرز المتكرر و quot;فتنتهquot; المحياة باستمرار، تعيد كل مصيبة كذلك إلى هذا الدين، البطالة والركود الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة..إلخ، ولكن بسبب حضور الإسلام واقترابه من الهولنديين.
وبالقدر الذي يفسر فيه المحللون شعبية الحركات الإسلامية بفعالية لفظ quot;الإسلامquot; في الواقع، فإنه لا تفسير لشعبية حركة quot;فيلدرزquot; إلا فعالية لفظ الإسلام أيضا، فقد خاض الرجل الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بسدس مقاعد البرلمان الهولندي على أساس شعار واحد هو quot;ضد الأسلمةquot;، أي أسلمة المجتمع الهولندي (وليس التونسي أو المصري أو السعودي!!)، في حين لم تمتلك حركات الإسلام السياسي طيلة تاريخها البالغ قرنا، سوى شعار واحد هو العمل من أجل quot;الأسلمةquot;.
و لا شك أنه لو أجاب فيلدرز عن الكلمة السحرية التي فتحت له أبواب السياسة والبرلمان، و في غضون أيام الحكومة ربما، فلن تعدو إجابته أن تكون quot;إنها الإسلامquot;، ولهذا فهو لا يتردد في إخراج ورقته الرابحة من جرابه الخاوية من أي برامج تغيير ملموسة، كلما شعر بأن الأضواء قد ابتعدت أو الناس قد نسوا، تماما كما يطل الشيخ بن لادن أو الدكتور الظواهري من على شاشة الجزيرة الغراء بورقتهم الرابحة نفسها، ليذكروا بأن أضواءهم لا تنطفئ و صورهم لا تنسى مادام في الإسلام جاذبية.
الرأي عندي أن فيلدرز quot;إسلاميquot; بمعنى من المعاني، لأن quot;الإسلاميquot; صفة سياسية أو quot;سياسويةquot; تحيل إلى استغلال الإسلام في تحقيق مآرب سياسية، في مقابل لفظ quot;مسلمquot; الذي يحمل الصفة الدينية ويشير إلى اعتناق صاحبه العقيدة المحمدية..والله أعلم.
* كاتب تونسي
التعليقات