على الرغم من أن المسلمين هم الحلقة الأضعف في الحياة العامة الهولندية، إلا أن الجدل حول قضاياهم يعد الأكثر صخبا، بل لا يستبعد أن يشكل الموقف منهم العامل الحاسم في نتائج الانتخابات المحلية التي ستجري يوم الاربعاء 3 مارس 2010، وكذا الانتخابات البرلمانية التي ستشهدها الأراضي المنخفضة ثلاثة أشهر بعد ذلك.
حزب الحرية، أو بالأحرى حزب الزعيم اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، لا يمتلك في برنامجه غير نقطة واحدة رئيسية هي quot;معاداة الإسلامquot;، وهي كفيلة بأن تجعله مثلما هو متوقع القوة السياسية الثانية في البلاد، إن لم يحتل المكانة الأولى، ففجأة أصبح عدد كبير من الهولنديين يعتقدون بكل بساطة أن سبب مشاكلهم جميعا هو وجود المسلمين في حياتهم، فقد كانوا أسعد الناس قبل وصولهم، وأصبحوا أشقياء بظهورهم، و لا متنفس ممكن لهم إلا بالعمل على طردهم، أو على الأقل تحويلهم عن دينهم.
المسلمون في هولندا لا يشكلون إلا مليونا واحدا من ستة عشرة مليونا هم ساكنة هولندا، أربعة أخماسهم لا يصلون، و نصفهم علمانيون. هم خليط عجيب غريب من القوميات والطوائف و الأجناس والأجيال والألسن والأعراق، مثلما هم الأكثر انقساما بين كافة الجماعات الدينية، والأفقر اقتصاديا والأبأس اجتماعيا والأقل نشاطا فكريا وثقافيا، ومع ذلك فإنهم يشكلون بنظر اليمين الهولندي المتشدد الخطر الداهم على البلاد والعباد، لكونهم سيشكلون الأكثرية السكانية في المدى المنظور، وسيعملون على تطبيق الشريعة، التي هي نقيض الحرية والديمقراطية مثلما يزعمون.
البطالة والاكتضاض الدائم للطرق السيارة والركود الذي جلبته الأزمة الاقتصادية العالمية وغلاء المعيشة والزيادة المضطردة في رسوم التأمين الصحي وتراجع مستوى الخدمة في المؤسسات التعليمية والصحية وسعي الحكومة إلى ترحيل سن التقاعد إلى غاية 67 عاما، وسواها من القضايا الهامة المؤثرة سلبا على مستوى رفاهية الهولندي العادي، لا تستحق جميعها عناية الناخب، بقدر ما تثيره رؤية تصرفات شبان من أصل مغربي أعيتهم الحياة في الضواحي المهمشة، أو إمرأة محجبة غالبا ما لبست الحجاب تشبثا بتقاليد اجتماعية وعائلية، لا التزاما بقواعد دينية.
الانسان عدو ما جهل، والكراهية تعمي البصيرة و تحول دون أن يرى صاحبها النصف المضاء من الكرة الأرضية، وهكذا فقد يخرب الهولنديون حياتهم السياسية للأربع سنوات القادمة، بذريعة أنهم يحاربون التخريب، وسيكتشفون أن كل الخراب في quot;فيلدزquot; و أوهامه المختلقة، فلا وجود لمسلمين يطالبون بتطبيق الشريعة في هولندا، و لا إسلام يمكن أن ينقض عرى ديمقراطية عريقة عمرها تجاوز القرنين من الزمان.
* كاتب تونسي
- آخر تحديث :
التعليقات