مادام العراق متجها إلى انتخابات جديدة في موعدها، وما دامت هذه الانتخابات ستفرز برلمانا جديدا وحكومة جديدة، وما دام العراقيون على اختلاف طوائفهم وأديانهم وأقاليمهم وتوجهاتهم السياسية سيتوجهون بكل حرية إلى صناديق الاقتراع للتجديد لمن أرادوا و لنزع السلطة ممن أرادوا، فإنه سيكون من حق كل من ناصر العراق الجديد، أيام المخاض وخلاله و بعده وأثناء اشتداد عوده، أن يتفاءل ويغتبط ويهنئ ويثق بقدرة البلد والشعب على ربح التحدي والإفلات من الوقوع في الهاوية، التي رسم لها كثير من الأعداء والمرعوبين في الخارج والداخل.
العراق الجديد الحر، ليس بحاجة فحسب إلى ورشات إعادة البناء والإعمار، و إلى خدمات الماء والكهرباء و النظافة العامة، وإلى تشغيل العاطلين و مواجهة الإرهابيين ولعقة الدماء، إنما هو في أمس الحاجة أيضا إلى معامل كبرى لquot;صناعة الأملquot;، تقام في كل مكان، وفي كل وسيلة إعلام، وفي كل فضاء ممكن، بإشراف حكومي مباشر، وبمساهمة كل مؤمن بحق هذا العراق، وهذا العالم العربي المنتظر، في طي صفحة الاستبداد، وفتح صفحة جديدة ديمقراطية بيضاء، تسر الناظرين.
العراق الجديد الحر لا يسير نحو الهاوية، على الرغم من كل العواصف الهوجاء والرهانات الشريرة و المشاريع الانتكاسية البائسة. لقد واجه العراقيون منذ انهيار الصنم، أخطار التقسيم والحرب الأهلية والفوضى الجماعية، والأخطر من كل ذلك ثقتهم بأنفسهم وببلدهم ومستقبلهم، لكنهم صمدوا وصمموا على أن يظل العراق موحدا و الطائفيون شرذمة قليلة و مؤسسات الدولة قائمة، وأن يظل ديمقراطيا تعدديا لا قداسة فيه لشخص أو حزب أو طائفة، تناقش قضاياه دون تابوهات وتنتظم فيه الانتخابات دون تسعات.
و من حق العراق الجديد أن لا يخضع للابتزاز، و أن لا يشعر أؤلئك الذين يراهنون على استعادة الأمر من الشباك، بعد أن لفضوا من الباب، بالضعف و الحاجة جراء ظروف انتقالية صعبة، ستذكر في التاريخ لاحقا على أنها ضرورة مرحلية و ضريبة تدفعها الشعوب عندو مرورها بعمليات انتقال ديمقراطية. و الوفاق مبدأ ديمقراطي أصيل لا مندوحة عنه لتوفير الحد الأدنى من الانسجام الوطني، لكن ذلك يجب أن لا يحدث على حساب أسس النظام الجديد، فالعراق الديمقراطي محتاج إلى وفاق الديمقراطيين، لا وفاق المراهنين على تخريب العملية الديمقراطية..
البعثيون مطالبون أولا بإحداث مراجعات فكرية عميقة على أفكارهم الشمولية والاستبدادية، وقبل هذا وذاك الاعتذار علنيا، وبالفم الملآن، عن كافة الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها أنظمتهم في كل مكان حكموا فيه، وخصوصا في العراق، فإذا ما فعلوا ذلك وصبروا حتى يشتد عود النظام الجديد و تثبت توبتهم الحقيقية وتنقى سريرتهم الداخلية من كل دنس صدامي أو فكرة انقلابية، فلن يفوتهم شيء لأن العملية الانتخابية في ظل الديمقراطية لا تنقطع ومناسباتها القادمة كثيرة..
من كان لديه كلمة خير وأمل في العراق الجديد يعينه بها فليقلها، أو ليصمت.