بصرف النظر عن مآل حركة التغيير التي يقودها الدكتور محمد البرادعي في مصر منذ أشهر، فإن الثابت أنها قد نجحت في تحقيق أول الأهداف الذي يمكن أن يرجى منها، إذ التوريث سنة 2011 لم يعد ممكنا، أو على الأقل لم يعد سهلا على نحو ما كان مرسوما، فقد quot; وقع شيء ما في الحلةquot; مثلما يقول المثل المصري.
و الحق يقال أن الدكتور البرادعي، كان بالنسبة لي شخصية مجهولة، أو بالأحرى شخصية سياسية رتيبة، لا إثارة فيها على غرار سائر الشخصيات الديبلوماسية التي تتكلم عادة ولا تقول شيئا، أو بالأحرى تتكلم لكي لا تغضب أحدا، فلما أعلن نواياه الوطنية الديمقراطية علنا، بشكل واضح وصريح وشفاف بعيدا عن أية تنميقات أو حذلقات ديبلوماسية، أثار في نفسي الإعجاب والاحترام، ودعوت الله أن quot;يكثرquot; من أمثاله في سائر بلاد العرب والمسلمين.
وعلى ذكر البلاد العربية، فإنني أجزم بأن quot;الظاهرة البرادعيةquot; ستنتشر إذا ما كتب لها النجاح في مصر، فلقد سار العرب ndash; أو على الأقل غالبيتهم- دائما وراء مصر، في الصعود والهبوط، وفي الثورية والانبطاح، و في تبريد السياسة واختراع التوريث، فإذا ما قدر للدكتور البرادعي أن يقود المصريين إلى إصلاح الدستور ومعالجة الحياة السياسية و توحيد قوى المعارضة حول برنامج تغييري ديمقراطي حقيقي، فإن أحجار quot;الدومينوquot; الديكتاتوري العربي ستتهاوى الواحدة وراء الأخرى، و سيعود العرب إلى معانقة الحلم الديمقراطي من جديد.
كان يمقدور الدكتور البرادعي أن ينعم بتقاعد شخصي مريح، على غرار كثير من زملائه، ممن ارتقوا سلم هيئات ومنظمات دولية إلى آخره واعتادوا على عيشة دولية ناعمة، فقد ارتقى الرجل بروتوكوليا إلى مستوى رؤساء الدول، وزاد على ذلك بإحرازه جائزة نوبل للسلام، بل لعلني أزعم أن مشروع الرجل الديمقراطي لم يخطر على بال أكثر رجال النظام المصري تشاؤما، فمن أين quot;طلع لهمquot; هذا البرادعي يا ترى؟
لا شك أن دهاة المخابرات وأشقياء السياسة من مبتدعي المؤامرات النظامية وخياطي المشاريع القانونية الجهنمية، قد نظروا في ملف الدكتور البرادعي و فكروا مليا ndash; و ما زالوا يفعلون- لكنهم لم يجدوا حيلة قاطعة إلى حد الآن ndash; سائلين الله أن لا يوفقهم-، فالرجل فوق مستوى الشبهات ماليا، لم يكن quot;إخوانياquot; و لا quot;شيوعياquot;، ولا يمكن تصنيفه عميلا غربيا أو مستقويا بالخارج على بلاده و يريد أن يعود إلى وطنه على ظهر دبابة أمريكية، وهو فوق كل هذا لا يرغب في أن يكون quot;تياساquot; في عملية انتخابية مسلوقة من إياها.
كلمات البرادعي قوية ومباشرة وواعية، فهو يدرك أن المشكلة لا تكمن في الانتخابات في حد ذاتها، بل في شروطها وطريقة إدارتها، ولهذا فقد اشترط للخوض فيها تغيير قواعد اللعبة، ليضمن ارتقاءها إلى المعايير المتعارف عليها دوليا، بعيدا عن المسرحيات الهزلية السمجة التي اعتاد المصريون، ومن ورائهم سائر العرب، على متابعة فصولها، خصوصا على شاشات قنواتهم الرسمية الحديدية العجيبة.
فقط على الدكتور البرادعي أن يعرف أنه لا يخوض معركة لتغيير مصر فحسب، بل لتغيير العالم العربي، وذلك هو قدر مصر أن تكون قاطرة للرتل العربي، وإن مصر ديمقراطية ستعني لا محالة أن تكون البلاد العربية ديمقراطية، فاللهم أعز مصر بالديمقراطية و قها شرور المعارضين قبل المنافقين و الموالين، ولعل الرجل يقول اللهم احفظني من مؤامرات رفاقي في حركة التغيير، أما أعدائي الحاكمين فأنا كفيل بهم..والله المستعان.