رواية جديدة لأحمد إبراهيم الفقيه: ابنة بانايوتي
الحلقة الثانية: بداية عهد جديد
وكان الوحيد الذي يناكفه ويرد عليه هو الاومباشي جبران، وهو رجل طاف في اصقاع العالم جنديا مع الطليان ثم مع الانجليز بعد قيام الحرب واشتغل في مع بحارة يونانيين يعملون مع الجيش البريطاني، زار بصحبتهم جزر بلادهم، ويجيد نطق بعض كلماتهم ويستطيع ان يحيي بانايوتي وعائلته، قائلا لهم في الصباح
ــ كاليميرا
وفي المساء
ــ كاليسبيرا
وعندما يسمع بانايوتي يتحدث عن الاله القديم الذي ارسل اسلافه، ثم عاد وتذكر بعد ثلاثة الاف عام ان يرسله الي هذه الصحراء، يرد عليه قائلا
ـــ تعرف يا بانايوتي انه لم يكن اجدادكم يعرفون الله، وانما يعبدون الهة كثيرة متعددة بعضها الهة للبحر او البر او الريح او الخمر او الرقص، فاي اله هذا الذي بعثك وبعث اهلك الينا؟
فيدافع عن الهه الحالي الذي يعرفه كرجل مسيحي، ساعيا في نفس الوقت لان يربط بينه وبين الهة اليونان القديمه، قائلا انه لا يجد تناقضا بينه وبين دين اجداده فما تلك الالهة المتعددة الا اوجه كثيرة لاله واحد، لم يستطع العقل البشري ادراكه الا بعد مضي عشرات القرون.
فيقول له الامباشي جبران، هازئا من دين اليونانيين:
ــ لا تقل لي هذا الكلام يا بانايوتي،لانه يدخلك دائرة الكفر بدينك المسيحي.
ويذكره بانه لا يتكلم من فراغ، وانما عن دراية بما يقوله بعض اليونانيين عن دينهم:
ــ لقد عشت مع بحارة يونانيين كانوا يعملون معنا في الجيش، مازالوا يصدقون ان العالم تحكمه تلك الالهة القديمة التي تقول عنها خرافاتكم ويعتبرونها الهة حقيقية تعيش في اليونان وتسكن جبلا هناك يسمونه موطن الالهة، فلا تكن وثنيا مثلهم. صدقني لقد رأيتهم عندما تضرب الريح السفينة كيف يصرخون ويركعون على اقدامهم يتوسلون مجهشين بالبكاء، quot; بوسايدون، بوسايدون quot; يستنجدون باله البحر، ان يعطف عليهم ويوقف العاصفة التي تضرب السفينة.
فيرد بانايوتي ساخر:
ــ لا تقل لي ان بوسايدون خذلكم، ولم يتدخل لانقاذ سفينتكم، لقد فعل ذلك بالتاكيد، بدليل انك هنا تتكلم معي، ولم تمت غرقا اثناء تلك العاصفة.
ثم يستدرك قائلا:
ــ انت مسلم اومباشي جبران، تعرف المسيح وتعرف العذراء امه وتعرف ان رجلا مثلى يتبع ديانة المسيح لا يعترف الا بالله والمسيح والروح القدس.
الاومباشي جبران، لا يزيد في العمر بغيرعام او اثنين عن بانايوتي البالغ من العمر سبعة او ثمانية واربعين عاما، واذا كان بانايوتي هو صاحب الوكالة، فهو يقف ندا له في الطرف الثاني كقائد مجموعة العائلات التي اوكلت له ان يتحدث باسمها وان يمثلها لذى صاحب الوكالة، فقد كان هو الذي حرض نجعا كاملا من اهل قبيلته على النزوح الى جنائن العرعار، وهو نجع قوامه عشرون عائلة بدوية كانت تسكن على اطراف بلدة مزدة، تحتمي بالسلطات المحلية هناك بحثا عن الامان، لانها عائلات ذهب اغلب رجالها الى الحرب، وظلت خلال اعوام الحرب تستفيد مما يسمى القرامات وهي كيلوجرامات من الشعير تخصصها حكومة الاحتلال الايطالي خلال فترة الحرب للمعوزين من قاطني البادية، مع تمييز خاص لعائلات المجندين، ثم انتهت مع انتهاء الادارة الايطالية هذه المنحة المجانية من الشعير، كما عاد الجنود، او من بقى منهم على قيد الحياة، الى عائلاتهم دون وجود عمل يعملونه،وبينهم الاومباشي جبران، الذي وجد نفسه
مسئولا عن التفكير في وسيلة للعمل والارتزاق لهؤلاء القوم، باعتباره اكبر رتبة من بقية المسرحين من الجيش، واكثر خبرة وتجربة، وينظرون اليه كمرشد ودليل لهم،
وما ان شاع خبر انشاء وكالة لتجميع الحلفاء حتى قاد نجعهم الى هذا المكان، وكان قبل ان يغامر باحضارهم قد قام بما يستوجب عمله من تحريات وجاء بنفسه راكبا جوادا استعاره من قريب له، للقاء بانايوتي، في بداية انشغاله بتأسيس الوكالة، ودخوله بجراراته الى هذا المكان لتسوية الارض وتشييد الابنية، مستفسرا منه عما يحدث، وعن العدد الذي يتوقع ان يستوعبه المشروع، وعن اسلوب المعاملة، ولم يغادره عائدا الى نجعه طالبا منهم الانطلاق خلفه الا بعد ان عرف كل الاجابات التي نقلها اليهم، مع تاكيده، ان ما يقوله الرجل اليوناني خبر صحيح، سبق ان عرف مثله في وكالات للحلفاء كانت موجودة في البلاد قبل الحرب وكان هو الذي طالب بانايوتي بتمهيد الارض التي اختارها بالتشاور معه لنصب الخيام وهو الذي اتفق معه على حق القادمين في الانتفاع بمحرك الكهرباء وان يمد لكل خيمة خيطا به مصباح، ينيرها لمدة ساعتين او ثلاث ساعات بعد غروب الشمس، علاوة على مبادرات جاءت من بانايوتي نفسه، تضمن استمرار العمل والاقامة المستقرة المريحة، لزبائن الوكالة، مثل تعهده امام الامباشي جبران، بانه سيملأ صهاريج الماء بماء تجلبه السيارات من مزده، وبالاضافة الى ذلك فقد ذهب الامباشي الى منطقة الشعاب يتفقدها على جواده ويتأكد من غزارة ما ينبت فيها من حلفاء.
ورغم وصول العائلات قبل ان يكتمل بناء كل منشآت الوكالة وقبل ان يباشر بانايوتي في شراء الحلفاء، فلم يتركهم الامباشي جبران يضيعون وقتهم جالسين امام خيامهم ينتظرون ان يبدأ بانايوتي العمل وانما قادهم نساء ورجالا واطفالا، الى اقرب هذه الشعاب لبدء جمع الحلفاء ووضعها في خيامهم الى ان ينتهي بانايوتي من استكمال المرافق التي يحتاجها لمباشرة العمل، واكثر من ذلك فقد مضى يتفقدهم جميعا ليتأكد من اتقانهم لطريقة اقتلاع سيقان الحلفاء، ويقوم بتعليم من لا يعرف، فهي عملية بسيطة، لا يحتاج ان يجهد الانسان نفسه في اتقانها، تبدأ بان يحمل الواحد في يده قطعة خشب في حجم وتد صغير، يقترب بها من نبتة الحلفاء التي تنتصب بسيقانها في علو متر او اكثر قليلا، فينحنى عليها ويقوم بلف الجزء الاعلى من هذه السيقان حول قطعة الخشب ويقتلعها، فتنسل السيقان من الجذر، الذي يبقى ثابثا في الارض وهكذا مع ما تبقى من سيقان النبتة، لان هذه السيقان اكثر كثافة وغزارة من اقتلاعها في قبضة واحدة، فيواصل اقتلاعها كلها قبل ان ينتقل الى نبة اخرى، وهكذا لا تبقى بعد اقتلاع السيقان الا الجذور التي تستولد فيما بعد اوراقا جديدة سيحين قطافها بعد مضى فصل من فصول العام، ثم يضعون هذه السيقان في رزم يعودون بها الى خيامهم، لبيعها فيما بعد الى الوكالة، ونبتات الحلفاء تبدأ اوراقا خضراء، وتستمر كذلك طالما هي لم تقطف بعد، ولكنها بعد اقتلاعها وتخزينها تتحول الى اوراق يابسة يميل لونها الى الاصفرار، حيث تصل الى الشركة الام في طرابلس بهذه الحالة ومنها عبر سفن الشحن الى مصانع ورق البنكنوت في اوروبا.
لم تمض غير ايام قليلة حتى بدأ بانايوتي في شراء الحلفاء، واستقر روتين العمل في الوكالة وانتظمت مواعيده، كما انتظمت مواعيد اقتلاع الحلفاء ومواعيد فتح الحانوت وقفله، بمثل ما انتظمت مواعيد صرف الكهرباء اثناء الليل، وكان عدد الخيام يتزايد مع مضي الايام، وحجم العمل في الوكالة يزداد، وبدلا من سيارة شحن واحدة تاتي مرة كل اسبوع لنقل الحلفاء، ارتفع عدد سيارات الشحن الى سيارتين ثم ثلاث سيارات في الاسبوع، ثم قفز العدد وصار شاحنة كل يوم، ونتيجة للصداقة التي انعقدت بين الاومباشي جبران وبانايوتي، فقد انعقدت بين اسرتيهما، ولان للاومباشي ابنة اسمها مريم في عمر انجيليكا ابنة بانايوتي، فقد تعلقت الاثنان ببعضهما، وطلبت انجيليكا من امها وابيها ان ترافق ابنة الاومباشي عندما تذهب مع اسرتها في رحلة جمع الحلفاء، فوافق الاب وخافت الام كاتيا على ابنتها، لانها تخشى عليها من الافاعي والعقارب التي يكثر تواجدها بين صخور الشعاب، فبادر الاومباشي الذي كان حاضرا الحوار، يرد على السينيورة كاتيا قائلا بان هذه الشعاب هي التي تذهب اليها ابنته مريم التي تراها سليمة لا تلذغها الافاعي والعقارب فكان ردها بان بنات البادية اكثر خبرة ودربة وشطارةعلى التعامل مع مخاطر البيئة الجبلية البدوية وتفادي حشراتها السامة، بينما لم تعرف انجيليكا الا المدينة وشوارعها الخالية من مثل هذه المخاطر، وانتصر الاب لخروج ابنته قائلا بانها الان تعيش خارج المدينة، وليس خروجا مؤقتا للفسحة والسياحة، وانما خروج للعمل والحياة يستمر اعواما ولا تستطيع حبسها في البيت لكي لا تتعرض للمخاطر، يجب ان تذهب وتتعلم. ولم تقتنع الام رغم التدخل الحاسم للاب الا بعد ان اكد لها الاومباشي ان كلبه quot;الاربشquot; كما يطلق عليه، سيكون رفيقا لابنته وابنتها وهو كلب ربما تعرف شدته وشراسته، ولكنها قد لا تعرف انه بارع في اكتشاف العقارب والافاعي، وطردها بعيدا عن الديرة واهلها. وهكذا وافقت السيدة كاتيا لابنتها انجيليكا ان تترك جدران البيت والدكان وتذهب مع مريم واهلها لاقتلاع الحلفاء في الشعبة القريبة، لان النظام الذي اقترحه الاومباشي على المجموعة الا يتوزعون في كل الشعاب وعددها يبلغ تسع، بل يبدأون بها شعبة بعد الاخرى، ولا يتركون الاولى حتى يفرغونها مما فيها من حلفا ء، قبل الالتحاق بالثانية وهكذا مع كل شعبة حتى يكملونها جميعا، ليعودوا بعد ذلك للاولى التي ستكون قد استعادت اوراقها كاملة النضج والطول فيبدأون معها دورة جديدة.
وكان بانايوتي سعيدا بتطور العمل في الوكالة، وباقبال اهل البادية على الانخراط في اقتلاع الحلفاء، واثقا ان العدد سيزيد مع الايام، والانتاج سيتطور، وان النجاح سيكون حليف هذا المشروع الذي اقبل منذ البداية على انشائه بحماس ورغبة، وقد عاد لممارسة عادة قديمة، هي كتابة بعض يومياته، خاصة وان التجربة جديدة وتستحق ان تكون موضع توثيق في يوميات يعود اليها بعد ان تصبح هذه الحياة نوعا من الذكريات، وكان قد جاء بكراس له غلاف جلدي اسود، استهل اولى صفحاته بهذه السطور
(( جنائن العرعار، اسم يستحق ان اتفاءل به، وسط هذا الخلاء المحاط بجبال تشبه تماما جبال اولومبيا التي تنسب اليها الميثولجيا الاغريقية شرف ايواء الالهة، لازلت اذكرها وانا صغير اقطع الطريق من الاسكندرية اليونانية حيث جذوري ومسقط راسي ورؤوس آبائي الى العاصمة اثينا على بعد مائيتي كيلو متر، وعند المرور عودة وذهابا، كنت امرق من تحت جبل اوليمبك الذي يتكون هو ايضا من حلقة من الجبال الجرداء التي تشبه تماما جبال جنائن العرعار، وربما من هنا جاءت هذه الالفة مع المكان، وهي الفة تتعزز بما كان يراودني دائما من ميل للعزلة والانسحاب من ضجيج المدينة الى سكينة هذا الخلاء وهذا البراح المضمخ بعبق الطمأنينة والسلام، سمعت عما يقوله الناس من معارك دارت في هذه المنطقة ابيدت على اثرها غابات العرعار، وينسب الناس ابادتها وقتل رجال المنطقة، الى الجيش التركي منذ مائة عام حيث كان هذا الجيش يرتكب في نفس ذلك الوقت مثل هذه المجازر في ارض اليونان، فهل لابد ان يكون القاسم المشترك الذي اجده بين وطني الاصلي وهذا الموطن الجديد يتصل بجرائم سلاطين الاتراك، هل هي حقا مصادفة، واذا كانت كذلك فهل للمصادفة ايضا قانون يبسط نفوذه على حياة البشر، وهل للمصادفة دخل في ايصالي الى هذا المكان، هناك الهة عاشوا فوق جبل الاولمب والهة عاشوا فوق هضاب جنائن العرعار، انهم حتى وان لم يعيشوا فلابد ان قائدا اغريقيا، او كاهنا منذ ذلك الزمان جاء بهم وقام بعبادتهم، بدليل وجود اكثر من اثر واكثر من طلل ينتسب الى الاغريق القدماء موجود بين شعاب هذه المنطقة، الماضي موصول بالحاضر، ودورى ان اكون احد حلقات الوصل، فهل اعتبرها مهمة تارخية، اسعى للارتفاع الى مستواها؟ مهمة لا يفرضها احد على، وانما اتطوع بنفسي لوضعها فوق كاهلي، لعل في ذلك شيئا من الغفلة، او شيئا من الظلم، ولكنها غفلة وظلم احبهما واتقبل بقلب مفتوح ما يترتب عليهما من تبعات، وساطلب العون من سيدتي مريم العذراء، ومن سيدي ومولاي يسوع، ولتبارك يارب هذا الكون روحي وتحميني من مزالق الطريق، امين ))
ــ 3 ــ
اقتضى الامر دورة عام كامل، اربعة فصول بالتمام والكمال، حتى توفر هذا العدد الكبير من الخيام والاكواخ، واستقر العدد عند رقم تسعين عائلة تعمر المكان. انقضى ربيع وصيف وخريف وشتاء، منذ ان بدأ بانايوتي تشييد وكالته، وجاء ربيع جديد، وكانت ارض القبلة وضمنها الحمادة الحمراء هي الفراغ المهول الذي يفصل بين بري طرابلس وفزان، وكانت دساكر القبلة ونجوعها هي التي ترسل افواجا من قاطنيها الى وكالة بانايوتي، في جنائن العرعار، الغارقة في عمق الحمادة، المندسة بين جبالها، التي تشبه جيبا من جيوبها السحرية السرية، مخفيا عن الانظار، منزويا عن الطرق التي تعبرها القوافل، ويبدو هذا الجيب كانه ظهر فجأة من عالم الخفاء، ليستقطب جموع الراحلين الى فجوجه العميقة، وعادت الالسنة تلهج باسم اشجار العرعار، رغم ما يحكيه تاريخ قرن مضى عن المجزرة التي تعرضت لها هذه الاشجار، الا ان ما تبقى منها بين الشعاب، بدا كانه هو الذي يرسل عبقه الطيب واريجه الفواح عبر هذه البوادي الهائلة الاتساع، ليغري البشر بالمجيء الى هذا المربع من الارض وما يحيط به من شعاب، ما تزال رغم اعوام الجفاف وامحال الاودية والعيون، تحتفظ بانواع من النباتات قادرة على مقاومة العطش، تصنع غلافا اخضر كأن هناك منابع سرية تختفي خلف الصخور تغذي جذور ما به من نباتات واعشاب واشجار.
وكما بدأ تعمير الوكالة بتلك العائلات العشرين التي قادها الاومباشي جبران، فقد انتهى ايضا بما يماثل هذا العدد من العائلات يحملها مرحول انطلق من جنوب البلاد، من المنطقة الحدودية الليبية التشادية في اوزو، ومن عاصمة تلك المنطقة ذاتها بلدة اوزو، التي تسكنها قبائل اولاد عثمان وهي قبائل ليبية مسلمة يختلط في عروقها الدم العربي بالدم الزنجي الافريقي، ويقود المرحول رجل اسمر اللون، عظيم البناء الجسدي، يحمل هو ايضا لقبا عسكريا جاءه من خدمته في الجيش الفرنسي هو السيرجينتي خليفة، وقد اظهر شيئا من الحنكة والمرونة وهو يجد ان الامباشي جبران قد احتل موقعا قياديا قبله، فرضي بان يكون مساعدا له، وبدلا من نصب الخيام، عمد اهل هذه القافلة الى بناء عشرين كوخا جمعوا لها احطابا من الشعاب، وغطوا سقوفها بالياف ومصنوعات يدوية من سعف النخيل مغطاة باردية شمعية تمنع تسرب المياه جاءوا بها معهم لها شكل القباب قاموا بتثبيتها باسلاك الحديد وربطها ربطا متينا باعمدة الكوخ لكي لا تطير بفعل الرياح، وكان بينهم رجل كان يشتغل باحياء الافراح اسمه الشوشان أنشأ من بعض صبية هذا المرحول الاسمر، فرقة للرقص الشعبي اجاد تدريبهم وصار اهل النجع يستعينون بهم في احياء مناسباتهم، ولم يقتصر مجيء الناس من دساكر الصحراء ونجوعها وانما من عاصمة الاقليم مزده نفسها، وليس من اطرافها، فقد جاء شيخ من شيوخها هو الحاج رضوان، الذي كان تاجرا يملك حانوتا، اضارته سنوات الحرب، وشحت موارده بسبب نضوب الزبائن من اهل الصحراء الذين كانوا يقصدون حانوته، لمقايضة شياههم وجمالهم بما لديه من بضائع، حتى اقفل دكانه، وراى الانقاذ في وكالة بانايوتي فانطلق مع عدد من اقاربه، كما سبقته بعض العائلات، ولحقت به عائلات اخرى ليستقر في بيت كبير اصبح هو اكبر البيوت، بل اضاف الى البيت الذي تقطنه العائلة بيتا يستقبل فيه ضيوفه، ويتفرغ فيه لاداء عباداته، ويدعو احيانا بعض اصحابه لمشاركته صلاة الجماعة طلبا للاجر والثواب.
وحول هذا البيت وقريبا منه، وجد اهل النجع براحا استغلوه في انشاء سوق صغير لا يظهر الا مع اول الليل بعد عودتهم من الشعاب، كانت رائدة السوق العمة مريومة التي طرحت اعشابها الطبية على صندوق لمن يريد ان يدفع ثمن الانتفاع بها ومع الاعشاب عصاير وومقطرات لاوراق اشجار مثل اوراق العرعار، وثمار مجففة لشجيرات اخرى مثل الحنظل، ولكل نوع خصائص واسرار في تطبيب وعلاج العلل والامراض، وجاء بعدها من وضع صندوقا يبيع فوقه بعض المشغولات اليدوية من اوراق الحلفاء في شكل حبال وحلقات لتقييد جدي او حمار واخر يبيع اوتادا مصنوعة من اعراف الاشجار، ورابع يبيع مشغولات من الصوف او الوبر، جوارب وفانللات وطواقي وسيدة سمراء من اهل اوزو احضرت بيض ما لديها من دجاجات لبيعها وهكذا هو سوق يومي غير حانوت الوكالة نشا بموازاته يقدم خدمة مضافة تكمل خدمته وتشكل دخلا اضافيا لبعض عائلات النجع.
يتبع غدا
التعليقات