يتساقط القتلى كل يوم في شوارع المدن السورية، ويتساقطون في شوارع المدن اليمنية، ويتساقطون بشكل اكثر اجراما ودموية وباعداد غفيرة اكثر وتواتر اسرع، في المدن الليبية الواقعة تحت حصار كتائب القذافي، لكن المشهد يتكرر في الاقطار العربية الثلاثة، ومرشح لان يتكرر في القريب العاجل في الجزائر وفي السودان وفي موريتانيا، وربما في دولة ملكية هي الاردن، ويتساقط هؤلاء القتلى الشهداء، على ايدي عساكر بلادهم الذين يطلقون عليهم النار باوامر الحكام، ففي كل هذه الحالات حاكم يقتل ابناء شعبه من اجل ان يبقى في الحكم، كما يسقط اثناء القتال عناصر من جيشه بسبب دفاعات المقاومة، وتكون النتيجة ان هذا الحاكم هو السبب في سقوط القتلى على الجانبين، والسؤال الذي لابد ان ينتج عن هذا الهول العظيم هو: هل يستحق فعلا البقاء في الحكم كل هذا الثمن الفادح الذي يتكلفه الوطن؟ هل يستحق حقا نزيف كل هذه الدماء وازهاق كل هذه الارواح و ضياع كل هذه الموارد البشرية والمادية المخصومة من قوة الوطن وثروته ومقومات النهوض اليوم ومصادرة المستقبل غدا؟ مع كل ما يصنعه هذا الاحتراب من الام وفواجع وما ينتج عنه من يتامى وتكالى وارامل وما يتركه للوطن من معاقين واصحاب عاهات؟ هل يستحق البقاء في الحكم، هذا القصف المرعب للصروح العمرانية، والموارد المادية، بعد الاجهاز على بشر من كل الشرائح والاعمار، وتدمير مقدرات الوطن سلاحا ومالا ومصانع وابنية بل مدنا واحياء كاملة يتم هدمها كما حصل في ليبيا عندما انجز الجيش الرسمي الليبي تدمير مدينة الزاوية وازوارة والان مدينة مصراته التي هي ثالث اكبر مدينة في البلاد واكثر هذه المدن مقدرات صناعية وعلمية؟
هل يستحق البقاء في كرسي الحكم، خلق هذه الضغائن، واثارة هذا الكم الهائل من الاحقاد، وتحريك النوازع القبلية والجهوية، بسبب البحث عن الولاء واستخدامه في مواجهة اهل الرفض والثورة، وهي احقاد قد تحتاج الى اجيال واجيال قبل ان تذوب وتختفي بفعل دورة الزمن؟
لا يمكن لاي بشر له عقل يتدبر ويفكر، او له قلب يحس ويشعر ان يقول بان كرسي الحكم يستحق هذه التضحيات، وهو ما يثبت بلا مجال للشك ان هؤلاء الحكام الذين وصلوا في غفلة من الزمان الى حكم هذه الشعوب ليسوا في حقيقة امرهم بشرا كسائر البشر لهم عقول وقلوب ومدارك واحاسيس ووجدان بشري، وانما هم اشبه بالوحوش، في سلوكهم وتكوينهم واستخدامهم لمنطق القوة وقانون الغاب، بل ربما القول بانهم مجرد وحوش لا يفي بوصفهم، لان الوحش يتصرف بحكم غريزته و تكوينه وملكاته الخاصة ويدخل المعركة بنفسه وهو الذي يدفع الثمن من حياته اذا خسر المعركة، وليس من حياة احد بالنيابة عنه، ولكن وحوش الحكم العرب، يجلسون في قصور حكمهم ويصدرون الاوامر لعبيد وخدم واعضاء مافيا الحكم وجمعيات المنتفعين والاجراء والمرتزقة يدافعون عنهم، ويدمرون ويحرقون البلاد بالنيابة عنهم، وهم جالسون في قلاع الحكم يستقبلون المصورين والمذيعين الذين ينقلون احاديثهم عن الامجاد والانتصارات الى العالم، مع انه ليس لديهم الا الخزي والعار والدم والاجرام، بعد ان سقطت كل الاقنعة الكاذبة التي جاءوا بها الى الحكم، لانه لا يمكن لحاكم له ادنى درجة من الولاء لوطنه او ذرة واحدة من الحب لهذا الوطن، ان يرضي بهذا الدمار وهذه المجازر وهذا العته، مع ان هناك حلا بسيطا سهلا لا يكلف احد شيئا ولا يحدث ضررا ولا اذى لاي فر د من الناس او يلحق خدشا باي صرح من صروح الوطن، وهو ان يرحل السيد الرئيس عن الحكم او اذا شاء عن الوطن وان ياخذ معه من اراد من الازلام والجلاوزة فينجيهم معه، ويترك الوطن ينعم بحياته وحريته ويبني مستقبله بحسب ما يرتضيه الشعب.
لقد قضى كل واحد من هؤلاء الحكام الثلاثة الذين يقومون بقتل شعوبهم هذه الايام مددا في الحكم توازي ما قضاه حكام اخرون انعقد لهم الاجماع ودخلوا سجل الخالدين باكثر من ست وسبع مرات ولنضرب مثالا واحدا برئيس دولة افريقية هو السيد نيلسون مانديلا، المسمى والد الاستقلال في جنوب افريقيا ومحرر هذه البلاد من التفرقة العنصرية وبعد ان قضى ستة وعشرين عاما في السجن، فلم يبق في منصب الرئيس الذي وصل اليه بالاقتراع، غير خمس سنوات وغادر المنصب ليحتله رئيس اخر هو السيد امبيكي الذي انهي مدته وتسلم الحكم السيد زوما، ثم تعالوا نبحث في كيف وصل كل واحد الى الحكم من هؤلاء الرؤساء العرب الثلاثة، ولنبدا باقدمهم حكما السيد العقيد معمر القذافي الذي وصل في اول سبتمبر 1969 الى حكم ليبيا وابقاها دون دستور ولا انتخابات ولا اقتراع ولا اسفتاء حاكما فردا، لا احد يشاركه الحكم، ما يقرب من اثنين واربعين عاما، ولا يستحي ان يامر وزير خارجيته هذا الاسبوع في ان يطلب من المجتمع الدولي اجراء استفتاء للشعب الليبي على حكم العقيد، كيف ومتى واين ولماذا بعد كل هذه العقود يطلب استفتاء، وهو الذي ضرب كل الارقام القياسية في مدة الحكم التي قضاها حاكم في حكم بلد شعبي جمهوري جاءه بانقلاب عسكري، وتعالوا نرى كيف جاء السيد على عبد الله صالح الذي بدا صعود السلم رئيس عرفاء في الجيش اليمني دون دراسة ولا تحصيل غير عام او عامين في الكتاب، واهلا بمهاراته في التحصيل والاستحواذ على رضا الرؤساء في الجيش الذين اوصلوه بعد اعوام الى رتبة ملازم ثاني، وهي الرتبة التي وصل بها الى حراسات القصر الجمهوري وداور وناور ولعله شارك في اغتيال رئيس الجمهورية الحمدي، وجاء الاغتيال الثاني لخلفه الغشمي، يفتح الطريق امام مغامر مثله، يستنفر العصبيات القبلية، ويقدم الرشاوى لضباط الجيش ويقفز في الفراغ الذي تركته مؤامرات اغتيال الرؤساء، ولعل المنصب بعد هذه الاغتيالات صار مرهوبا ومذموما وملعونا بحيث نفر منه اناس في الجيش اكثر جدارة من هذا الشاويش، ويحسب له المهارة في المحافظة على راسه فوق كتفيه اثنين وثلاثين عاما، يحتل هذا المنصب مستخدما كل ما يمكن ان يكون في حوزة طاغية عسكري من وسائل القمع والترويع .
ثم ناتي لثالث هؤلاء الرؤساء وهو السيد الاسد الابن، بشار بن حافظ الاب، فقد جاء باجراء ربما لا سابق له في تاريخ الانظمة الجمهورية، بعد ان حكم والده ثلاثين عاما، وقد جاء هذا الاب عام 1970 يفتك الحكم في انقلاب عسكري من رئيس مدني اسمه نور الدين الاتاسي، يعمل واجهة لضباط يقودهم عسكري اسمه صلاح جديد( وقد ابقى الاسد هؤلاء الاثنين مع عدد من الوزراء والحكام، في السجن دون محاكمة قرابة ثلاثين عاما، الى ان ماتوا في الاقبية المعتمة، ونتيحة لاصابة الاتاسي بمرض السرطان فقد اخرجه قبل وفاته بعدة اسابيع ليموت في بيته) وابى الاسد الاب ان يترك الحكم الا عن طريق ملاك الموت، ورتب قبل موته ان يبقى الصندوق الاسود لسجله الاجرامي في الحكم مقفولا، ولا سبيل لاستمراره مسدودا الا بان يرث ابنه الحكم وهكذا تم العبث بالدستور، ان كان هناك حقا دستور، وتم عن طريق ازلام النظام واساطين اجهزته الامنية والعسكرية وحزب البعث الحاكم الذي لم يعد حزبا ولا بعثا وانما عبث وحكم عائلي عشائري لكي لا نقول حكما مافيوزيا، جلب السيد بشار واجلاسه فوق كرسي والده، ولعله اسكت الناس بوعود واكاذيب سرعان ما انتبه الشعب السورى الى انها مجرد اسلوب للخداع ولكن قمع الاجهزة وقسوتها المرعبة في معاملة المواطنين، جعلت الشعب يظل صامتا جامدا لا يتحرك في مواجهة الابن الذي كرس حكم والده ومضى على طريقه، مصادرة لحرية السوريين وطمسا لحياتهم واختطافا لبلادهم رافعا شعار quot; الاسد الى الابدquot; وعندما استفاد الشعب من تسانومي الغضب الذي اطاح بمبارك المصري وقبله زين العابدين التونسي تحرك بعفوية في مسيرات سلمية في الشوارع فتحرك النظام يواجه المظاهرات بالرصاص مرفوقا كما هي العادة بوعود الاصلاح الكاذبة، وهو يعرف ان هناك اصلاحا واحدا يستطيع القيام به هو اصلاح خطأ الثوريت الذي جاء به الى الحكم، خاصة بعد ان عاشت سوريا اربعة عقود مجحفة ظالمة سوداء تحت حكمه وحكم والده. .
لا حل ولا خلاص من هؤلاء الورثة المعاصرين لمجنون الحكم العربي القديم الحاكم بامرالله الا بتوافق دولي يرغمهم على الرحيل، قبل ان تسفك المزيد من الدماء، وتزهق المزيد من ارواح الابرياء وتدمر مقدرات اوطان تنتمي للعالم الثالث وتسعى للبناء والنماء بعد الخراب الذي خلفه حكم عقود من الاجرام والعته والسفه . والمجد دائما للشهد والنصر والحرية للشعوب.