بداية لابد من التاكيد على حقيقة اننا جميعا كمواطنين ليبيين ندين للمجلس الوطني الانتقالي بالشكر والعرفان بالجميل لهذا الاداء المتميز الذي جلب النصر للبلاد وحقق لها الانعتاق من ربقة الطغيان ونجح في دحر المجرم الدولي معمر القذافي وكتائب العار التي كانت تدافع عنه وجلاوزة العته والجنون الذين ناصروه وبقوا في خدمته حتى اخر ساعة من عمر نظامه الشرير، وثانيا لابد من تهنئة المجلس على حسن الاداء الذي ظهر في المؤتمر الناجح الذي شهدته باريس في الايام الاخيرة، مؤتمر اصدقاء ليبيا وما انتهى اليه هؤلاء الاصدقاء من قرارات، وشكر خاص للشيخ مصطفى عبد الجليل على كلمته التي القاها في المؤتمر الصحفي الذي شهده قصر الاليزيه بحضور الرئيس ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والشيخ حمد امير قطر والسيد بانكي مون امين عام الامم المتحدة والاستاذ محمود جبريل رئيس المجلس التنفيذي، فقد كانت كلمة الشيخ عبد الجليل في هذا المحفل الدولي وامام صحافة العالم تعبيرا حقيقيا عن روح الوفاء للشعب الذي يمثله، وحسن الاداء للمهمة التي قام بها نيابة عن زملائه في المجلس، وقام مشكورا بتقديم واجب الامتنان للدول والشعوب التي وقفت مع الشعب الليبي هذه الوقفة النبيلة الشريفة انتصارا لمباديء العدل والحرية وتجسيدا لمعاني وقيم الاخوة الانسانية، وتمنيت حقا لو انه قام بتوجيه الدعوة اليهم جميعا بالانابة عنا لحضور احتفالات النصر التي ستقيمها ليبيا بمناسبة النصر فور انتهاء اخر الجيوب، الا ان هذا العمل المتميز الذي يستحق الاكبار والتقدير والاعجاب لا يمنعنا من التنبيه للاخطاء والخروقات التي تحصل في الادارة والاداء حرصا على سلامة العمل وضمانا لعبور البلاد هذه المرحلة الحرجة عبورا امنا سليما وصولا الى مراحل الاستقرار والامان.
ونحن نعرف جميعا ان هذا المجلس لم يتم تكوينه وفق خطط مرسومة او وفق سنن سابقة على انشائه، فقد انبثق عن حالة عفوية نشأت عقب انطلاق الثورة دون تدبير ولا ترتيب، وظهر الى الوجود بشكل فجائي، و بحكم الواقع والظروف ومعطيات اللحظة المتفجرة التي اعقبت الرد الاجرامي الدموي المجنون الذي واجه به المجر م الدولي ونظامه، المسيرات السلمية التي تطالب بالتغيير، تيمنا بما حدث في الجارتين الشقيقتين، تونس ومصر، حيث انطلقت فيهما المظاهرات، وجاء التعامل مختلفا، بحيث وصل الناس الى الميادين يعبرون عن ارائهم، ويرفعون اصواتهم تجلجل في الفضاء مع وجود الاعلام والصحافة العالمية تسجل وتنشر على العالم ما يحدث، وحصلت احتكاكات ادت الى حوادث مؤسفة، ولكن ليس بالصفة ولا بالصيغة التي حصلت في ليبيا. وهذه الحالة هي التي فرضت مسارا مختلفا للثورة الليبية، متباينا ومتميزا عن مسار الثورتين السابقتين لها من ثورات الربيع العربي، وقد وصلا بسرعة الى النتائج التي يريدانها، دون الدخول في مواجهات مسلحة مع الانظمة، وانجزت كل منهما مشروع التغيير للنظام، وعزلت راس الدولة دون القيام بحرب تحرير شعبية كتلك التي فرضها النظام على الشعب الليبي، وكانت بالتاكيد معجزة من معجزات هذا الشعب انه استطاع ان يدفع بشبابه لتلبية نداء الوطن والدخول في حالة حرب ضد كتائب الطاغية، وتكوين هذا الجيش في زمن قياسي وتحت ظرف شديد القسوة والشدة وفي مواجهة ترسانة عسكرية ظل هذا الحاكم الطاغية يراكمها باموال الشعب الليبي على مدى اثنين واربعين عاما، وتجلت في اداء هؤلاء المناضلين الاحرار من شباب جيش التحرير بكل فصائله، روح الاستشهاد، وصور الاستبسال والشجاعة التي بهرت العالم، وقدمت مثلا لشعوب العالم في القدرة على البذل والتضحية وحب الوطن وعشق الحرية، وستكون باذن الله منارة للمناضلين في اركان الارض الاربعة ومصدر فخار لابناء ليبيا جيلا بعد جيل وعلى مدى الدهر. جاء النصر ليكون تتويجا لجهود المناضلين، وثمنا لدماء الشهداء، و نتيجة طبيعية لحسن الاداء العسكري من جيش الثوار، وحسن الاداء المدني من المجلس الانتقالي ومجلسه التنفيذي ومهما كان عدد الاخطاء والهنات، فهي هينة بجوار هذه النتائج الباهرة، لكننا نريد الحد من اي خروقات في المستقبل، وانقاصا لهذه الاخطاء حتى تصل الى ادنى حد ممكن، واقول صراحة في مجال الحديث عن هذه الخروقات انه هالني وافزعني ان ارى اسرار الاجهزة الاستخبارية التي تحقق بفضل الثوار اقتحامها، مشاعا لكل من هب ودب من الناس، وارى المصورين والصحفيين يتجولون بحرية ويتناولون امام الكاميرات هذه الملفات ويعودون بها الى حجرات البت يعرضونها ويكشفون اسرارها، في عملية عبثية لا يمكن ان تحدث في اي مكان من العالم، وقد راينا انهيار امبراطوريات وقصور حكم، مثل الكريملين ومخابرات دول عظمى مثل الكي جي بي في موسكو، ومخابرات المانيا الشرقية ستاسي في برلين، فلم نر مشهدا كهذا المشهد ولم نسمع في اليوم التالي اسرار هذه المخابرا ت تذاع في المحطات والاذاعات الدولية، وتنشر في صحف العالم كما حدث في ليبيا، فهي اسرار للدولة الليبية، وملكيتها تعود للشعب الليبي، سيحتاج اليها في كشف اسرار النظام المنهار، ويستخدمها في محاكمة رموزه واعوانه،وكشف المتعاملين معه افرادا ودولا، اما ان تستباح بهذه الطريقة، وتسرق وتنهب على مراى من الليبيين، وفوق شاشات التليفزيونات، ودون ان نسمع بعد ذلك تعليقا من المجلس، حتى من باب الاعتذار، لاننا نعرف ان الدولة الليبية التي انهارت لم يتم تاسيس ما يكفي من الاجهزة البديلة لها، كما لم نرها تقوم فيما بعد بتدارك الامر ووضع حراس على هذا المكان، وربما لن نستغرب الان ان يتم حرق هذا الارشيف واتلاف محتوياته من قبل من تشكل هذه الملفات فضحا لهم وادانة لجرائمهم، بل سمعنا في الاذاعات ان احدى هذه الملفات الموجودة في حوز ة مندوب من مندوبيها، ملف يحتوي تقارير مكتوبة من داخل العاملين بالمجلس، ومن طرف عميل يحوز على ثقتهم، ويعمل قريبا منهم، واسمه موجود على الورق، كما يقول المذيع، رافضا ان يفصح عن اسمه، كما قال خوفا على حياته، دون ان يعقب هذا الكلام الخطير تعليقا من المجلس يؤكد فيه هذه الحقيقة، او يسعى لمعرفة هذا العميل او يكشفه ويحاسبه ويعرض حقيقة الامر امام الراي العام الليبي وكان الامر حدث في جزر الواق واق، ولا يعنيه واو يعني الشعب الذي يحكم ويتكلم باسمه..
وانتقل من هذه الخطأ الفادح، الى خروقات اخرى، جاءت على السنة بعض اعضاء المجلس او اعضاء مجلسه التنفيذي، احداها ناتج عن حالة ارتباك تحدث لمن يساله الصحفيون سؤالا عن حصة دول الناتو في كعكة ليبيا، حيث الردود، تحمل شيئا من الاعتذار او الخجل كاننا ارتكبنا فعلا مشينا، بينما هو فخر للانسانية ان تهرع لمنازلة الطاغية دول الغرب وتكفر عن اثمها عندما تعاملت معه وهو الاخرق المجنون على مدى اربعة عقود، ويجب تسفيه من يقول هذا السؤال والرد بقوة على من يعتبر ليبيا كعكة لاي احد من الناس، لان بها شعبا يعرف كيف يدافع عن وطنه، وما هذا الاداء الذي يشبه الاعجاز، الذي قدمه الشعب الليبي ودحر به طاغية الطغاة في العصر الحديث، الا دليلا على ذلك، فلا معني لان نسمع تصريحا يعتذر عن هذا التعامل مع دول الشرعية الدولية ويقول اننا سنعطي الاولوية في المشاريع للدول العربية والاسلامية وهو منطق غير سليم، فالجزائر على سبيل المثال بلد عربي اسلامي، فهل نقدم لدولته او حكومته الاولوية في التعامل وقد تلقينا منها الطعنات تلو الطعنات، وهناك رد يجب ان يتفق الجميع عليه، فنحن لسنا اكثر قوة من امريكا او غيرها من دول العالم المتقدم التي تضع قائمة بمن تسميهم الدول الاولى بالرعاية، وفي حالة ليبيا فانها الاولى في العالم كله، بان يكون لها مثل هذه القائمة، لانها مرت بتجربة لم تمر بها امريكا، ولا غير امريكا، ومن حق الشعب الليبي ان تكون له قائمة بالدول الاولى بالرعاية، يتم اختيارها وفق المواقف التي اتخذتها هذه الدول من ثورة الشعب الليبي، بحيث تكون الاولوية لمن وقف مع شعبنا في محنته، شر ط ان تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة في العمل، وعند التساوي تعطى الافضلية للدولة الاولى بالرعاية، كما انه لا معني لان يقول احد الناس في مجال اعادة تاهيل المؤسسات الفنية الليبية والمصانع والالات والحقول والتقنيات الخاصة بمجال النفط، باننا سنجعل العقود في هذا المجال لهذه الدولة او تلك وانما هو امر سابق لاوانه وعندما ياتي هذا الاوان فهناك اهل اختصاص يتولون الامر وهناك خطوط ارشادية تاتي من الجهات السيادية والمسئولة عن اتخاذ القرار، لكي يعمل كل انسان وكل جهاز في اطار المسئولية الموكولة له، كذلك سمعت كلاما او تصريحا يقول صاحبه انه سيعهد بالتعليم في ليبيا لتلك الدولة او هذا القطر وطبعا ليس هناك شيئا اسمه التعليم بالمطلق فالتعليم مراحل منها الاولية ولنا فيها فائض من المدرسين الليبيين وربما المرحلة المتوسطة والجامعية وبها اختصاصات لا تصلح دولة واحدة لتلبيتها، فلن ناتي بمدرس يوناني لتعليم اللغة الانجليزية، ولا مالطي لتعليم اللغة الفرنسية،وانما يجب ان تكون مثل هذه الامور موضع دراسة من اهل الخبرة والاختصاص من ابنا ء البلاد، فاهل المجال ادرى باحتياجاته وكيفية استفائها، وهناك مؤسسات عالمية تعرض خدماتها، وربما بتكاليف اقل من غيرها، فمدرس لغة انجليزي، ياتي عن طريق المجلس الثقافي البريطاني، سيكون اقل كلفة من مدرس من دولة مجاورة مثل مالطا مهما كان رخص العمالة في الجزيرة الصديقة، ومدرس ياتي عن طريق هيئة التبادل الثقافي من فرنسا لتدريس اللغة الفرنسية سيكون اقل بكثير من النيجر رغم انها تتاخم بلادنا وبها عمالة اكثر رخصا، وطبعا العمالة وليست المتاجرة بالجنود المرتزقة الذين استعان بهم الطاغية، فلتكن العبرة ماثلة في اذهاننا ولنتوقف عن اطلاق مثل هذه التصريحات التي كانت احداها عن احتياج ليبيا للعمالة الاجنبية التي حدد صاحب التصريح بلدا يقول بانه سيعتمد عليه في توريد العمالة له وهو تصريح اراه خارج السياق ويذكرنا جميعا بالعمل العشوائي الذي اعتمدته الدولة الليبية في عهد الطاغية عندما كان يحضر العمالة من بلد ثم يطردها ويفرضها من بلد اخر على الليبيين ثم يامر بتغييرها، واقول لصاحب التصريح ان الشعب الليبي لم يقم باعطاء المجلس الانتقالي او مجلسه التنفيذي تفويضا برسم السياسات وفرضها على اهل البلاد، ولكل حادث حديث بعد ان تنشأ المؤسسات المنتخبة والمالكة لشرعية اتخاذ القرار، ولنفرض ان هناك صاحب مصنع تونة يحتاج الى عمالة من كريت لرخصها وتخصصها في هذا المجال فكيف سيفرض عليه عضو المجلس دولة العمالة التي اعتمدها ولتكن داهومي او النيبال، فهي تصريحات اعتبرها نوعا من الخروقات في الاداء وخروقات في التفويض الذي اعطاه الشعب لمجموعة افراد جاءوا كما قلت بحكم الظرف الطاريء والحالة العفوية ودون انتخاب او صناديق اقتراع وهو ما نريد كل مؤسساتنا القيادية والسيادية على المستوى المركزي والمستوى المحلي في المحافظات ان تاتي عن طريقها، وياليت اعضاء المجلس الانتقالي نفسه يبدأون باخذ تفويض شعبي من المدن التي يمثلونها عن طريق انتخابات للمدة المتبقية طالما انها ستستمر لمدة 18 شهرا بعد تحرير الفراغ من تحرير اخر الجيوب.
[email protected]
www.ahmedfagih.com