فجأة، وبقدرة قادر، اعترفت معظم الدول العربية بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. بقوا صامتين لأشهر، وكأن شيئا لم يكن هناك. وكأن رصاصة لم تطلق، ودما لم يسال، وكله تمام كما كان الوضع قبل عام من الآن، او اربعين عام.
لكن، وبعد ان تأكد سقوط النظام حملت كل واحدة من تلك الدول حجرا والقته على شوشة النظام الذي لا يعرف أحد كيف سقط ولا أين ذهب.
أنا لست مع القذافي الدموري، لكني لست مع المجلس الثوري الفوضوي. وأنا لست مع الدول التي اعلنت الحرب على النظام لأنه عمل غير قانوني رغم شرعية الامم المتحدة الزائفة، ولست أيضا مع الدول التي ايدت أيضا لأنها لم تكن ترى الحقيقة. أنا لا اريد ان ادعي وسطية لا أملكها، فآخر ما أعرفه عن نفسي هو الوسطية. ذلك ان الأيام قد اكدت لي أن لا وسطية في الدنيا، ولا اعتقدها في الآخرة ايضا. حتى الاديان نفسها لاتقبل بالوسطية فكيف يقبل بها البشر؟
ما حدث في ليبيا كان مهزلة ومأساة فرح بها البسطاء منا. اعتقدنا ان الطاغية قد سقط بيد شعبه. لكن الطاغية ليس وحده من يستحق صفة كهذه في هذا العالم المليء بالطغاة، وهو لم يسقط بيد شعبه على اية حال، بل بيد الناتو. ولولاه لما سقط.
أكره جبروت القذافي وجنونه، لكني أخشى من قادم الأيام، ومن الخوف الذي يعيش في النفوس، وعدم الثقة، والفوضى، والزعامات الوهمية. لكن وبصرف النظر عن رأيي وما أخاف ان يأتي، فقد تأكد لي بأن السياسة الخارجية للدول العربية ليست شبه ميتة كما اعتقدت لحين، بل هي ميتة منذ زمن.
اردوغان زار الصومال دون ان يكلف أمين عام جامعة الدول العربية نفسه زيارتها. مسؤولين من الصين وحتى فيتنام زاروا الصومال دون ان يزورها مسؤول عربي واحد، او نصف مسؤول، فعن أي سياسية خارجية عربية نتحدث؟
من القرن الافريقي الذي أعمتنا ضخامة كروشنا عن رؤية المجاعة، الى ليبيا، مرورا بالسودان ومجازر كارفور، وانتهاء بسوريا، كل ذلك يؤكد ان السياسة الخارجية للدول العربية تشبه الخبز الناشف، يحسب عليك وجبة لا يمكن أكلها.
علاقتنا بما يدور من حولنا له اساسان: الخوف والسطحية، وما حدث في ليبيا دليل حي. فقد بقينا نراقب الخبط واللبط وما يقوله الأقوياء قبل أن نحدد موقفنا. لو انتصر القذافي سندير ظهورنا لخصومه ونسارع لتهنئته غاضين النظر عن دماء الآلاف وكأنهم حفنة بعوض. أما وقد سقط فسكاكيننا تنتظره. إنها صورة نمطية للعقلية المخجلة التي هي مع من انتصر.
نحن ننتظر دوما ما تقول أمريكا قبل ان نحدد موقفا. دون ان نعي بأن امريكا لا تعرف ما يدور حتى في حديقتها الخلفية. ولست أعتقد ان أوباما يملك القوة التي ملكها من قبله اصحاب العيون الزرق الذين جلسوا على نفس المقعد. مع ذلك نسمر أعيننا على شفاهه السمر تنطق بالحكمة، حتى نكتشف ان حكمته quot;تودي في داهيةquot;.
السياسة الخارجية العربية تشبه عصفورا يعتلي ظهر فيل. والفيل هنا هو امريكا. فأين اتجه الفيل اتجهنا معه. العصفور على ضآلته مزعج، والفيل على ضخامته غبي، لكنه يملك القوة على الأقل، وهي ما لا نملكه نحن.
لقد الغت بعض الدول العربية وزارات الاعلام لديها. وثبت انه قرار حكيم. لماذا لا تلغي وزارات الخارجية ايضا. ألا تراه يكون قرارا حكيما آخر؟


[email protected]