ثلاثة انظمة عربية تخوض الان حروبا شعواء ضد شعوبها هي الانظمة الحاكمة في كل من سوريا واليمن وليبيا، وقد استتارث بهذه الحروب حفيظة العالم المتحضر، وجلبت على نفسها ادانة الهيئات الدولية بدءا بالامم المتحدة ووكالاتها، واطلقت موجة من الاستهجان والاشمئزار لسلوكها واجرامها عكلستها صحافة العالم وسائل اعلامه المرئية والمسموعة، جعلت جموع الناس، في كل اقطار العالم، تتابع باندهاش واستغراب، عبر هذه المنابر والوسائط، جرائم هذه الانظمة ضد شعوبها، وترى في هذا السلوك الوحشي الهمجي، عودة بالبشرية الى اساليب في الحكم هجرتها المجتمعات منذ عشرات القرون، ربما منذ عهود جنكيزخان وهولاكو وربما الاسكندر المقدوني قبلهما، عندما كان قانون الغلبة والقوة هو اساس الحكم، وكأن عجلة التاريخ قد دارت الى الوراء في دورة عبثية مجنونة، لترمي الى سلة المهملات بكل ما حققته البشرية من مكتسبات حضارية وتطوح بعيدا بما انجزه العلم والفكر والحضارة في علاقة الانظمة الحاكمة بشعوبها، عودة الى منطق القوة اوكما يقول التعبير القديم Might is right او اساليب الحكم كما عبر عنها المتنبيء منذ احدعشر قرنا ببيته الذي يقول:
وما تقر سيوف في ممالكها حتى تقلقل دهرا قبل في القلل
والقلل هنا رؤوس البشر المتنافسين على الحكم والسيطرة، وغالبا ما يكون ذلك الاحتراب بين قوى متكافئة تستخدم مواردها وفرسانها ضد طرف يملك هو ايضا موراد وفرسانا ولكن الحالة تختلف هنا باعتبار ان هؤلاء الحكام يستخدمون جيش بلادهم وعتادا اشتروه من خزائن الدولة ومن قوت المواطنين، للهجوم على هؤلاء المواطنين وتقتيلهم من اجل فرض انفسهم وبسط نفوذهم وسلطانهم، والمشكلة الثانية ان هذه الحرب ضد الشعب يقوم بها حاكم قضى في الحكم عدة عقود حتى انتهت صلاحيته واستنفذ ما لديه من افكار وما حصل عليه من شعبية غالبا ما نالها بالشعارات الفارغة والوعود الكاذبة والظهور بمظهر خادع كاذب وحان له بعد ان عرف الناس خداعه وفشلت مشاريعه ان يرحل ولكنه يابى الا ان يعاند التريخ ويحاول البقاء بقوة النار والجيش، والاستمرار في الحكم غصبا وقهرا، فكل حاكم من هؤلاء الحكام اقام في الحكم بما يوازي عشرات الاضعاف مما بقاه في الحكم حكاما جاءوا بالقبول والرضا ورحلوا بالقبول والرضا تاركين المكان لمن تجلبه الارادة الشعبية في مكانهم، فقد قضى الاسد الابن والاسد الاب اكثر من اربعة عقود يحكمان الشعب السوري بقوة الحديد والنار، وفي حين جاء الاب عن طريق انقلاب عسكري فارضا نفسه على الناس، جاء الابن بالخداع والحيلة والتوريث الذي لا تقره الانظمة الجمهورية، كذلك جاء الشاويش الذي رقى نفسه عقيدا السيد على عبد الله صالح في لحظة فراغ سياسي واغتيال عدد من الرؤساء كان اخرهم الرئيس ابراهيم الحمدي الذي قتل بعد قضاء ثلاثة اعوام في الحكم ثم احمد الغشمي الذي قضى عاما واحدا وسقط صريع قنبلة ارسلها له صنوه في حكم الجزء الجنوبي من اليمن ليجد على عبد الله صالح نفسه عضوا في اللجنة الرئاسية التي ازاحها واستلم بانتخابات صورية الحكم وفي الشهر الاول من حكمه اعدم ثلاثين ضابطا بحجة التامر عليه ليصفو له الجو في حكم اليمن ويستمر فيه ثلاثة وثلاثين عاما، وناتي الى عميد الحكام العرب باعتباره حكم فترة اطول من اي رئيس جمهورية اخر في المنطقة ووصل حكمه العتيد الى قرابة اثنين واربعين عاما ولحظة ان انتفض الشعب يطالب بتغيير النظام امر على الفور باطلاق النار رافضا الرحيل قائلا قولته الشهيرة انه رمز الوطن والشخصية المقدسة التي لا يجب ان يجرؤ احد على الاقتراب منها. وليمت الشعب كله قصفا بنيران المدافع وصواريخ الجراد وقذائف الطيران الحربي اذا رفض القبول به قائدا الى الابد، ولولا التدخل الدولي وقرار الجامعة العربية الذي نقل صرخات النجدة الصادرة من الشعب الليبي الى الامم المتحدة فحدث القصف لقوات الجيش الليبي لكانت مدنا مثل بنغازي قد تهدمت فوق رؤوس ثلاثة ارباع المليون من اهلها. وتشترك الحكومات الثلاث في تسمية هذا الشعب الذي انتفض ضدها بملايينه الكثيرة، باسم عصابات التخريب والارهاب وهو قول لا ينطبق الا على هذه الحكومات ومن سار سيرها وقام بتنفيذ اوامرها، وهو اجرام قامت بتوثيقه اجهزة الاعلام وجمعيات حقوق الانسان الدولية ومنظمات تابعة للامم المتحدة وها قد وصلت احدى هذه العصابات الحاكمة الى محكمة الجنايات الدولية واستطاع النائب العام للمحكمة السيد اوكومبو ان يجمع ما يكفي من الادلة على اصدار قرارات الاتهام ومذكرات القبض على ثلاثة من قيادات النظام الليبي في مقدمتهم السيد القذافي قائلا بانه في سبيل استكمال الدلائل والبراهين لاصدرار قرارات التهام قد تشمل اكثر من ثمانين عنصرا من اركان النظام الليبي، ولا اعتقد ان الامر سيطول قبل ان تصدر قرارات اتهام اخرى لقادة النظام الاجرامي في سوريا برئاسة السيد بشار الاسد ثم النظام الاجرامي في اليمن بقيادة السيد الشاويش على عبد الله صالح. ليتاكد على مستوى الكرة الارضية اجرام هذه الانظمة التي فقدت شرعيتها وزال عنها الرداء الخادع الذي ارتدته عدة عقود مدعية انها انظمة حكومية بينما هي لا علاقة لها بالنظام ولا الحكم وانما عصابات ارهابية اجرامية، وقد كان الارهاب والاجرام ملازما لها منذ ان استلمت الحكم.
الامر المؤسف حقا والموجب للالم والاسى هو ان هذه العصابات الاجرامية الارهابية الثلاث التي استولت على مقدرات كل من سوريا وليبيا واليمن مازالت برغم انكشاف طبيعتها الدموية الاجرامية تحظى بنصيب من المناصرة والتاييد من بعض الشرائح في مجتمعات هذه البلدان، ويمكن تقسيم هؤلاء الانصار الى اربعة اقسام، ويتكون القسم الاول من عناصر النظام، فمعروف ان هذه الانظمة تحكم بلدانها حكما عائليا اشبه بعائلات المافيا او ما يسمونها الكوزا نوسترا، وللعائلة رؤوس ظاهرة ورؤوس سرية غالبا ما تدير اجهزة الامن او تدير مؤسسات المال المنهوب من خزائن الدولة وممتلكات الشعب، وهناك حلقة اولى وثانية وثالثة مبثوثة في مختلف اجهزة الدولة، اما عناصر القسم الثاني فهم جمعية المنتفعين ممن يعملون خدما تحت اعضاء العائلة وهم خليط من ابناء عشيرة الرئيس وعدد من المرتزقة ممن شاركوا النظام في ارتكاب جرائمه وقاموا بادوار القتلة والجلاوزة والقوادين، وهم في ذات الوقت يكونون حلقة اللصوص المشاركين في نهب المال العام، وهي فئة ربطتها بالحاكم علاقة قدر ومصير الى حد اعتبارها عائلة ثانية له، او عائلة في المرتبة الثانية بعد افراد العائلة الواسعة بحلقاتها المتعددة، وهذان قسمان من انصار الحاكم وشركائه لا يثير وجودهما استهجانا ولا استغرابا.
فئة ثالثة هي ايضا لا يثير وجودها استغرابا في مثل هذه الانظمة الاجرامية، وهي فئة غالبا ما يكون وجودها مع النظام ودفاعها عنه، جاء عن طريق الارغام، مثل بعض شباب الجيش الذين يقاتلون مع النظام، واذا ابدوا شيئا من التمرد والعصيان كان مصيرهم القتل، احيانا عن طريق مرتزقة يؤجرون من الخارج للوقوف خلف ظهور المقاتلين لاطلاق النار على كل من يبدي ترددا او رفضا للأوامر، وقد يصدق هذا الامر على فئة من المدنيين وخدم القصور ممن صار صعبا عليهم الافلات من العمل تحت امرة اركان النظام، بل يمكن ان نضيف الى هذه الفئة من تم جلبهم من اهل البلاد عن طريق الاغراء والاستئجار والرشوة، من ضعاف النفوس واصحاب الولاء الضعيف للوطن وذوي الشخصية المهزوزة او المريضة.
وهناك قسم رابع اوفئة رابعة هي التي يمكن ان تكون محل استغراب لانها لا ترتبط مع النظام بعلاقة عائلية ولا عشائرية، كما انها لا تنتمي لجمعية المنتفعين عن طريق السماح لها بنهب المال العام ولا علاقة لها بالاجهزة الموكول اليها اهدار دماء الخصوم والمشاركة في تعذيبهم او التجسس عليهم، فعناصر هذه الفئة لا يختلفون اطلاقا عن الفئات الثائرة من ابناء الشعب، وتعرضوا لنفس الاذى، والقهر وحجب الحريات والحرمان من ثروات الوطن، وعاشوا في عوز وضيم وظلم ومسغبة، ومع ذلك نجدهم ينحازون في مرحلة الثورة والتمرد الى الحاكم، يناصرون نظامه، ويخرجون في المسيرات الحاشدة لتأييده، ويهتفون من بيوتهم للاذاعات يعبرون عن تاييدهم له ويطلقون سبابهم وشتائمهم ضد القوى التي خرجت لتحريرهم من ربقة الطاغية ونظامه الاجرامي، بل ويقدمون المدد لعساكره وعناصره الامنية التي تحارب الثوار، وهي فئة تستحق ان تكون موضوع تامل في مقالة مستقلة قادمة باذن الله.
[email protected]
التعليقات