-1-
هل الحرب سر مقدس؟
هذا ما يقرره روجيه كايوا (1913-1978)، عالم الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا والناقد الأدبي الفرنسي، وعضو الأكاديمية الفرنسية. ويقول في كتابه quot;الإنسان والمقدس Lrsquo;homme et le sacreacute; quot; :
quot;تقديس الحرب، ذهنية دينية أصيلة. وزمن الحرب يضاهي زمن العيد في الأديان. وفترة الحرب هي فترة الظهور الإلهي eacute;piphanie. وهي الفترة التي يضفي فيها الموت على أعمال الميت المحارب، قيمة رفيعة، لاعتقاده أنه يكتسب فيها شجاعة، لا يجد لها مثيلاً في ممارساته الحياتية. وبذا يصبح الإنسان قاهراً لا مقهوراً، ومنتصراً لا مهزوماً. وهو ما يمثله النزول إلى الجحيم في الأساطير القديمة.quot;
فهل كان الإرهابيون، أتباع quot;القاعدةquot;، وطوطمهم (ابن لادن) يندفعون إلى العنف كل هذا الاندفاع المحموم، نتيجة لذلك. وهم الذين كانوا يشعرون بأن الإرهاب وما يتبعه من عنف القتل والتنكيل، هو ما يلزمهم لإظهار شجاعتهم وقدرتهم على القتال، وبأسهم الشديد، الذي حاولوا ممارسته في المجتمع المدني، فلم يُتح لهم ذلك. وقد لاحظتُ - ونحن صغار ndash; كيف أن فترات الخصام والعراك العنيف مع زملائنا الآخرين، هي أمتع الفترات، وأكثرها التصاقاً وبقاءً في الذاكرة. وكنا نجد فيها فرصة كبيرة، لممارسة لذة الانتقام، وإظهار الشجاعة والرجولة المبكرة. فكما أن الحروب ndash; كما يقول إيريك لوديندورف Ludendorff في كتابه quot;إجمالي الحرب Der Totale kriegquot; ndash; هي quot;أقصى التعبير عن إرادة الوجود القومي، فإنها بالنسبة للشعوب والأفراد، قمة القيم الأخلاقية. ولا يجوز أن تكون الحرب وسيلة للسلم، بل إن السلم يجب أن يكون فترة الإعداد للحرب.quot;
وهذا الفكر الألماني (فكر لوديندورف) هو الذي أسس للنازية وللعنف الألماني، وهو نفسه فكر الإرهاب الذي أسسه ابن لادن، ومن قبله الداعية الديني الفلسطيني عبد الله عزام، وغيرهما.
-2-
ولهذا السبب، وغيره من الأسباب، لطم وبكى كثير من الأتباع، على مقتل الطوطم (ابن لادن) الذي كانوا يعبدونه، ويصلون من أجله، ولنصرته، ويدعون له بالنصر والفوز، على مآذن المساجد، وعلى منابرها، وفي خُطب الجمعة سراً وجهراً. وأطلقوا عليه quot;شيخ الإسلامquot; و quot;المنقذ من الضلالquot;، و quot;قاهر الكفارquot;.. الخ. وأصبح هذا الطوطم هوس المهووسين، ودين الإرهابيين الشعبي. فالطوطمية أول صورة للدين في التاريخ البشري. وقال دارون: quot;لا بد لنا من ذكر أمرين مهمين، حتى نعرف نشأة الأخلاق، وهما: الطوطم، والطبو. أما الطوطم، فهو الحيوان المحترم، الذي لا يجوز قتله. وأما الطبو، فهو الشيء المحرّم عند المتوحشين. وهذان هما سببا ولادة المحرّمات، والمحرمات هي التي ولّدت الأخلاق.quot;
-3-
وتثير فلسفة عبادة الطوطم، والكواكب، والأصنام، ومن قبل بعض الباحثين العجب. علماً أنها لا تحتاج الى كل ذلك، إذ أنها من طبيعة الإنسان. فقد كان الإنسان يعبد الحيوان الذي يخافه لأنه كان رمز القوة. وكذلك كان يعبد الأسد للسبب نفسه. وفي العصر الحديث، فالحكام الدكتاتوريون، هم رمز للقوة. وكان هتلر، وموسوليني، وستالين، وعبد الناصر، معبودي الجماهير في ألمانيا وإيطاليا وروسيا ومصر والعالم العربي. وأصبح الطوطم (ابن لادن) اليوم هو المعبود الجديد لجمهور الإرهابيين، ممن حملوا السلاح، ومارسوا الإرهاب بشكل واقعي على الأرض وبكافة أشكاله المختلفة، أو ممن باركوه من على بُعد وقرب، كمعظم السلفيين والأصوليين الدينيين. وهذا كله ما يفسر قول دارون، من أن هدف الفرد، كان أن يرتقى مركزه على عمود الطوطم فوق منافسيه. وبطبيعة الحال، لا تسمح قمة عمود الطوطم إلا بفرد واحد، يليها مركز واحد ثان، وهكذا. الأمر الذي يجعل المركز الاجتماعي وضعاً مطلقاً لا يتحقق لشخص إلا على حساب شخص آخر.
-4-
الجهد المثمر مع الإرهابيين - خاصة الخليجيين منهم - هو تكليف أطباء وعلماء نفسانيين لمعالجتهم ودراستهم، ودراسة ظاهرة الإرهاب نفسياً، وتقديم البحوث العلمية النفسية عن ظاهرة الإرهاب. فالمناصحة الدينية كانت مفيدة لعلاج ظاهرة الإرهاب، ولكنها كانت محدود وضيقة جداً. وعلماء النفس، كانوا سيفيدون محاربة ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي فائدة كبيرة، أكثر بكثير من جنرالات الأمن والجيش وفذلكات المعلقين السياسيين. وكان علماء النفس سيقدمون لنا معلومات علمية كثيرة ومفيدة، عن ظاهرة الإرهاب، وعن هؤلاء الإرهابيين وقادتهم، تعجز عنها كل التحليلات السياسية السيّارة، كما يعجز عنها شيوخ quot;المناصحة الدينيةquot;، فيما لو علمنا أن هؤلاء الإرهابيين ndash; عناصر وقيادات ndash; هم من ذوي التدين الشعبي. كما أن أتباعهم من المريدين والمؤيدين، هم من البسطاء، ومن ذوي التدين الشعبي، كذلك. والتدين الشعبي كما تقول الباحثة التونسية زهية جويرو في كتابها quot;الإسلام الشعبيquot;، يختلط دائماً quot;بالسحر، والأسطورة، والدين، والتاريخ. ولذا، عاد التدين إلى الانتشار حتى في عصر العلم، والحداثة، والعولمة.quot; كما اختلط التدين الشعبي بالطب الشعبي، كما تشير الباحثة المغربية نادية بلحاج في كتابها quot;السحر والتطبيب في المغرب، 1986quot;. فقد تضمَّن التطبيب الشعبي لعناصر نباتية وحيوانية ودينية (انتشر كثيراً مثلاً العلاج بالقرآن، والعلاج بالرقية الدينية). وأن هذه العناصر هي من بقايا العقائد الشعبية عن الطوطمية، التي ما زالت قائمة. أما عن تأويلات الطوطمية، فقد قال عالم الاجتماع مالنوفسكي، نقلا عن عالم الانثربولوجيا البنيوية كلود ليفي ستروس، إن انتساب الإنسان الأول إلى الطوطم، كان لأسباب بيولوجية محضة. فتسمية بعض العرب بأسماء حيوانات مثل quot;أسامةquot; (ومعناها الأسد) أثارت جدلاً طويلاً بين المؤرخين العرب، حول ما إذا كانت هذه الظاهرة تفسر اجتياز العرب للمرحلة الطوطمية أم لا، كما يقول الباحث المغربي محمد أسليم.
ويبدو أن ظاهرة التسمية بأسماء الحيوانات (ليث، أسد، فهد، نمر، سبع، شبل، غزال، غول.. الخ) التي ما زالت مستمرة حتى الآن وبقوة، تفسر بوضوح أن العرب لم يجتازوا بعد المرحلة الطوطمية. بل إن التقديس إلى حد العبادة، وصلاة الغائب التي أقيمت في أنحاء متفرقة من العالم العربي والإسلامي على مقتل الطوطم (ابن لادن) تشير بوضوح إلى مكوث العرب في quot;المرحلة الطوطميةquot; حتى الآن، وهي مرحلة يُطلق عليها البعض مرحلة quot;ما قبل التاريخquot;!
التعليقات