-1-

من حق جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي العالم العربي، أن يحاولوا الوصول إلى السلطة، ولكن شرط أن لا يستعملوا العنف المعهود عنهم، والذي شاهدنا ضحاياه في الأربعينات من القرن الماضي في اغتيال النقراشي باشا، والقاضي المستشار أحمد الخزندار، وقائد الأمن العام في القاهرة، الحكمدار سليم زكي. وفي الخمسينات عندما حاولوا اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية 1954. وقد اعترف مؤرخ الإخوان أحمد رائف بأن حادث المنشية حقيقي وغير مفبرك. وقال القيادي الإخواني فريد عبد الخالق أن خطة اغتيال عبد الناصر وضعت عام 1953.

-2-

حُكمُ الإخوان لمصر أو لغيرها، ضرورة سياسية مهمة لتحقيق التجاوز عن الدولة الدينية. وبدون ذلك، سوف يظل حكم الدولة الدينية، والخلافة الإسلامية، يدغدغ مشاعر وأحلام البسطاء وسواد الناس، كمخرج حالم ورومانسي للأزمات الفاتكة، بعد أن فشلت أنظمة الحكم المدنية والدكتاتورية المتهالكة في معظم أنحاء العالم العربي في الإصلاح والصلاح والمصالحة بين السلطة والعدالة. ولكي نفقأ ونفتح هذا الدُمَّل الديني الذي يتضخم يوماً بعد يوم. وكذلك لكي، يُجرِّب المصريون الدولة الدينية التي فارقوها، منذ أكثر من مئة عام، واستبدلوها بالدولة المدنية، رغم محاولات الأزهر، إعادة الخلافة الإسلامية لمصر من تركيا، وللملك فؤاد خاصة، بقيادة شيخ الأزهر مصطفى المراغي (1928-1930) ، و (1935-1945).

-3-

لن يكون حُكمُ الإخوان الديني لمصر غريباً أو مستهجناً لدى العرب الحالمين بالخلافة الإسلامية. فقد حكم مصر من قبل، العرب المسلمون، والأيوبيون، والمماليك، والفاطميون والعثمانيون وغيرهم، حكماً دينياً. ولكن حكم الإخوان لمصر في القرن الحادي والعشرين سيكون مختلفاً، فيما لو دققنا النظر في موقف الرأي العام العالمي، من الدولة الدينية، في غزة بقيادة quot;حماسquot;.

فهل سيكون موقف الرأي العام العالمي وحكوماته، من دولة الإخوان الدينية في مصر مشابهاً؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية ndash; رغم نفيهم المستمر لكل هذا، فهم يتمسكنوا حتى يتمكنوا كما يقال ndash; سيقيمون الحدود الشرعية على الزاني، وشارب الخمر، والسارق، وكل من يرتكب معصية دينية. وأنهم سيغلقون بارات مصر ومشاربها، وسيلغون جانباً كبيراً من الأنشطة السياحية، التي تعتبر مصدر الدخل القومي الأول؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية ndash; رغم نفيهم المستمر لكل هذاndash; لا تؤمن بالديمقراطية، وتعتبرها كفر، ومن الكبائر. وتؤمن بمجالس الشورى فقط. كما أنها لا تؤمن بتداول السلطة. وكان هذا محل خلاف ونزاع كبير بينهم وبين مفكري مصر كخالد محمد خالد، وفرج فوده، وأمين الخولي، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية ndash; رغم نفيهم المستمر لكل هذا ndash; أن كافة النساء في مصر، سيفرض عليهن الحجاب فرضاً. ومن لن تلتزم، ستُجلد في فضاء عام كميدان التحرير، كما تمَّ مع الفتاة السودانية، التي لبست الجينز، فجُلدت؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية ndash; رغم نفيهم المستمر لكل هذا ndash; أن أقباط مصر سيعاملون معاملة أهل الذمة؛ أي مواطنين من الدرجة الثانية؟

وهل يعلم المصريون، أن دولة الإخوان الدينية سوف تلغي معاهدة كامب ديفيد، وتعيد حالة الحرب وويلاتها مع إسرائيل، إلى ما كانت عليه قبل 1973 ، وتعلن الجهاد الأكبر. وقد قال عصام العريان (quot;القدس العربيquot;، 4/2/2011) quot;اتفاق السلام مع إسرائيل سيطرح على استفتاء شعبي في محاولة لإلغائه بشكل دستوري. أو التوجه الى البرلمان لإلغائه. إسرائيل أيضاً تعرف، أننا لن نعترف بها.quot; ومعنى هذا كله الحروب الجديدة مع إسرائيل؟

وهل يعلم المصريون أن دولة الإخوان الدينية، سوف تقوم بتعديل المناهج الدراسية لزيادة المواد الدينية، وتنقيح المناهج بمبادئ وأفكار الإخوان منذ مئة عام حتى الآن؟

وهل يعلم المصريون أن دولة الإخوان الدينية، سوف يصدِّرون نظام وأحكام الدولة الدينية الإخوانية إلى العالم العربي، من خلال تنظيماتهم المنتشرة، في كافة أنحاء الوطن العربي، مستغلين هشاشة الأنظمة، والأحزاب السياسية العربية القائمة؟

وإذا لم يفعل الإخوان كل ذلك، وإذا كان كل ذلك، أكاذيب ودسائس ضد الإخوان، فما معنى إذن، دعوتهم المستمرة وquot;نضالهم الدءوبquot;، لإقامة دولة دينية وتولي السلطة؟

وما معنى إذن، شعارهم الرنان الطنَّان: quot;الإسلام هو الحلquot;؟

ولماذا إذن، يسعون للاستيلاء على السلطة بكل الوسائل المتاحة، ويتحالفون مع العَلْمانيين، والماركسيين، واليساريين، للوصول إلى السلطة؟

-4-

صحيح أن معظم قوى المعارضة ndash; وهي قوى ضعيفة ومشتتة في معظمها ndash; تشارك في فعاليات ما يجري الآن في مصر. ولكن الدور التنظيمي والدعوي والسياسي الرئيسي لما يجري في مصر الآن، منوط بجماعة الإخوان المسلمين خاصةً، للأسباب التالية:

1- أن الإخوان المسلمين في مصر، هم أكبر حزب ديني/ سياسي عدداً، وعدة، وتنظيماً، وحراكاً،ً وممارسة.. الخ.

2- أن الإخوان المسلمين في مصر، هم الحزب الذي لديه الخبرة الكافية منذ 80 عاماً في quot;إدارة الشوارعquot;، بعد أن انتهى دور الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها الشيوعيون، الذين كانوا أمهر الأحزاب في quot;إدارة الشوارعquot;، وإقامة الثورات الشعبية في الشوارع. ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في quot;إدارة الدولةquot;، كما شاهدنا في الاتحاد السوفيتي، والكتلة الشرقية عامة.

3- أن الإخوان المسلمين في مصر، لم يتوانوا طوال تاريخهم من محاولة الحكم والاستيلاء على السلطة، منذ أن قرر حسن البنا الترشُّح للانتخابات التشريعية عام 1948، ولكنه تراجع عن قراره، بعد أن وعده النحاس باشا بفتح فروع للإخوان في كافة محافظات مصر. ولكنه عاد وترشَّح مرة أخرى، ولم ينجح. وعاد الإخوان في محاولة جديدة للوصول إلى السلطة، من خلال محاولة اغتيال عبد الناصر، في حادثة منشية الإسكندرية عام 1954، بيد ألإخواني محمود عبد اللطيف. مما دفع عبد الناصر فيما بعد، إلى إعدام كثير من قادتهم، وعلى رأسهم عبد القادر عودة، وسيد قطب وغيرهما.

4- أن الإخوان المسلمين في مصر، هم أصحاب التنظيم السري المعروف، منذ أربعينات القرن الماضي، والذي اغتال النقراشي باشا، والمستشار القاضي أحمد الخزندار، وحكمدار (مدير الأمن العام) القاهرة سليم زكي وغيرهم. وهذا التنظيم ما زال قائماً إلى الآن، ويعمل، ولكن ليس من أجل الاغتيالات السياسية، بقدر ما هو من أجل التنظيم الشعبي، والحشد، والمطالبة في السلطة. وقد شاهدنا في الأيام الأخيرة، وفي ميدان التحرير، كيف كان دور القيادي الإخواني محمد البلتاجي (نائب إخواني سابق نجح في انتخابات 2005، وسقط في 2010) في تجميع الشباب العاطل عن العمل من العشوائيات المنتشرة حول القاهرة للتظاهر والاحتجاج، في ميدان التحرير. كذلك الدور الإعلامي والجماهيري الذي قام به كلٌ من سعد الكتاتني القيادي الإخواني الذي صرَّح

لوكالة الأنباء الفرنسية أن quot;الجمعية الوطنية للتغييرquot; التي تضم الإخوان المسلمين، وقوى أخرى، quot;فوضت محمد البرادعي للتفاوض مع السلطةquot;، والقيادي الإخواني الآخر عصام العريان.

5 - وعلينا أن لا ننسى دور الشيخ حافظ سلامة في السويس. وهو العضو البارز في الإخوان، وما قام به من حشد ديني، وإلقاء المواعظ الدينية، التي يستجيب لها الشارع المصري بسهولة. وهو أمر أخذ به الإخوان في مصر، ويأخذون به في الأردن الآن، سيما وأن هناك فضائيات مؤثِّرة، وذات جمهور واسع في العالم العربي، تقف إلى جانبهم، وتتبنى خطابهم.

6-أن الإخوان المسلمين في مصر، لهم خطاب ديني سلس ومفهوم لدى العامة المتدينة من الناس، الذين من السهل جداً قيادتهم وحشدهم والتأثير بهم على مجريات الأمور.

7-أن الإخوان المسلمين في مصر، هم الغالبية في الشارع المصري البسيط المتدين تديناً شعبياً، والمستفيد في غالبيته من الخدمات الاجتماعية والمالية التي تقدمها جماعة الإخوان المسلمين نيابة عن الدولة المقصِّرة في مثل هذه الخدمات، وخاصة عن نزول الكوارث، ككوارث الزلازل المدمرة التي حدثت في عام 1992 وعام 1999.

8- أن الإخوان المسلمين في مصر، هم من شاركوا في انتخابات السلطة التشريعية عام 2005 - وهذا مهم جداً ndash; وحصلوا على 88 مقعداً في البرلمان فدخلوا مجلس الشعب فرحين، لأول مرة بهذه القوة التشريعية الضخمة. ولم يثيروا، أو يحشدوا الشارع المصري، كما يفعلون الآن. أما اليوم، وقد خسروا الانتخابات بفعل السلطة الحاكمة وبفعلهم، عندما قرروا مع حزب الوفد العَلْماني الانسحاب من الانتخابات. فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها. وفي ظني أن الإخوان لو حصلوا على 100 مقعد في مجلس الشعب، أو أقل قليلاً في انتخابات 2010، لما أقدموا على ما أقدموا عليه، ولسكتوا، وغضوا الأبصار عن ثلاثين عاماً من عهد مبارك، لم يكتشفوا فساده وضرورة الإطاحة به إلا مؤخراً، وبعد سقوطهم هم المدوي في الانتخابات. ولكن جهل وتخلُّف السلطة الحاكمة في حرمانهم كليةً من مقاعد مجلس الشعب، هو الذي أشعل النار والحقد في صدورهم، وقادهم إلى ميدان التحرير لمحاكمة السلطة هناك. فانتقل الإخوان من مجلس الشعب عام 2005 إلى ميدان التحرير عام 2011. وكان لهم في ميدان التحرير الصوت الأقوى والأعلى، مما كان لهم في مجلس الشعب، حيث لم يطالبوا هناك بتنحية مبارك، أو بكل المطالب التي يطالبون بها الآن، دون وعي لمصير مصر بعد ذلك.

فالهدم سهل وممتع، ولكن البناء صعب ومتعب.

9- أن الإخوان المسلمين، لا يتحالفون إلا مع الأحزاب الضعيفة غير المنافسة لهم (الوفد الحالي مثالاً). ولعل قوتهم في مصر ناتجة عن ضعف الأحزاب السياسية الذي اعترف به حسنين هيكل (جريدة quot;الشروقquot;، 3/2/2011). ولولا ضعف الأحزاب السياسية في مصر، لما ظهر الإخوان بهذه القوة في الشارع المصري الآن. كذلك الحال بالنسبة للأردن، حيث لم يكن للإخوان هناك صوت يُسمع قبل 1957، وقبل حلِّ الأحزاب السياسية، وتفريغ الساحة السياسية الأردنية من الأحزاب، والسماح للإخوان وحدهم بالعمل السياسي. وهم يتحركون الآن بقوة في الأردن للسبب ذاته. حيث هُزال وهشاشة وسطحية الأحزاب السياسية الأردنية.

10- وأخيراً، فإن الإخوان المسلمين في مصر، لا يريدون إصلاح النظام الحالي، ولكن هدم النظام المدني، واستبداله بنظام ديني على غرار نظام quot;حماسquot; في غزة، أو الملالي في إيران. فهناك في إيران عصمة الولي الفقيه، وهنا في مصر عصمة الولي المرشِد. ولا يُستبعد غداً اقتحامهم لقصر العروبة واغتيال مبارك كما فعلت حماس بطباخ محمود عباس حين ألقته من الدور السادس في عمارة بغزة انتقاماً. لذا، فالإخوان رغم اعتراف النظام بهم ndash; ولأول مرة منذ ستين عاماً (1952)، عندما دعاهم عمر سليمان نائب الرئيس للحوار، واستجابوا، فتلك فرصتهم التي انتظروها منذ 1952، ولم يحصلوا عليها إلا اليوم.

السلام عليكم.