-1-
لماذا سيكون مستقبل مصر محصوراً بين quot;الحزب الوطنيquot;، وزعيمه حسني مبارك، أو خليفته في الزعامة جمال مبارك، وبين مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، أو من سيخلفه؟
وأين بقية قيادات الأحزاب السياسية المصرية من اليمين واليسار؟
وهل هذه الأحزاب هزيلة هُزالاً، لا تستطيع معه تقديم مرشح عنها، لخوض معركة رئاسة الجمهورية في 2011؟
ومن هو الملوم في هُزال هذه الأحزاب السياسية، وكونها عاقراً لا تلد قائداً، يناطح حزب اليمين (جماعة الإخوان المسلمين) وقائده محمد بديع، أو الحزب العَلْماني اللاديني (الحزب الوطني الديمقراطي) وقائده حسني مبارك، أو جمال مبارك؟

-2-
إن ثقل مصر السياسي والثقافي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط ndash; رغم فقرها وكثرة عدد سكانها - هو السبب وراء اهتمام كثير من المحللين السياسيين في الشرق والغرب بمصر. وكان من مظاهر هذا الاهتمام في الفترة الأخيرة كتاب (مصر بعد مبارك: الليبرالية، والإسلام، والديمقراطية في العالم العربي) لأستاذ العلوم السياسية في جامعة كولاجيت الأمريكية بروس روثرفورد. وهذا الكتاب يقدم تحليلاً للقوى السياسية داخل النظام السياسي المصري. والتي يُجملها الكتاب في ثلاث قوى رئيسية هي: جماعة الإخوان المسلمين ـ المحظورة رسمياً ـ والقضاة، وطبقة رجال الأعمال. ويُظهر الكتاب أن تلك القوى الثلاثة، تعمل بشكل متوازٍ فيما بينها، داخل النظام السياسي المصري، وليس بصورة موحدة فيما بينها، من أجل التأثير على مستقبل مصر السياسي.

-3-
إن المعارضة السياسية العرجاء، والهزيلة، التي تركها النظامان العسكريان المصريان السابقان: الناصري والساداتي، والذي قام حسني مبارك خلال الثلاثين عاماً الماضية بإعادة بعض العافية والصحة لها، لكي تقوى، وتنهض، وتسير بثقة سياسية كبيرة، هي السبب وراء أن الأحزاب السياسية ndash; ما عدا حزب الإخوان المسلمين اليميني ndash; هي أحزاب عرجاء، لا تستطيع الوقوف بوجه quot;الحزب الوطني الديمقراطيquot; الحاكم.

-4-
يقول لنا التاريخ الحديث، أن quot;العسكرتارياquot; التي حكمت مصر قرابة ثلاثين عاماً بعد العهد الملكي (1952-1981)، كانت السبب الرئيسي وراء اختفاء الحياة السياسية المصرية، والزعماء السياسيين المصريين، ما عدا quot;جماعة الإخوان المسلمينquot; التي كانت تتلون بألوان اجتماعية وسياسية مختلفة كالحرباء، وتتحالف مع الأعداء لها من الأحزاب والزعماء، طوال عمرها المديد في مصر منذ 1928 إلى الآن في سبيل البقاء حية، والوصول إلى كرسي الحكم. وهي التي تُعرف ndash; رسمياً - في كثير من البلدان العربية، في اشتداد الأزمات السياسية بأنها quot;جماعة اجتماعيةquot; ترعى الفقراء والأيتام والأرامل والمحرومين. ولا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد (quot;إخوانquot; الأردن في الخمسينات من القرن الماضي خير مثال) وعندما ترشَّح مؤسسها ومرشدها العام حسن البنا لانتخابات البرلمان المصري 1942، أقنعه النحاس باشا بالتخلّي عن ذلك مقابل السماح للجماعة بفتح فروع لها في كافة أنحاء مصر. ولكن البنا عاود الترشُّح من جديد 1944. وردد مرشدها العام ( حسن الهضيبي) فيما بعد القول للجماعة:
quot;كونوا هُداة لا قُضاةquot;؛ أي لا تعملوا في السياسة. وعليكم بالهداية والإرشاد الديني فقط، ومن هنا جاء لقب زعيمهم quot;المرشد العامquot;!

-5-
إذن، كان quot;قتلُ مصرquot; كما قال لنا المؤرخ المصري شفيق مقار في كتابه (قتلُ مصر: من عبد الناصر إلى السادات) في العهد الجمهوري العسكري.
أما حسني مبارك، فقال عندما جاء إلى الحكم عام 1981:
quot;أنا لست السادات، ولست عبد الناصر.quot;
وأطلق من السجون مئات المثقفين والصحافيين (1536 معتقلاً من كافة الاتجاهات) الذين اعتقلهم السادات قبل اغتياله بأيام. وحاول مبارك أن يأتي لمصر بسياسة مخالفة لكل من عبد الناصر، والسادات في الداخل والخارج، رغم أنه ما زال يستعمل الآليات العسكرية نفسها، التي كانت تُستعمل في العهدين السابقين. ورغم أنه كان ndash; وما زال - يحتفظ بأكبر ثلاثة مظاهر من مظاهر المجتمع المصري، التي جاءت بها الثورة في العام 1952، وهي: quot;الحزب الوطني الديمقراطيquot;، و جزء من quot;القطاع العامquot;. وملكية الدولة الكاملة لجزء من الإعلام المقروء، والمسموع، والمرئي.

-6-
كما قام العسكريون في العهدين الناصري والساداتي بتزييف الشعارات، وقلب الحقائق الاقتصادية العلمية. ففي العهد الناصري تمّت حملات التأميم بدءاً من تأميم قناة السويس، وتتابعت بالنسبة للشركات الأجنبية، والبنوك الأجنبية، والبيوتات التجارية الأجنبية باسم الاشتراكية. والواقع لم تكن هناك اشتراكية بقدر ما كانت هناك quot;رأسمالية دولةquot;، حيث انتقل رأس المال من الأفراد والجماعات الى الدولة التي أساءت إدارة رأس المال هذا لقلة خبرتها، ولبيروقراطيتها المغرقة بالفساد، بحيث تحوّلت معظم الشركات الرابحة الى شركات خاسرة، في ظل إدارة الدولة لها. وقد شهد بذلك العديد. فقال حسنين هيكل (سادن المعبد الناصري) في العام 1961 أن التأميمات الأولى من قناة السويس جعلت من القطاع العام؛ أي الدولة، المقاول الأول، والقوة المحركة الأساسية، في التنمية الاقتصادية.

-7-
كذلك قتل العهد الجمهوري العسكري الحياة السياسية المصرية التي كانت سائدة في العهد الملكي. فالديمقراطية التي كان يتبعها المجتمع العسكري كانت ديمقراطية quot;إجراءاتquot; وليست ديمقراطية quot;قراراتquot; كما قال المفكر المصري الراحل خالد محمد خالد في كتابه (quot;الديمقراطية أبداًquot;، ص 123).
وغالباً ما كانت القيادات العسكرية كارهة للثقافة الغربية الموسومة من قبلهم بالاستعمار والتسلط الغربي. كما أن ميل القيادات العسكرية إلى الانفراد بالسلطة قد قادهم إلى تبني الاستبداد. بل إن الاستبداد هو الذي قادهم إلى الانفراد بالسلطة. وكانت من مظاهر هذا الاستبداد احتقار المثقفين على كافة المستويات وعدم الاستعانة بهم والاستعانة بـ quot;أهل الثقةquot; فقط من العسكريين. وظلت الثكنات العسكرية هي المصدر الأساسي للكوادر الحكومية والإدارية. وتم استبعاد المثقفين عن مراكز القيادة والاستعانة بالعسكريين فقط. وتم التنكيل بالمثقفين، ومطاردتهم، وتعذيبهم. ولعل أعداد المثقفين من اليمين واليسار الذين تم اعتقالهم، وتعذيبهم ، وقتلهم في المجتمع العسكري المصري، في النصف الثاني من القرن العشرين يساوى أضعاف ما تمَّ في تاريخ مصر كله منذ آلاف السنين ، بل يساوي أضعاف ما تمَّ في العالم العربي منذ آلاف السنين، كما يقول المؤرخ المصري حسين مؤنس في كتابه (quot;باشوات وسوبر باشواتquot;، صفحات عدة متفرقة).

-8-
أما دور الإخوان المسلمين في مصر، فقد كان دور زيادة quot;الهبل الدينيquot; وquot;الدروشةquot; الدينية، وتجسيد المُلك بإقامة الدولة الدينية، ليكون مرشد عام الإخوان هو الخليفة أو المرشد العام، كما كان حال الخميني سابقاً، أو علي خامئني راهناًًٍ. ففي الوقت الذي بدأ فيه العالم كله يسير نحو الدولة المدنية والقوانين المدنية المراعية لشروط الحياة الجديدة، كان الإخوان المسلمون يسعون إلى استعادة شروط وكيان quot;دولة الرسولquot; في المدينة المنورة، ويقفون على الأبواب السياسية لسقيفة بني ساعدة.
ومن هنا، تأخرت مصر في تقدمها السياسي، واستعاضت عن الرشد والليبرالية السياسية والاجتماعية والثقافية، التي كانت سائدة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بالهبل والدروشة الدينية. واستعاضت عن الأقلام النيرة باللحى الطويلة، وعن الفكر التنويري بالأثواب القصيرة.
(وللموضوع صلة).
السلام عليكم.