مقالي في الأسبوع الماضي (رئيس الجمهورية جمال مبارك) أثار حفيظة الكثير من القراء، الذين هاجموا المقال، بعد أن قرأوا العنوان، ولم يقرءوا المقال نفسه. كما كان المقال مناسبة لبعض الغوغاء لمهاجمة الليبراليين في شخص سعد الدين إبراهيم، الذي وقَّع على وثيقة ترشيح جمال مبارك بشروطها الخمسة التي ذكرتها في مقالي، ولكن تغاضى عنها معظم هؤلاء، لكي يجدوا المنفذ السهل والرخيص لمهاجمة الليبرالية. وهكذا انتهت الزفَّة في الأسبوع الماضي، بين من هاجم المقال، دون أن يقرأه، ولكنه سمع به من جاره، وبين من اكتفى بقراءة العنوان، وثالث اكتفى بشم رائحة المقال من بعيد، ورابع كابرَ مكابرةً، وغالب مغالبةً، وبحث عن كلمة في المقال، تقول بتوريث جمال مبارك فلم يجدها، فابتدعها في المقال، وبنى تعليقه عليها.
لا توريث بقرار جمهوري
يجب أن نعرف ونفهم، أن quot;التوريثquot; في الحالة المصرية الخاصة بجمال مبارك غير وارد على الإطلاق؛ بمعنى أن يتمّ تعيين جمال مبارك بقرار جمهوري رئيساً للجمهورية. فهو إلى هذه اللحظة، لم يتم تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، أو لأي منصب وزاري آخر. وإن كان واحداً من زعماء الحزب الوطني الحاكم الآن. واعتقد أنه وصل إلى هذه الزعامة بجهده، وكده، وعرقه. فلماذا لم يصبح أخوه (علاء مبارك) في مكانته؟ وفيما لو أصبح جمال مبارك في الغد رئيساً للجمهورية، فسيتم ذلك عَبر حملة انتخابية شعبية، وليس عن طريق قرار جمهوري من والده.
هل أصبح الوالد لعنة فرعونية؟
هل أصبحت أبوة حسني مبارك لجمال لعنة فرعونية؟
وما ذنب جمال في كونه الابن البكر الطموح لوالده؟
وما ذنب حسني مبارك إذا كان لديه من أولاده كجمال مبارك، من يطمح بالشرعية الانتخابية الشعبية، أن يصبح في يوم ما رئيساً للجمهورية، وهو الطموح الذي لم يعترِ أياً من أولاد الرؤساء الجمهوريين المصريين السابقين، كجمال عبد الناصر والسادات، أو أياً من أولاد ضباط وقادة الثورة المصرية الآخرين.
إن جمال مبارك كأي مواطن مصري، من حقه أن يطمح إلى رئاسة الجمهورية.
وإن جمال مبارك كأي سياسي مصري، من حقه أن يترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية.
وإن جمال مبارك كسياسي مصري مدني ليبرالي، من حقه أن ينال ترشيح حزبه وترشيح شعبه.
وهذا كله، شرط أن يجري تطبيق الأحكام الدستورية عليه، كأي مواطن مصري آخر، يخوض معركة الانتخابات الرئاسية المصرية.
المثال المتحدي للأنظمة العربية
إن مثال جمال مبارك يعتبر تحدياً قوياً لمعظم الأنظمة العربية الديكتاتورية، التي تقوم على التوريث بالقرار الرسمي وليس بالقرار الشعبي. كما أن نجاح جمال مبارك في أية انتخابات رئاسية قادمة، ومن خلال انتخابات شفافة، ونزيهة، وحرة، سوف يكون إحراجاً كبيراً، لكثير من الأنظمة العربية التي يصل رؤساؤها إلى كراسي الحكم عن طريق انتخابات مزورة، تصل فيها نسبة التأييد إلى الخمسة تسعات المعروفة عربياً (999و99% ).
اعرفوه قبل أن تنتخبوه، ولا تنتخبوه لكي تعرفوه!
ما أراه حقاً ومبشراً بالخير والفائدة، في مسيرة جمال مبارك السياسية، وفي طريقه إلى قصر عابدين، أن جمال مبارك يقول للمصريين:
اعرفوني قبل أن تنتخبوني.
ومن هنا، فهو في هذه الأيام، تحضيراً لانتخابات 2011 ، يجوب الريف المصري والنجوع والمحافظات، ويلتقي مع الناس والفلاحين، ويتعرَّف على مشاكلهم، ويناقشها بشفافية عالية كما شاهدت في عدة برامج تلفزيونية، ولا يكتفي بالجلوس في منتديات القاهرة، وعلك الكلام المعارض؛ أي أن الرجل، يبني مستقبله السياسي في مصر (طوبة فوق طوبة) كما يقولون، ولا يريد أن يجلس في قصر عابدين فجأة، أو ينزل على المصريين بـ (براشوت) من السماء. إنه يريد أن يشق الأرض المصرية، ويخرج منها، لكي يصبح، كما يطمح، الحاكم الصالح.
دكتاتوريات مصرية منذ 5 آلاف سنة!
كانت تتعاقب على مصر، منذ آلاف السنين، عهودٌ ديكتاتورية، من الفراعنة إلى الرومان، إلى اليونان، إلى العرب، إلى العلويين الملكيين، إلى الجمهوريين. ولم تتنسم مصر نسيم الديمقراطية، التي حلم بها خالد محمد خالد، وتمنى على عبد الناصر تحقيقيها في 1962 في اللجنة التحضيرية، إلا في عهد حسني مبارك. صحيح أنه في أواخر العهد الملكي، كانت هناك أحزاب سياسية، وانتخابات تشريعية، وصحافة حرة نسبياً، ولكن هذه الفترة لم تستمر، مع العهد العسكري الجمهوري، الذي أعاد مصر إلى عصر الفراعنة، وهذا ما قاله الراحل السادات :
(أنا وعبد الناصر آخر الفراعنة).
نسائم الحرية على صفحتك يا نيل!
ففي عهد مبارك، عادت نسائم الحرية والديمقراطية تهب من جديد، ولكن بقوة أكبر، وبمساحة أوسع، على صفحة النيل. ولم تتمتع المعارضة المصرية ndash; إن وُجدت أساساً ndash; بهامش كبير من حرية الرأي والصحافة كما تتمتع به هذه الأيام. صحيح أن الديمقراطية المصرية، ليست هي الديمقراطية البريطانية، أو الفرنسية، أو الأمريكية، أو غيرها من الديمقراطيات الغربية العريقة، ولكنها ديمقراطية لا مثيل لها، في العالم العربي والإسلامي!
كما أن الشعب المصري لم يبلغ من الوعي والثقافة والمعرفة ومستوى المعيشة العام ما بلغته شعوب هذه الديمقراطيات العريقة.
فأين هي حرية الصحافة والرأي في العالمين العربي والإسلامي، التي تهاجم رأس الدولة ليلاً نهاراً، وتكشف خفايا الفساد السياسي والمالي، وتطالب باستقالة بعض الوزراء، وآخرهم فاروق حسني وزير الثقافة، على خلفية سرقة لوحة quot;زهرة الخشخاشquot;؟
إن أوطاناً بكاملها تُسرق في العالم العربي، ولا يجرؤ أحدٌ على مجرد الغمز أو اللمز من سارقها، فكيف الحال بفضحه و(تجريسه) في الصحافة، وعلى رؤوس الأشهاد؟
مسؤولية المصريين تجاه وطنهم
على المصريين أن يتلاوموا على أنفسهم لفقرهم، وإنهاك وطنهم، وتدني مستوى معيشتهم، من جراء هذا التكاثر السكاني الأهوج والعشوائي، رغم خطط الدولة المتتابعة لتحديد وضبط النسل. فعدم التزام المصريين بخطط تحديد وضبط النسل كما التزم به الصينيون وغيرهم من الشعوب الواعية، والمحبة لأوطانها، أفسد على الدولة معظم خطط التنمية، التي طرحتها في السنوات السابقة. وفضّل معظم المصريين تكاثر البنين على نهضة الوطن، حتى ولو اضطرهم الأمر إلى العيش بين القبور، وتحت الجسور.
السلام عليكم.
التعليقات