-1-

عودة المرأة العربية إلى الحجاب والنقاب، عودة إلى تقاليد القرن التاسع عشر وما قبل ذلك.
والحجاب والنقاب، هما إعلانان غير مباشرين من المرأة العربية إلى رفضها للحقوق التي تطالب بها، ويطالب بها لها مجموعة من الليبراليين، لكي تتساوى مع الرجل في الحقوق والواجبات والمسئوليات.
فهي تعلن من خلال الحجاب والنقاب أنها امرأة ترفض أن تخرج من سجون القرون الماضية، وترفض أن تصبح امرأة تلبس، وتأكل، وتشرب، وتتربى، وتتعلم، وتعمل، في العصر الحديث، كباقي خلق الله، في الأرض أجمعين.

-2-
لا علاقة للإسلام بالحجاب والنقاب. وجمال البنا في كتابه عن quot;الحجابquot;، الذي صدر عن quot;رابطة العقلانيين العربquot;، أوفى وأغنى في هذا الموضوع.
وإذا كان الإسلام قد فرض الحجاب، قبل 15 قرناً على المرأة،، نتيجة لتموضع المرأة في المجتمع العربي في ذلك الوقت، ونتيجة لعدم وجود قوى أمنية تحمي المرأة من اعتداءات الرجال، فإننا امرأتنا في هذا الزمان مختلفة، وأن رجالنا مختلفون، وأن مجتمعاتنا مختلفة أيضاً. وما كان صواباً قبل 15 قرناً لم يعد كذلك. وإلا دعونا نعترف بأننا نعيش في مجتمع ما قبل 15 قرناً!

-3-

أوروبا التي انتبهت إلى تفشي ظاهرة النقاب هذه الأيام، وتحاول محاصرة وحصر هذه الظاهرة الكيدية المريضة، معها الحق كل الحق فيما تفعل.
فمنظر المرأة المُنقَّبة في شوارع أوروبا، منظر شاذ، ويخالف العقد الاجتماعي الأوروبي، كمنظر المرأة العارية.
فهل تسمح القيم الأوروبية للمرأة ndash; أية امرأة - أن تظهر عارية على العموم؟
فظهور المرأة العارية على هذا النحو، هو ظهور كيدي وتحدٍ لمن لا يملك غير العُري، لكي يكيد ويتحدى به الآخرين.
وظهور المرأة المُنقَّبة هو أيضاً ظهور كيدي وتحدٍ لقيم المجتمع الآخر، حيث لا امتلاك غير الكيد والتحدي للآخرين.

-4-
المرأة العارية في شوارع أوروبا، وجدت أن خير وسيلة للفت نظر الآخرين لها هو العُري، حيث لا تملك وسيلة غيره.
والمرأة المُنقَّبة في شوارع أوروبا، لم تجد وسيلة في الذين أهملوها - نتيجة ربما لقبحها، أو جهلها، أو تخلفها، أو كثرة أطفالها، أو فقرها- أنجع من النقاب، تُلفت به نظر الآخرين، وقد نجحت في ذلك. وها هي دفعت برلمانات أوروبية لنقاش المسألة.

-5-
إذا كانت أوروبا ndash; كما يهذي العرب والمسلمون ndash; تحارب اليوم الإسلام من خلال منع بناء المآذن في سويسرا، وغيرها، فهذا معنى أن أوروبا قد جُنَّت، ولم تبقَ ذرة عقل واحدة في رأسها. فكيف تمنع المآذن، لكي تحول بين الصلاة والمصلين، في عصر الساعة، والمذياع، والتلفزيون، والانترنت، وكل وسائل الإعلام الحديثة عن الوقت، وتدع المساجد، وخطباء المساجد، والمصلين، يمارسون شعائرهم بحرية، أكثر من الحرية التي يمارسون بها هذه الشعائر في موطنهم الأصلي؟
وإذا كانت أوروبا ndash; كما يهذي العرب والمسلمون ndash; تحارب الإسلام اليوم من خلال الحجاب والنقاب، فهذا معنى أن أوروبا عادت إلى مجتمعات وقيم القرون الوسطى المظلمة، ذات النظرة الضيقة والفهم الخاطيء للدين، ومسحت بـ (المحّاية) كل عصر التنوير، والثورة الصناعية، والعقلانية، وعصر الحداثة، والعلمانية.. الخ.


-6-
إذا كان الإسلام يُخيف ويُرعب أوروبا ndash; كما يهذي العرب والمسلمون - من خلال الحجاب والنقاب، فبئس هذا الإسلام الضعيف، وبئس سلاحه السخيف، الذي لا يُضير ولا يُخيف.
فبدل أن يقارع الإسلام ndash; إذا كانت ثمة مقارعة- الحضارة الغربية بمعالم حضارته، وعقله، وعلمه، يقارعها بخرقة سوداء قبيحة، في الحجاب والنقاب.
فهل انتقلت المواجهة بين الإرهاب والغرب من quot;سيف الإسلامquot; إلى quot;نقاب الإسلامquot; وحجابه؟

-7-
إن زوبعة الغبار الصحراوية، التي تثيرها خرقة سوداء، على وجه مجهول، في أوروبا دليل قاطع، على أن الأصولية والسلفية الدينية في العالم العربي، تلفظ أنفاسها الأخيرة. وهي انتقلت من مرحلة quot;الهجومquot; إلى مرحلة quot;الدفاعquot;، بسيوف من خشب، وبقطع من الخِرق السوداء البالية، المليئة بزَفَر الأنفاس اللاهثة، رافعةً هذه الخِرق كأعلام سوداء للحروب الهلالية، في القرن الحادي والعشرين، رداً على الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر (1096 - 1291م) كما يهذي بعض (الهُذاة)!
ولو حاول أحدكم أن يشمَّ واحدة من هذه الخِرق لزكمت أنفه رائحة (فطيسة) كريهة.

-8-
هل نساء العالم أجمع غير المُنقَّبات فاجرات وغير مسلمات، أو أنهن عاهرات، سيدخلن غداً جهنم، وبئس المصير؟
فأين النص الديني الصريح والمباشر - دون سطوة من الفقهاء - على وجوب النقاب؟
أمي وأمكَ وأمكِ لم يكنَّ مُنقَّبات قبل عشرات السنين، فهل هم فاجرات غير مسلمات، وهل هم الآن في الجحيم؟
وهل لا يوجد غير الحجاب والنقاب دليل على إسلام المرأة، وعفتها، وطُهرها؟
ولِمَ تسخر أوروبا من المسلمين، كما سخرت منذ سنوات قليلة مضت، وما زالت تسخر؟
إن السبب نحن المسلمين (الهايفين) الذين قزَّمنا هذا الدين العظيم بخرقة سوداء بالية.

-9-
كان على الأنثى العربية والمسلمة في الغرب بدلاً من أن( تتفعفل) بهذا السواد و (تتلطم) به كمظهر غريب، وشاذ، وقبيح، أن تغسل شعرها بالشامبو، وتسرحه وتلبس فستناناً محترماً ومحتشماً، وتعمل في أي عمل محترم، كأية امرأة محترمة، وتربي أطفالها بشكل سوي، وتعيش في أوروبا متمتعةً بالحرية والديمقراطية والحقوق المكتسبة للمرأة، التي حُرمت منها في وطنها الأصلي. لا أن تأتي إلى أوروبا، لكي تثير هذه الزوبعة الغبارية الصحراوية الجارحة للحلوق، والدامعة للعيون.

-10-

المُنقَّبات كالعاريات.
بل منظر المُنقَّبات ألذ وأمتع من منظر العاريات على شواطيء البحار، لمرضى النساء. فالخيال الذي يُعرّي المُنقَّبة، ألذ وأمتع من رؤية العينيين المباشرة لجسد المرأة.
أيتها المُنقَّبات:
استرن أجسامكنَّ، والبسن كما تلبس الأخريات، بدل هذا العُري الأسود الكريه، وكأن الواحدة منكن لطخت جسمها ووجهها بالقار الأسود، رمز الحزن والظلام والخوف والتخلف.
أيتها المُنقَّبات:
سرن في الأرض كعباد الله الآخرين، والتفتن إلى عائلتكنَّ وأطفالكنَّ وعملكنَّ وعلمكنَّ، ولا تحاولنَّ أن تشوهنَّ الإسلام بهذه الخِرق السوداء، التي لا تصلح حتى لإزالة (الزَفَر) من موائد الطعام.
فالحروب الصليبية والهلالية قد انتهت منذ عشرة قرون، ونحن اليوم في سباق مع العقل والعلم والإبداع.
السلام عليكم.