-1-
موضوع الرئيس المصري القادم في 2011، ومسألة توريث الحكم في مصر شغلت العرب، قبل أن تُشغل المصريين أنفسهم. وهذا من الطبيعي جداً. فالشؤون المصرية شؤون عربية، قبل أن تكون مصرية. فإذا عطست مصر مرض العرب، وإذا جاعت مصر مات العرب جوعاً، وإذا هُزمت مصر في معركة، فقد هزم العرب أجمعين. وهذا ما حصل 1967. وإذا انتصرت مصر، انتشى وانتصر العرب أجمعين. وهذا ما حصل 1973.


-2-
التوريث، تراث عربي وإسلامي أصيل.
وهذا لا يعني أنني أريد أن أُسوّق للتوريث، أو أُسوّغ له. فليس لي ناقة ولا جمل، فيمن سيأتي رئيساً لمصر في 2011، أو بعد ذلك. ولكن همّي الأكبر، أن تستقر مصر سياسياً، لكي تبقى منارةً من منارات الليبرالية والحداثة، كما كانت في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث رحل ولجأ إليها أحرار ومفكرو العالم العربي، من بلاد الشام خاصة. وحيث قادت مصر بطه حسين، وعلي عبد الرازق، وإسماعيل أدهم، وإسماعيل مظهر، وتوفيق الحكيم، والزيّات، ولويس عوض، ولطفي السيد، وغيرهم كثيرون، مسيرة الليبرالية والحداثة، وما زالت تقودهما حتى الآن، رغم كل ما فيها من تشدد ديني، وترصُّد سياسي، من قبل الأحزاب الدينية الأصولية المفترسة، والأحزاب العَلْمانية العرجاء والمُقَعدة.

-3-
ومرة أخرى، التوريث تراث سياسي عربي وإسلامي أصيل.
فمنذ 15 قرناً، وحتى الآن، ما زال العرب والمسلمون يورِّثون ويتوارثون الحكم أباً عن جد.
فما هو الجديد والمُستغرب في مصر؟
ومنذ 15 قرناً والخلفاء يورِّثون أبناءهم الحكم، وكذلك يفعل الملوك، والسلاطين، والأمراء، والولاة، وغيرهم، وحتى الآن.
فما هو الجديد والمُستغرب في مصر؟
ومصر الحديثة (1805-1952)، قامت على التوريث السياسي، بين محمد علي باشا، وأولاده، وأحفاده، من بعده.
فما هو الجديد والمُستغرب في مصر؟
ومصر الثورة، قامت على التوريث السياسي الجمهوري. فعبد الناصر ورَّث السادات، والسادات ورَّث مبارك من بعده.
فما هو الجديد والمُستغرب في مصر؟
وفي أشهر الديمقراطيات في العالم، ورَّث جورج بوش الأب ابنه جورج دبليو بوش، بأن أعده سياسياً وحزبياً للفوز في دورتين رئاستين متتاليتين. ولو كان لأحد الرؤساء الديمقراطيين أو الجمهوريين الآخرين أبناء كجورج بوش الابن والأب، لفعلوا الشيء ذاته.
وفي العالم العربي نُظمٌ ملكية وجمهورية، تتبع نظام quot;التوريث السيفيquot;؛ أي بالقوة، دون سؤال أو جواب، وعلى رؤوس الأشهاد.
فما الجديد والمُستغرب في مصر؟
والتوريث في مصر والعالم العربي الآن على قدم وساق. فكثير من الممثلين والممثلات الشباب هم أبناء وبنات آباء وأمهات ممثلين وممثلات. وكثير من السياسيين والأطباء ورجال الأعمال وغيرهم، هم كذلك.
فما هو الجديد والمُستغرب في مصر؟
وفي مصر، ربما جرى quot;التوريث الورديquot;؛ أي بدفع جمال مبارك إلى معركة انتخابية، والفوز بهذه المعركة على الطريقة المصرية والعربية المألوفة!

-4-
وإذا ما تمَّ ترشيح جمال مبارك في الانتخابات القادمة 2011، أو في انتخابات 2016، أو في أية انتخابات قادمة، فسوف يفوز، ويكتسح أي منافس له، لأسباب كثيرة منها:
1- وقوف أقوى وأكبر حزب سياسي في مصر، وراء جمال مبارك.
2- وقوف تراث ودعم مبارك الأب، وراء مبارك الابن.
3- وقوف الإعلام الحكومي المصري القوي والمؤثِّر وراء جمال مبارك.
4- وقوف رجال الأعمال الأثرياء، الذين يضمهم الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وراء جمال مبارك.
5- quot;احتمالquot; وقوف الجيش المصري وراء جمال مبارك.
6- في المقابلة التي أذاعها التلفزيون المصري لجمال مبارك مع تامر أمين في برنامج (مصر النهارده) برز جمال مبارك كمسئول سياسي واقتصادي واجتماعي، قدير على حمل مسؤولية الحكم الجسيمة في مصر.
7- لا منافس قوياً لجمال مبارك، يُخشى جانبه الانتخابي في مصر حتى الآن، ما عدا حركة الإخوان المسلمين. وهي حركة دينية، لا أمل لها في الحكم المدني، في القرن الحادي والعشرين.
8- وأخيراً، فالقول quot;عار ومهانة مشروع التوريث الذي يسعى إلى تحقيقه نجل الرئيسquot;، فإننا بذلك نَصمُ التاريخ العربي والإسلامي الماضي والحاضر، بوصمة العار والمهانة، لأن هذا التاريخ كله، قام وتشكَّل بالتوريث quot;السيفيquot;؛ أي بالقوة. ولكن جمال مبارك إذا وصل إلى كرسي رئاسة الجمهورية، فسيصله عبر quot;صندوق الاقتراعquot; المصري ذي المواصفات السياسية المصرية التقليدية، وليس عبر سيف معاوية (مفتتح التوريث السياسي) عندما ورَّث الحكم لأبنه يزيد، وقال للناس: إما يزيد، وإما السيف.

-5-
وهذه هي الحقيقة، التي أدركها سعد الدين إبراهيم، ودفعته إلى التوقيع على quot;وثيقة الائتلاف الشعبيquot; المشروطة لترشيح جمال مبارك، بالشروط الخمسة التالية:
1- أن ينجح الائتلاف في جمع خمسة ملايين توقيع لصالح جمال مبارك.
2- أن يتم تغيير المادة 177 من الدستور.
3- أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية.
4 - القيام بإصلاحات لنظام الحكم الحالي.
5- أن يتم خوض انتخابات حرة، تتكافأ فيها الفرص بين جميع المرشحين، وتحت رقابة دولية نزيهة.
السلام عليكم.