-1-
سوف يكثر الحديث في مقتبل الأيام، عن quot;تحالف القيمquot; الإسلامية مع قيم الثورة الفرنسية 1789، الذي أطلقه الأمير خالد الفيصل في خطابه المهم، أمام مجلس الشيوخ الفرنسي قبل أيام، بمناسبة انعقاد مؤتمر quot;نظرات على المجتمع السعوديquot; في باريس، وتناقلته معظم وكالات الأنباء، وتُرجم إلى عدة لغات، لكي يفهم القاصي والداني حقيقة الرسالة الإسلامية. وشرح الفيصل في هذا الخطاب المهم، بالأمثلة العقلية المقنعة، لقاء قيم الإسلام النقية مع قيم الثورة الفرنسية في العدالة، والمساواة، والإخاء، والحرية. ومما قاله:
1- إن الحضارة الغربية تؤمن بالعدالة، وقرآننا يقول: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾ (النحل:90)، ويقول: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ (المائدة:8).
2- إن الحضارة الغربية تؤمن بالإخاء الإنساني، وقرآننا يقول: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ (الإسراء:70). هكذا بالإطلاق دون تفريق بين أي لون. ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول: (أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة).
3- والحضارة الغربية تؤمن بالتنوّع الثقافي والتعددية، كما جاء في الإعلان العالمي للتنوع الثقافي عام 2001، وكتابنا يقول ﴿ يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾ (الحجرات:13). وقد كانت الكوكبة الأولى من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، تمثل تنوعاً فريداً: أبو بكر العربي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وغيرهم، كما استوعبت دولة الإسلام على مر عصورها، سائر الأديان والثقافات، على أساس المبدأ القرآني: quot;لا إكراه في الدينquot;.
4- والحضارة الغربية تؤمن بالثقافة والعلم. وأول كلمة نزلت في كتابنا (اقرأ). فحضارتنا تجعل الاشتغال بالعلم عبادة، وقُربى إلى الله.
-2-
وقبل ذلك بقرنين من الزمان، كان فولتير فيلسوف الثورة الفرنسية ورائد الليبرالية الأول، يرى أن وجود الله، والقيمة المطلقة لشكل معين لفهم الأخلاق، أمران لا شك فيهما أبداً.
ففولتير - كما يقول مؤرخه اندريه كريسون - يعتبر الإلحاد أمراً صعب المسالك. ويقول فولتير: quot; وجود الله هو أقرب شيء الى الاحتمال، يمكن للبشر أن يفكروا فيهquot;. ويضيف: quot;القول المعاكس من أبعد الأشياء عن العقل والمنطق.quot; ويختم بقوله: quot;لو لم يكن الله موجوداً، إذاً لوجب اختراعه.quot;
وتلتقي الليبرالية السعودية مع فولتير، ممثلةً بالمفكر السعودي التنويري يوسف أبا الخيل، الذي كتب عدة مقالات في جريدة quot;الرياضquot; حول عقلانية الإيمان بالخالق، تأكيداً لإيمان الليبرالية بالله. وعلى عكس ما يُطلق عليها الأصوليون الظلاميون الطفوليون من كفر، وإلحاد، وزندقة، في مواقعهم على الانترنت، التي تشبه الى حد كبير مغارات quot;تورا بوراquot; في أفغانستان. وهو لا يعدو ndash; كما قال يوسف أبا الخيل في مقال quot;منهج الحوار في القرآن الكريمquot; ndash; quot;أن يكون اغتيالاً معنوياً على طريق الاغتيال الحسي للمخالف.quot; ويقول في مقاله quot;الآخر في ميزان الإسلام، 2007quot;:
quot; الإسلام - على خلاف ما يريده المتشددون والمتنطعون - لا يُكفِّر مخالفيه لمجرد عدم إتباعهم رسالته، بل يُكفَّر منهم فقط، من يحول بين الناس وبين ممارستهم لحرية العقيدة التي كفلها لهم. ولم يلتبس الأمر إلا عندما اخترع الفقهاء مصطلح ]دار الحرب[ في مقابل مصطلح ]دار الإسلام[ زمن الفتوحات. فأصبحت ]دار الحرب [ تعني حينها كافة المجتمعات والدول التي لا تنضوي تحت لواء الدولة الإسلامية، التي تمثل بدورها ]دار الإسلام[، مما سمح بتعدية مصطلح ]الكفر[ لاحقاً، ليكون وصفاً لكل من لا يدين بالإسلام. quot;
ومما قاله أبا الخيل عن الكفر والإيمان، في الجزء الأول من بحثه (النفور من العلم عنوان مجتمعات ما قبل الحداثة):
quot;الغريب أن الوعي الزائف والنفور من العلم، بل والوحشة منه، يزيد في عالمنا العربي والإسلامي، درجةً ونوعيةً، كلما تقدَّم به الزمن، في وضع معكوس تماماً لما يفرضه واقع عالم اليوم. فأسلافنا، على العموم، كانوا أقل حساسية منا فيما يتعلَّق بنتائج العلم التي ربما تخالف بعض ظواهر النصوص الدينية. ويمكن معرفة ذلك مما كتبه حمزة المزيني (مفكر تنويري وليبرالي سعودي)، في مقال له بعنوان: quot;آفة الأخبار رواتهاquot; من أن عباس محمود العقاد لم يرَ، فيما كتبه عن ]نظرية النشوء والارتقاء[، تهديدا للإيمان بأن الله هو الخالق، فيما كانت الحال لدينا في المملكة قريبة من ذلك، فقد كتب الشيخ محمد أحمد باشميل (كاتب سعودي) كتاباً يصوِّر حواراً بين شيخ وتلميذه يناقشان، بحياد واضح، الأدلة المؤيدة والمعارضة لهذه النظرية. وانتهى الشيخ إلى أنه يمكن تأويل هذه النظرية، بطريقة لا تجعلها تصادم الإيمان بالله خالقاً.quot;
-3-
ولكن، كيف يفسر يوسف أبا الخيل إلحاد عبد الله القصيمي (المفكر السعودي) كما وصفته quot;يورغن فازلاquot; في كتابها quot; من أصولي إلى ملحد: قصة انشقاق عبد الله القصيميquot; ومن خلال كتبه الثلاثة: quot;العالم ليس عقلاًquot;، وquot;هذا الكون ما ضميره؟ quot;، و quot;كبرياء التاريخ في مأزقquot;؟
يقول أبا الخيل:
quot; في عام 1967م حدثت النكسة العربية بكل تداعياتها المأساوية. وكانت بداية لهبوط نجم القومية العربية الصاعد قبل النكسة بقوة. فكان القصيمي (سوبر ستار) هذه المرحلة المتميزة بالإحباط العربي التام، والتلهف لكل ما هو نقد حاد للذات، بل والدعوة للقطيعة التامة مع الماضي، ومنه بالطبع ماضي القصيمي السلفي، المتداخل مع ظروف هذه المرحلة. وفي مثل هذه المناخات السائدة يمكن أن تجد فلسفة القصيمي، التي تدعو إلى تحطيم الصور النمطية السائدة للسياسة والدين، مكاناً ملائماً لها، وأرضاً غاية في الخصوبة.quot;
-4-
لقد طال المقال قليلاً ولم نُكمل بعد، فلنا عودة.
السلام عليكم.
التعليقات