لم ينسَ محمد حسن عوَّاد أهمية المال والاقتصاد في بناء الأمة، ودفعها إلى الحضارة والتقدم، فركّز على أهمية استعمال المال ndash; وكأنه كان يعلم في ذلك الوقت، بأن السعودية ستصبح أكبر مصدر للبترول، وتختزن أضخم مخزون منه. وأنها ستصبح أغنى دولة عربية، كما هو قائم بالفعل الآن 2009 ومنذ عدة سنوات سابقة، بعد أن وصل سعر برميل البترول إلى أرقام غير مسبوقة ndash; في بناء الأمة. وخلُص إلى التالي :
1- التحذير من صرف الدخول الريعية (الأموال المتأتية من العمرة والحج والبترول) في نواحي استهلاكية أو ترفيهية. وهو ما حصل في سنوات سابقة في السعودية. ولكن السعودية عادت وصرفت مليارات الدولارات في بناء البنية التحتية، والتعليم، والتوسع في البعثات التعليمية إلى الخارج، وبناء آلاف المدارس، ومئات المعاهد، وعشرات الجامعات، وآخرها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بمساحة 36 كم مربع في quot;ثولquot; على شاطيء البحر الأحمر، التي افتُتحت في 23 سبتمبر 2009 والتي تعتبر أغلى جامعة في تكلفتها في العالم، حيث كلّفت أكثر من خمسة مليارات دولار. وتسمح هذه الجامعة لأول مرة في تاريخ السعودية بالاختلاط بين الرجال والنساء في الحرم الجامعي، وفي قاعات الدراسة، وقيادة النساء للسيارات داخل الحرم الجامعي. ولن يسمح لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدخول هناك. كما لن تكون الطالبات مُلزمات بارتداء الحجاب. وتمنح الجامعة درجات الماجستير والدكتوراه في تسعة اختصاصات علمية، من بينها علوم الكمبيوتر، والأحياء، والهندسة، في عدد من التخصصات. وتهدف الجامعة إلى تمكين السعوديين والعرب من المنافسة في مجال العلوم والتكنولوجيا، وإلى تحويل السعودية الى أحد مراكز البحث العلمي المتقدمة في المنطقة.
2- نادى العوَّاد في كتابه (خواطر مُصرَّحة) باستثمار جزء من الدخل الريعي في الرعاية الاجتماعية، وفي إقامة مجتمع صناعي، وبناء المجتمع المدني. وشرح كثيراً من أفكاره وخططه الاقتصادية والتنموية في كتابه سابق الذكر، مما يبرهن لنا أن ليبرالية العواد لم تكن ليبرالية أدبية فنية وإنما كانت متعددة الوجوه وشملت الثقافة والاقتصاد والاجتماع وحرية المرأة. والعوَّاد لم يكن في أفكاره الاقتصادية شاعراً خيالياً ndash; وهو شاعر حقاً وله عدة دواوين منشورة منها: quot;آماس وأطلاسquot;، و quot;قمم الأولمبquot;، quot;الأفق الملتهبquot;، و quot;رؤى أبولونquot;، و quot;نحو كيان جديدquot; وغيرها من الدواوين الشعرية- ولكنه كان مفكراً عضوياً لصيقاً كل الملاصقة بواقع ومشكلات مجتمعه، وكان عليه أن يُدلي بشهادته في هذا المجتمع آنذاك في العشرينات من القرن العشرين.
زوبعة عقابية ضد العوّاد
ولكن ما أثار زوبعة عقابية على العوَّاد مهاجمته لرجال الدين التقليديين. فشنّوا عليه حملة مضادة أشبه بالحملة العقابية التي شُنت على طه حسين وعلي عبد الرازق في العشرينات من القرن الماضي.
وقال الكاتب السعودي محمد علي مغربي (1913-1996) أحد مؤرخي الحجاز، ومؤلف كتاب quot;أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرةquot;، معلقاً على الزوبعة التي أثارها كتاب العوَّاد:
quot;والواقع أننا لو أردنا تقييم الكتاب بمحتواه بعيداً عن الظروف التي شرحناها، لوجدنا أنه عبارة عن مجموعة مقالات تدعو إلى الإصلاح، وإلى التجديد في كل شيء. ولكن بعضها ينتهج أسلوباً جارحاً في التعبير، وخاصة تلك المقالة التي يوجهها للعلماء، وكان من الممكن التعبير عن هذه الأفكار بأسلوب أكثر هدوءاً وأقل اندفاعاً، ولكن الكتاب، كما قلنا، كان مفاجأة مذهلة للناس، فاستحق أن يدخل التاريخ إيذاناً بابتداء حركة التجديد في الأدب في الحجاز، مع ما سبقه من كتابي: (أدب الحجاز) و (المعرض) لمحمد سرور الصبَّان، وما تلاهما من ظهور جريدة (صوت الحجاز) التي كانت تعبيراً مستمراً عن هذا الأدب لسنوات طويلة فيما بعد.quot;
أما ناشر الكتاب محمد سرور الصبَّان (1898-1971) فقد قال معلقاً على صدور هذا الكتاب:
quot;لقد طلع الفجر فاستيقظنا، ونادانا الواجب فلبينا، وبدأنا نسمع صوتنا لمن أنكرنا، وصرنا نكتب، ونُشْعِر. نكتب لنعلم كيف نكتب، ونُشْعِر لنعرف كيف نُشْعِر. ولسنا متجاوزين حداً من حدودنا، وليس فينا من يطمح طَرَفه إلى فائدة خاصة ينالها. ما نحن إلا أبناء وطن نريد إصلاحه. نسعى لنقيم العدل، فننزع إلى مكارم الأخلاق. quot;
العواد والعمائم المشيدة فوق الرؤوس
إن الهجوم الشرس والسخرية المريرة التي شنّها العوَّاد على رجال الدين التقليديين من سلفيين وأصوليين، لقيت من عبد الوهاب آشي التشجيع والترحيب، حيث قال آشي تعليقاً على قول العوَّاد في كتابه:
quot;كم جلبت لنا من المصائب تلك العمائم المشيدة فوق الرؤوس.quot;
فقال آشي:
quot;كثيراً ما يوجه المحافظون المتشددون من المتدينين إلينا معشر الشباب، سهام الازدراء والاحتقار. يزعمون أننا مرقنا من الدين، وتجاوزنا حدود اللياقة الأدبية معهم، إلا أنهم في خطل عظيم. نحن نريد أن يسود العلم، والوداد، والشعور السامي، كل طبقاتنا.quot;
فروق بين الدين الرسالة والدين التاريخ
والعواد يفُرِّق بين الدين والمتدينين، وبين الدين ورجال الدين، وبين الدين كنصوص مقدسة والدين كممارسات خاطئة وتقاليد وأعراف متوارثة، وبين الدين كقيم أخلاقية نبيلة وبين الدين النفعي، الذي يُجنَّد للمنافع الشخصية والمصالح الخاصة. ونستطيع أن نعدَّ العوّاد من مثقفي المعتزلة الذين يؤمنون بأن الدين جاء من أجل خدمة الإنسان، ولم يكن الإنسان في خدمة الدين، حيث لا حاجة للدين للخدم، عندما يقول لنا في كتابه: quot;خُلق الدين ليسدد خطوات الإنسانquot; (ص 106).
وكان العوّاد يعلم، بأن رجال الدين من أصحاب العمائم المبكرة، ينتفعون من الناس بواسطة الدين، ويستعملون الدين كمطيّة للوصول إلى أغراض نفعية وشخصية (ص 113-114). ووجاهة اجتماعية (ص 117). لذا، فقد صبَّ جام غضبه وسخطه ونقده الحاد والشرس عليهم. ووصفهم بأنهم كابوس على الأمم، وأنهم يسممون حياة البشر. كما وصفهم بالشياطين، ورماهم بالجهل بالدين (ص111 ) وأنهم طبقة طفيلية غير منتجة (ص 116)، وطلب منهم إعادة دراسة الدين من جديد، لكي يكونوا مؤهلين للدعوة الدينية.
جهل وانغلاق علماء الدين
ويستكثر العوّاد إطلاق لقب quot;علماءquot; على رجال الدين. ويقارن بينهم وبين علماء الطبيعة الغربيين، ويخلص إلى أن عقول العلماء الغربيين باحثة ومتدفقة، وأن علماء الدين جهلة منغلقون، يفتقدون الفهم للحقائق العلمية (ص118).
وأما بعد:
فما أقرب هذا الواقع، وهذا الجدل، وهذا النقد، وهذه المقارعات، بين القديم والجديد، وبين الحداثة والقدامة، وبين الثابت والمتحوّل، وبين الإبداع والابتداع، مما يجري الآن على الساحة العربية عامة، والساحة السعودية خاصة، تجاه كل خطوة شجاعة للتغيير والتطوير.
السلام عليكم.
- آخر تحديث :
التعليقات