-1-
اهتمامي بشؤون المرأة العربية عامة والخليجية خاصة والسعودية على وجه الخصوص، مبعثه اعتقادي الراسخ أن نيل المرأة لمطالبها العادلة، لن يتحقق إلا إذا تعلمت المرأة واجتهدت، وقدمت للمجتمع أمثلة واضحة على العمل الجاد، الذي يُعلي من مقام الوطن، ويدفعه إلى التقدم إلى الأمام.
المرأة العربية والخليجية والسعودية، لن يعيق تقدمها فتاوى المفتين سلباً أو إيجاباً، ولن يعيق تقدمها تحجُّر عقلية الآباء والأبناء والإخوة والأزواج، ومنعهم المرأة من ممارسة مشروعية حياتها.
والمرأة العربية والخليجية والسعودية لن يعيق تقدمها المناهج الدينية المتشددة، التي تحفظ الطالبة والطالب نصوصها في المدارس. فهناك واقع على الأرض يُكذِّب نصوص هذه المناهج. فإلى جانب تكفير الآخر، وضرورة محاربته، تقيم الدول علاقات وتحالفات سياسية وغير سياسية متينة مع هذا الكافر. وإلى جانب تحريم الربا، تقوم البنوك في العالم العربي بالعمل بالأسلوب الرأسمالي الغربي.. الخ. فالحياة العربية الجديدة والواقع العربي لم تعد تتسع لنصوص متشددة، قامت لإصلاح مجتمع جاهلي معين، قبل 15 قرناً.

-2-
فأين هي علَّة تخلُّف المرأة إذن؟
في الأمس كتبت ريم الصالح تقول: quot; لو كانت المناهج الدينية في السعودية هي علَّة تخلفنا لكانت الدول العربية الأخرى التي لا تُدرِّس الدين أوفر حظاً وأكثر تطوراً. لكن مقارنة حالها بالمناهج السعودية، يُثبت لنا أن quot;سعيد أخو مباركquot; (إيلاف، 19/9/2009).
في ndash; رأيي المتواضع ndash; أن علَّة تخلُّف المرأة العربية والخليجية والسعودية هي المرأة نفسها. فلا يتقدم بالمرأة غير عمل المرأة، ولا يدفع المرأة إلى صفوف العمل الأمامية غير المرأة، ولا يحفظ كافة حقوق المرأة غير المرأة. وكل هذا لن يتأتى إلا إذا تعلَّمت المرأة، وأصرَّت على التعليم، وكابدته، ونجحت. وعندما فعلت المرأة ذلك، فُتحت لها الأبواب ذات (المزاليج) الضخمة، رغم أنف quot;حرّاس الفضيلةquot;، الذين يعتبرون المرأة منبع الرذيلة، والنجاسة الأخلاقية.
فحين تعلًّمت المرأة، وأصرت على التعلُّم، أصبحت الوزيرة، والسفيرة، والقاضية، والمدعيّة العامة، والكاتبة، والشاعرة، والروائية، والرسامة، والفنانة التشكيلية، والممثلة، والمخرجة، وكاتبة النص المسرحي، ومديرة الجامعة، ومديرة البنك، والمستشارة، والطبيبة، والمعلمة.. الخ.

-3-
ها هي المرأة السعودية اليوم تخوض تجربة جديدة مشرقة.
فبعد أن أصبحت في أعلى المناصب الوزارية، والتربوية، والصحية، والثقافية، والفنية في السعودية، ليس بقرار ملكي، ولا بمرسوم سلطاني، وإنما بعلمها، وجهدها، وجدها. وليس برفع شعارات التحرر، والليبرالية، والحداثة، والمساواة، ولكن بحاجة المجتمع الشديدة إلى علمها وخبرتها، ها هي اليوم تخوض تجربة ثقافية جديدة، على كل نساء جدة - دون استثناء وحتى الأميّات منهن- أن يذهبن، ويتفرجن، ويتمتعن، بالمسرحية السعودية الاجتماعية الكوميدية الناقدة، التي تُعرض لأول مرة في جدة بعنوان quot;كافية فت فتquot;، وفي ثلاثة أيام (22-24/9/2009) أي (رابع وخامس وسادس أيام عيد الفطر). فهذا جهد قرن كامل، منذ أن فتح الملك عبد العزيز الرياض عام 1902.

-4-
لقد بدأت خشبة المسرح النسائي تدقُّ دقاتها التقليدية الأولى، إيذاناً برفع الستار عن مسرحية كوميدية نقدية لزواج المسيار وزواج الأناسة وزواج المسفار (الدعارة الشرعية)، تقوم بتمثيلها 18 شخصية نسائية سعودية، أبرزهن هالة حكيم المذيعة السعودية المعروفة. ودخلت السيدة جنات الرهيبي التاريخ الثقافي السعودي من خلال كتابتها لأول مسرحية نسائية سعودية في جدة. كما سجّلت المخرجة هناء الفاسي وسعاد الشمري رئيسة اللجنة المنظمة لهذا الاحتفال نصراً غير مسبوق بحصولهن على تصريح من إمارة منطقة مكة بعرض هذه المسرحية، على خشبة مسرح مركز الملك عبد العزيز.

-5-
إن كافة الليبراليين والليبراليات مدعون اليوم إلى الوقوف إلى جانب هذه التجربة المسرحية الوليدة. وهي ليست تجربة ثقافية، بقدر ما هي تجربة حضارية، تشير إلى انتقال المرأة من عصر quot;الحرملكquot; إلى عصر quot;التملُّكquot;.. تملُّكها وحدها قرار حاضرها ومستقبلها. وتكون المرأة بذلك قد دشنت عصر الحداثة، حيث أهم أهدافه تحقيق إرادة الفرد الإنسان، وحريته في الاختيار.
مسرحية quot;كافية فت فتquot; سوف تذكرنا بأول مسرحية مصرية quot;فتح الأندلسquot;، التي كتبها الزعيم المصري مصطفى كامل في 1893. وتذكرنا كذلك بأول مسرحية سورية quot;الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواحquot; التي وضعها مؤسس المسرح السوري، أبو خليل القباني عام 1871.
فهكذا تبدأ الخطوات.
لقد تأخر المسرح كثيراً في السعودية، ولكنه هلَّ الآن.
وأن يأتي متأخراً، خيرٌ من أن لا يأتي أبداً.
السلام عليكم.